العدد 5035 - الأحد 19 يونيو 2016م الموافق 14 رمضان 1437هـ

فرصة الطفل الأبيض في التبنِّي أكبر من ذي الأعراق المختلطة

«اسمي ليون» للبريطانية كيت دي وال...

كيت دي وال
كيت دي وال

يتطلَّب أولاً، وقبل الدخول في تقديم المراجعة التي كتبتها بيرناردين إيفاريستو، من صحيفة «الغارديان»، يوم الجمعة (3 يونيو/ حزيران 2016)، لرواية الكاتبة البريطانية كيت دي وال، «اسمي ليون»، تقديم ملمح أوَّلي للفضاء الذي تتحرَّك فيه؛ إذ تحكي قصة أخوين بالتبنِّي، يخضعان، مثل آلاف الأطفال لنظام الرعاية. تأخذنا الرواية إلى مفترق التضحية بواحد منهما، كي تتوافر للأخ الآخر فرصة حياة أفضل.

وضمن الفضاء الذي تتحرَّك فيه الرواية، ثمة سؤال يمكن الوقوف عليه، يستطيع القارئ الفطِن أن يستشفَّه، يرتبط بمثل ذلك الخيار الصعب: أن يفترق الأخوان، يتحدَّد في: هل من الأفضل أن يجتمع إخوة جميعاً تحت نظام الرعاية بالتبنِّي، أم يفترق بعضهم - مع قبول لدى البقية - كي يتسنَّى لأحدهم أو بعضهم الحصول على تبنٍّ لدى عائلة تتيح حياة فيها من الاستقرار والكرامة الشيء الكثير؟

ذلك يقود إلى تتبُّع فاعليات وجهات الاحتفاء بالعمل، وخصوصاً ما كتبته مجلة «التايمز» البريطانية بإشارتها إلى أن كيت دي وال، لم تكن تلعب دور فاعلة الخير، في الوقت الذي لا تشعر فيه بالندم، وعلى لسان كيت تنقل قولها، بأنها لو كانت في مواجهة مع الوضع الخيالي لأبطال روايتها، بوجود صبي من أعراق مختلطة، وأخيه غير الشقيق ذي البشرة البيضاء، لكانت هي نفسها قد صوَّتت لصالح انفصالهما، وتبنِّي الطفل الأبيض.

ولا تتردَّد في الإعراب عن حقيقة قائمة في مجتمعات يكثر فيها التبنِّي، وتركيز معظم العائلات على لون بشرة الطفل، أو ذلك الذي لم يأت نتاج أعراق مختلطة، وتوجُّه معظم العائلات إلى الطفل الأبيض، حيث فرصه في الحصول على عائلة تتبنَّاه أكثر بكثير من الآخر ذي الأعراق المختلطة.

كيت دي وال، صوت حاضر بقوة في فضاء القصة القصيرة، ويرى كثير من النقاد أنه مع صدور روايتها الأولى، يمكنها أن تحقق مكانة كبيرة في السنوات القليلة المقبلة، وخصوصاً مع احتفاء عدد من النقَّاد في الصحف الكبرى بعملها الأول، لما احتواه من جرأة في طرح أفكارها ورؤيتها إلى ما يتعلق بنظام الرعاية بالتبنِّي، وقضايا الأسرة عموماً. ولدت في برمنغهام بالمملكة المتحدة، من أم أيرلندية وأب من سانت كيتس ونيفيس أو اتحاد القديس كريستوفر ونيفيس، ويقع في جزر ليوارد وهي دولة اتحادية من جزيرتين اثنتين من جزر الهند الغربية. هذه الدولة هي أصغر دولة ذات سيادة في الأميركتين سواء من حيث المساحة أو عدد السكان. عملت لمدة 15 عاماً في مجال القانون الأسري والجنائي. تهتم كتاباتها بعالم المناطق الحضرية، المنسية، والأماكن التي يتم التغاضي عنها، حيث الأماكن التي توجد فيها أفضل القصص. وذلك هو ما يجعل عدداً من أعمالها القصصية على متاخمة مع تلك العوالم، ولم تكن روايتها موضوع المراجعة بمنأى عن ممارستها الميدانية والعملية ومشاهداتها. حاصلة على شهادة الماجستير في الكتابة الإبداعية من جامعة أكسفورد بروكس، وهي عضو مؤسس في مجموعة كتَّاب «ليذر لاين» ومجموعة أكسفورد للسرد. و «اسمي ليون» هو أول كتاب لها. هنا أهم ما جاء في مراجعة بيرناردين إيفاريستو، مع هوامش وإحالات وتوضيح لبعض الأعمال الروائية التي استشهدت بها في اثناء المراجعة.

