العدد 5041 - السبت 25 يونيو 2016م الموافق 20 رمضان 1437هـ

الأزمة العراقية الراهنة... الطائفية، الأقاليم، الدولة (1)

عبدالحسين شعبان comments [at] alwasatnews.com

كاتب عراقي وحقوقي عربي

أعادت الأزمة الراهنة الإشكاليات الأساسية التي عانت منها الدولة العراقية منذ الاحتلال الأميركي - البريطاني للعراق العام 2003، وخصوصاً موضوع الطائفية السياسية التي أصبحت ظاهرة متفشّية في مفاصل الدولة العراقية وأروقتها، بل إن التقاسم الوظيفي الطائفي والإثني أصبح السمة الأبرز للحكم ما بعد الاحتلال.

ولم تستطع الدولة على رغم مرور 13 عاماً على الاحتلال من حلّ المشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والقانونية والتربوية والصحية والبيئية، وما يتعلق بالبطالة والضمان الاجتماعي والمتقاعدين، بل إن هذه المعضلات تفاقمت على نحو شديد، وازدادت تعقيداً ممّا عمّق الأزمة السياسية، وأضفى عليها بُعداً شعبيّاً أخذ بالاتّساع، وخصوصاً أنه ترافق ذلك باستمرار انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة وعدم حلّ مشكلة المياه التي أخذت بالتفاقم، مما سبّب أمراضاً وأوبئة عديدة، ومنها انتشار مرض الكوليرا.

لقد قامت العملية السياسية على صيغة المحاصصة الطائفية - الإثنية، التي وجدت ضالّتها في تأسيس مجلس الحكم الانتقالي في (يوليو/ تموز2003)، وخصوصاً بتخصيص 13 عضواً منه لما سمّي بالشيعة و5 أعضاء لما سمّي بالسنّة و5 أعضاء لممثلي الكرد وعضو واحد لمن اختير ممثلاً عن التركمان وعضو واحد باسم الكلدو آشوريين. وعرفت الدولة الجديدة التي تأسست على أنقاض الدولة القديمة التي قامت في عشرينات القرن الماضي، باسم «دولة المكوّنات»، التي ورد ذكرها ثماني مرّات في الدستور. أما «دولة المواطنة» التي كان العراقيون يتطلّعون إليها بعد انقضاء حقبة الحكم الشمولي، فقد اختفت مدلولاتها وتضبّبت معانيها، ولاسيّما بعد تأسيس نظام المحاصصة.

إن ذلك يمثّل جوهر الأزمة بجميع فروعها وأجنحتها. وإذا كان الاحتلال صائراً إلى زوال مثلما كان متوقّعاً، فإنَّ خطر الطائفية ظلّ ينخر في جسم الدولة العراقية، ويحفر في كيانها بمعول مسموم، وإذا ما استمرّ على هذا المنوال فإن عملية الهدم والتآكل ستصل إلى أساساتها، وبالتالي ستؤدي إلى انهيارها.

كان الدستور المؤقت (قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية) الذي صدر في عهد الحاكم المدني الأميركي للعراق بول بريمر (13 مايو/أيار2003 - 28 يونيو/حزيران 2004) في (8 مارس/آذار 2004)، تكريساً وانعكاساً للصيغة الجديدة لتوازن القوى وقد قام نوح فيلدمان القانوني الأميركي المناصر لإسرائيل بإعداد صيغته الأولى، مثلما عمل الخبير الأميركي بيتر غالبرايت في وقت لاحق على صياغة بعض المواد ذات الطبيعة الإشكالية، والتي اعتبرت ألغاماً قابلة للانفجار في أية لحظة؛ لأنها تشكّل مصدر خلاف واختلاف وليس مصدر اتفاق وتوافق.

وبدلاً من أن يكون الدستور القاسم المشترك الأعظم الذي تلتقي عنده الإرادات المختلفة للقوى والأحزاب والمنظمات السياسية والجماعات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ذات المصالح المتنوّعة، فإذا به يصبح هو بالذات تعبيراً عن الإشكاليات والصراعات التي عانت منها الدولة العراقية ما بعد الاحتلال، وهذه كلّها تنطلق وتصبّ في صيغة المحاصصة التي اعتمدتها، وفي النزاع حول تمثيل هذه الجماعة أو تلك لتتحدث نيابة عن هذه الطائفة أو تلك أو تمثل جزءًا منها، وذلك عبر الاستقواء بالمحتل والحصول على الامتيازات، وخصوصاً من جانب أمراء الطوائف، وليس بوسائل إقناع أو بنفوذ حقيقي سياسي أو فكري أو اجتماعي.

ولم يتورّع هؤلاء من استخدام العنف والحشود الجماهيرية الهائلة التي تذكّر بعصر المداخن في فترة الثورة الصناعية في أوروبا، بهدف كسر إرادة الآخر وفرض نمط ديني أو مذهبي على الحياة العامة، وعلى المجتمع ككل. وبالطبع فإن مثل هذا الأمر لم ينشأ في فراغ، فقد كان له ردود فعل أقسى وأشدّ أحياناً، وهكذا أخذت دائرة العنف تتّسع لتشمل الجميع، وخصوصاً بانتعاش بؤر للإرهاب، التي تغذّت بتفاعلها مع جهات خارجية إقليمية ودولية ولأهداف مختلفة.

ولكي يتم تمويل عمليات الإرهاب والعنف، لجأت الكثير من القوى إلى استخدام موارد الدولة لمصالحها الخاصة، الشخصية والحزبية، سواء عبر سرقات منظمة أو هدر المال العام أو توظيفه في غير مواقع التنمية، ناهيك عن أصحاب الحظوة من الأبناء والأصهار والشركاء في إطار عمل غير مشروع.

وهكذا أصبح الفساد مؤسسة قائمة بذاتها، وتستطيع تحريك الوضع السياسي سلباً أو إيجاباً طالما هي تتحكّم بالملايين من البشر الذين يعانون من البطالة وشظف العيش والأميّة والتخلّف مع ضخّ الكثير من الأوهام الطائفية ضد الآخر، الغريب المُريب، الخصم والعدو الذي يستحق الاستئصال. وبالطبع فالفساد لا يقتصر على شأن معين، بل يشمل الإدارة السياسية والاقتصاد والاجتماع والثقافة والمجتمع المدني وتزوير الشهادات والاحتيال والرشا وغير ذلك، إلى درجة زكّمت الأنوف.

ولم يستثنِ الفساد أحداً، بل حاول لفّ الجميع بشرنقته، وخصوصاً أن المال السائب يغري بالسرقة كما يُقال، ولاسيّما في ظل اخترام مؤسسات الدولة وحلّ الجيش والأجهزة الأمنية وعدم وجود مساءلة أو محاسبة إزاء هدر المال العام أو التلاعب فيه.

ويعتبر الفساد الوجه الآخر للإرهاب، كما أنه ليس بعيداً عن مخرجات الطائفية والتقاسم المذهبي - الإثني، وقد أغرى الفساد جميع الكتل والأحزاب والقوى على الانخراط فيه، والتستّر على منتسبيها وأتباعها، ولهذا فإن خطره امتدّ إلى أجهزة الدولة بكاملها والعديد من المنظمات والهيئات الاجتماعية ومؤسسات المجتمع المدني، التي هي الأخرى ضعفت يقظتها إزاء غول الفساد ومخالبه.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسين شعبان"

العدد 5041 - السبت 25 يونيو 2016م الموافق 20 رمضان 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:10 ص

      من دراساتي توصلت إلي نتيجة وصفها الدكتور علي الوردي في دراساته عن المجتمع العراقي و تاريخه و تطوره. الملخص هو وجود خلل ثقافي كبير في اللاوعي الفرد العراقي. لم يتمكن احد من حكم العراق الا اذا كان سفاحا. هذا هو الواقع. اما الطائفية و الوصف المذكور في المقال هو شرح الحال و اهتمامي ينصب في البحث عن العلل.

اقرأ ايضاً