حظيت كيت دي وال فعلاً بالثناء والاهتمام بقصصها القصيرة. عملت في مجال القانون الأسري والجنائي لسنوات عديدة، ووضعت كتيبات للتدريب على الرعاية والتبني؛ كما أنها نشأت أيضاً مع أم رعت الأطفال، كل ذلك يساعد على تفسير مستوى النباهة والأصالة الواضحة في عمل «اسمي ليون»، بحركتها في الرواية المثيرة للتفكير والتأمل.

تقع أحداث الرواية في وقت مبكِّر من ثمانينات القرن الماضي، ومثلها مثل أعمال من قبيل «ما كانت تعرفه مايسي»، لواحد من أعظم الروائيين الأميركيين من أصل بريطاني، هنري جيمس، وتحكي قصة طفلة صغيرة تعيش وضعيات صعبة بعد طلاق والديها سوزانا وبيل، وارتباط كل منهما بعلاقات عاطفية متعدِّدة، و «حادث الكلب الغريب أثناء الليل» لمارك هادون (من مواليد 26 سبتمبر/ أيلول 1962. روائي إنجليزي. اشتهر بروايته «حادث الكلب الغريب أثناء الليل»، والتي صدرت في العام 2003. فاز بعدد من الجوائز من بينها: جائزة «ويتبريد»، جائزة الغارديان، وجائزة رابطة كتَّاب الكومونولث) والتي تُروى من خلال وجهة نظر طفل يعاني من التوحُّد، ولديه حضور تام في الملاحظة، على رغم أننا نفهم ما يحدث من حوله أكثر مما يفهم هو. الرواية تحكي قصة كريستوفر البالغ من العمر 15 سنة، يتمتع بذكاء كبير، ويجد نفسه أمام دافع حل جريمة قتل، تقوده تلك الرحلة في نهايتها إلى اكتشاف ذاته. القتيل في واقع الأمر كلب يملكه أحد الجيران عثر عليه كريستوفر ميتاً. تطغى عليه شكوك أن الكلب قتل عمداً، وذلك ما يجده حافزاً للاستمرار في كشف اللغز، والمفاجأة التي يعود بها مع اكتشاف ذاته كما أشرنا سابقاً.

في حالة الرواية موضوع المراجعة، الراوي هو ليون، البالغ من العمر ثماني سنوات، الذي يصبح مُتبنَّى. تبدأ الرواية مع ولادة شقيقه الطفل، جيك. فوراً ندرك أن هناك أمراً ما يتعلق بوالدتهما، كارول. وبدلاً من احتضان الطفل، كل ما فعلته أنها منحته الولادة، تغادر غرفة المستشفى لتدخن سيجارة. تغادر الممرضة الغرفة أيضاً لتخبر ليون «إذا بدأ (جيك) في البكاء، تعالَ لاستدعائي». ترْك ليون لوحده مع جيك. الرواية مليئة بلحظات الصدمة مثل تلك التي تمَّت الإشارة إليها، والتي تكشف عن أن حماية الطفل لها تاريخ من التحوُّلات بدأت قبل 30 عاماً.

الإخوة لديهم آباء مختلفون وغائبون. وفي حين أن كارول وجيك من ذوي البشرة البيضاء، قُدِّر لليون أن يكون من أعراق مختلطة. والده، بايرون، في السجن، في حين أن والد جيك، توني، رفض كارول وأطفالها. البيت عقار يقع بالقرب من طريق مزدوج، وغالباً ما تترك كارول الأولاد وحدهم في الشقة عندما تخرج.

عندما ينتاب كارول انهيار عصبي، تصبح مشدودة وتظل في غرفة نومها لأيام، وفي حال كتلك، يحاول ليون الاعتناء بنفسه والطفل جيك من دون مساعدة أحد. دي وال تصف بشكل مؤثر فرحة ليون وإعجابه بأخيه الصغير: «الطفل مثل التلفاز. ليون لا يستطيع التوقف عن مراقبته، وكل حركات الطفل».

من الصعب ألَّا تشعر بتعاطف كبير مع ليون، طفل هو عرضة للاستهداف، يقوم بملء كل شيء، وقليلة هي المساعدة التي تُقدَّم له. تم رعاية الإخوة من قبل مورين، ولكن عندما تم تبنّي جيك من قبل عائلة أخرى، فقد ليون الأخ الصغير الذي أحبه وحاول جاهداً في سبيل حمايته. فقد ألعابه الثمينة حين تم نقله إلى دار الرعاية؛ حيث بقيت هناك قابعة في الشقة. وقد خسر فعلاً أباه وأمه. وعندما عادت في وقت لاحق في زيارات متقطعة، كان تدهور حالتها العقلية بادياً بشكل واضح. مما لا يثير الدهشة، أن لدى ليون مشاكل سلوكية في المدرسة، وصار يقوم بسرقات طفيفة.

بامتداد الرواية، هنالك شعور بالرهبة من أن شيئاً أكثر بشاعة سيحدث لليون أو أخيه. في سن التاسعة كان حراً في ركوب دراجته لساعات لوحده، مختلطاً بالرجال الذين يقومون بعمليات التوزيع في الحي. المفاجأة الكبيرة التي تُلمح إلى تحدٍ كبير وشجاع في هذا الكتاب هو أنه يتجاوز توقعات سوء المعاملة التي تم تعهّدها - إلا أنه يثير أيضاً مسألة ما إذا كانت الرواية تحتاج إلى دراما أكبر كلما تقدمت في تنامي حالات التوتر فيها.

يثبت له الرجال بأنهم غير مؤذين ويضمُّونه إلى رعايتهم. ويتعلم من خلالهم أموراً حول إضراب «الجمهوريين الأيرلنديين» عن الطعام، ووحشية الشرطة ضد السود، تلك التي أشعلت شرارة أعمال الشغب التي شهدها العام 1981. تافي، واحد من الرجال الذين يقومون بعمليات التوزيع، يقوم بتعريفه بالجهة الذي يساندها لخوض المنافسة السياسية، على رغم أن ليون أصغر من أن يفهم بشكل كامل مثل تلك القضايا.

تجمع دي وال بمهارة، شخصياتها الكبار في الحياة من خلال منظور بطل الرواية الطفل؛ مانحة التعاطف الكبير لجميع أبطالها في العمل. كارول غير قادرة على مساعدة نفسها، تاركة اثنين من أبنائها اللذين تحبهما بشكل واضح. النساء اللواتي رعيْن ليون لهن عيوبهن ولكن نواياهن حسنة. الرجال ممن يقومون بعمليات التوزيع قد يكونون حفنة من الشواذ، ولكنهم أصبحوا آباء للطفل الصغير الذي يحرص على زيارتهم. في نهاية المطاف، الرواية ناهضة لأننا نعثر فيها على الخير الأصيل في روح الإنسان؛ ومع أشخاص آخرين من آباء دمه الذين يقومون بتوجيهه، ونحن على ثقة من أن ليون سيبقى على قيد الحياة على رغم الصعاب التي تتكدَّس في طريقه.

يُذكر أن هنري جيمس، ولد في 15 أبريل/ نيسان 1843، وتوفي في 28 فبراير/ شباط 1916). مؤلف بريطاني من أصل أميركي. يعتبر مؤسس مدرسة الواقعية في الأدب الخيالي. قادت أعماله الإبداعية العديد من الأكاديميين إلى اعتباره أعظم أساتذة النمط القصصي. قضى معظم حياته في إنجلترا، وأصبحت أعماله حديثاً للرأي العام قبل وفاته بقليل. اشتهر جيمس بسلسلة من الروايات يصور فيها التلاقي بين أميركا وأوروبا، كما ركَّزت رواياته على العلاقات الشخصية، الاختبار المناسب للقوة في مثل هذه العلاقات. مثَّلت إثارة التساؤلات الأخلاقية، وسيلته في الكتابة من وجهة نظر الشخصية، ومنحته الفرصة لاستكشاف ظاهرة الوعي والمفهوم؛ ما جعل أسلوبه في الكتابة يقارن بمدرسة الانطباعية في الرسم.

غلاف «حادث الكلب الغريب أثناء الليل»
غلاف «حادث الكلب الغريب أثناء الليل»
غلاف «ما كانت تعرفه مايسي»
غلاف «ما كانت تعرفه مايسي»




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً