العدد 5044 - الثلثاء 28 يونيو 2016م الموافق 23 رمضان 1437هـ

6000 ميغاواط بطاقات الشمس والرياح والمياه

المغرب قوة شمسية عظمى

محطة نور للطاقة الشمسية في ورزازات. بدأ تشغيلها في 4  فبراير 2016
محطة نور للطاقة الشمسية في ورزازات. بدأ تشغيلها في 4 فبراير 2016

البيئة والتنمية - عبدالحكيم الرويضي، عماد فرحات 

تحديث: 12 مايو 2017

ارتفع عدد سكان مدن المغرب ليشكل نحو 60 في المئة من مجموع سكان البلاد. وتعد الدار البيضاء ثالث مدينة إفريقية من حيث عدد السكان بعد لاغوس في نيجيريا والقاهرة في مصر، إذ يقطنها نحو 6 ملايين نسمة، بعدما كان العدد لا يتعدى 20 ألف نسمة العام 1990. وهذه العاصمة الاقتصادية للبلاد تستأثر بنحو ثلث الاستهلاك الوطني من الكهرباء.


وتفوق فاتورة الإنفاق الحكومي على الطاقة 10 ملايين دولار سنوياً. فالمغرب هو البلد الوحيد في شمال إفريقيا الذي لا يملك موارد نفطية متاحة، وهو أكبر مستورد للطاقة في المنطقة، حيث يأتي 96 في المئة من احتياجاته الطاقوية من الخارج. وينمو الطلب على الطاقة بنسبة تقارب 8 في المئة سنوياً.


يحتل المغرب موقعاً جغرافياً استراتيجياً يربط بين إفريقيا وأوروبا، ولديه شبكة كهرباء مرتبطة بإسبانيا والجزائر. وهو يمتلك كميات صغيرة من الغاز في مناطق بين العاصمة الرباط ومكناس. ولديه أيضاً احتياطات كبيرة من الصخر الزيتي، وقد وقع اتفاقات شراكة مع شركات طاقة عالمية لاختبار جدوى استغلالها. ولكن في غياب عمليات صناعية تنتج النفط والغاز من هذا المصدر غير التقليدي من دون تفريط في المياه والصحة البيئية، قرر المغرب التحول إلى تنفيذ استراتيجيات لتعزيز الطاقة المتجددة.


في العام 2008، أطلق المغرب الخطة الوطنية للطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة. وهو ينفذ حالياً برنامجاً يعتبر الأكثر طموحاً في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إذ يستهدف إنتاج 42 في المئة من مزيجه الطاقوي الإجمالي، أي 6000 ميغاواط، مثالثة من مصادر شمسية وريحية وكهرمائية بحلول سنة 2020، وصولاً إلى 52 في المئة سنة 2030. وربما استطاع تصدير الفائض إلى أوروبا. كما تهدف خطة كفاءة الطاقة إلى الاقتصاد بنسبة 12 في المئة من إجمالي الاستهلاك بحلول 2020، وبنسبة 15 في المئة بحلول 2030.


نصف مليون مرآة تلاحق الشمس


يسعى المغرب إلى إنتاج 2000 ميغاواط من الكهرباء الشمسية سنة 2020 باستخدام صحاريه غير المستغلة. وهذه القدرة تعادل 18 في المئة من الإنتاج الوطني الحالي. ومن مزايا المشروع المغربي للطاقة الشمسية، وفق وزارة الطاقة والمعادن، أنه سيمكن البلاد من اقتصاد 2.5 مليون طن سنوياً من المحروقات وتجنب انبعاث 3.7 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون في السنة. وسيؤدي استغلال أشعة الشمس الوفيرة في توليد الطاقة إلى تجنب تقلبات تكاليف الاستيراد، وإتاحة إمكانية تصدير الطاقة الخضراء إلى البلدان المجاورة.


وترى وزيرة البيئة في المغرب حكيمة الحيطي أن أثر الطاقة الشمسية على المنطقة هذا القرن قد يكون مماثلاً لأثر إنتاج النفط في الماضي. وقد قالت لصحيفة «غارديان» البريطانية: «نحن لسنا بلداً منتجاً للنفط، ونستورد 96 في المئة من طاقتنا، ولذلك عواقب كبيرة على الموازنة العامة. وقد اعتدنا أيضاً دعم الوقود الأحفوري بكلفة كبيرة، لذلك عندما اطلعنا على إمكانات الطاقة الشمسية، فكرنا: لم لا؟»


يشمل المشروع المغربي للطاقة الشمسية إنجاز خمسة مجمّعات لإنتاج الكهرباء، في ورزازات وعين بني مطهر وفم الواد وبوجدور وسبخة الطاح، بكلفة 9 مليارات دولار.


في فبراير/ شباط 2016 بدأ تشغيل محطة «نور 1» للطاقة الشمسية المركزة، الأكبر من نوعها بمولّد أحادي في العالم، في ضواحي مدينة ورزازات على حافة الصحراء الكبرى وسط المغرب، تحت أشعة شمس تنعم بها البلاد لأكثر من 300 يوم في السنة.


وخلال حفل افتتاح المحطة الذي ترأسه العاهل المغربي محمد السادس، قال رئيس مجلس إدارة الوكالة المغربية للطاقة الشمسية (مازن) مصطفى البكوري، إن مجمّع «نور ورزازات» سيضم ثلاث محطات أخرى لإنتاج 580 ميغاواط من الطاقة النظيفة، بحيث تنتج محطة «نور 1» قيد التشغيل 160 ميغاواط، و «نور 2» نحو 200 ميغاواط، و «نور 3» نحو 150 ميغاواط، و «نور 4» نحو 70 ميغاواط. وعندما يتم التشغيل بالكامل، ربما سنة 2018، سيصبح مجمع «نور ورزازات» أكبر موقع لإنتاج الطاقة الشمسية المتعددة التكنولوجيا في العالم، وينتج كهرباء تكفي احتياجات 1.1 مليون مغربي.


انطلقت أشغال بناء المجمّع العام 2013، وتتجاوز كلفته 2.5 مليار دولار، حصل عليها المغرب كقروض من البنك الدولي وصندوق التكنولوجيا النظيفة التابع لصناديق الاستثمار في الأنشطة المناخية والبنك الإفريقي للتنمية ومؤسسات تمويل أوروبية. ويجري بناء المجمع وتشغيله بشراكة بين الدولة والقطاع الخاص ممثلاً بالشركة الدولية لمشاريع الطاقة والمياه «أكوا باور إنترناشونال» السعودية.


عمل على بناء وتجهيز «نور 1» نحو ألفي شخص، على مساحة نحو 5 ملايين متر مربع. وينتشر في هذه المحطة نصف مليون من الألواح الزجاجية المقوّسة العاكسة، بارتفاع 12 متراً، تنتظم في 800 صف طويل متواز، وتتحرك بشكل بطيء ومتناغم في حركة شبيهة بحركة زهور دوار الشمس، فتلاحق أشعة الشمس وتلتقطها وتحولها إلى طاقة نظيفة.


وتنطوي تكنولوجيا الطاقة الشمسية المركزة، إذا ما اقترنت بتخزين الطاقة الحرارية، على إمكانات هائلة نظراً لقدرتها على توفير طاقة يمكن الاعتماد عليها حتى إذا لم تظهر الشمس. وهنا طريقة عملها: تقوم مئات المرايا بتركيز أشعة الشمس لتسخين سائل نقل حراري يُستخدم لإنتاج بخار يحرك التوربينات التي تولد الكهرباء. ويمكن استخدام هذا السائل أيضاً لتسخين أملاح منصهرة في خزانات ضخمة، وتظل هذه الأملاح محتفظة بسخونتها ما يكفي لتوليد البخار حتى بعد غروب الشمس.


يقول تقنيون إن المحطتين «نور 2» و «نور 3» المقرر افتتاحهما سنة 2017 ستخزنان الطاقة مدة تصل إلى ثماني ساعات، ما يفتح آفاقاً لطاقة شمسية على مدى 24 ساعة يومياً في الصحراء الإفريقية وجوارها. وتبقى صادرات الطاقة شمالاً عبر البحر المتوسط هدفاً رئيسياً، على رغم انهيار مشروع Desertec العام 2013، وهو خطة ألمانية للحصول على 15 في المئة من كهرباء أوروبا من الطاقة الشمسية المنتجة في شمال الصحراء الإفريقية بحلول سنة 2050.


وسيكون لمجمّع «نور ورزازات» الشمسي وقع إيجابي على تطوير برامج لرفع القدرات والتخصص التقني والبحث والتطوير، وإمكانية تحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية، وتأهيل صناعة مغربية لأجهزة ولوازم المحطات الشمسية. ويقول يوسف زاز؛ وهو خبير بالطاقة المتجددة ورئيس الفضاء المتوسطي للتكنولوجيا والابتكار: «الآن بمقدور الطلبة المغاربة الاستفادة من تأهيل جيد في مختلف تخصصات الطاقة المتجددة. وسيوفر المشروع العديد من فرص العمل لسكان المنطقة الذين سيعملون في الصيانة ومختلف مراحل الإنتاج».


ريادة إفريقية في مزارع الرياح


تم إطلاق مشروع طاقة الرياح المتكامل في المغرب العام 2010، باستثمار قدر بنحو 3.7 مليارات دولار. وهو يهدف إلى رفع قدرة طاقة الرياح المركبة إلى 2000 ميغاواط بحلول سنة 2020.


دخلت مزرعة الرياح في طرفاية مرحلة العمل في ديسمبر/ كانون الأول 2014. وهي الأولى من نوعها في القارة الإفريقية، وتعمل على تغذية الشبكة الوطنية بنحو 300 ميغاواط من الطاقة الكهربائية. وقد تولت شركتا «ناريفا» الحكومية و «جي دي إف سويز» الفرنسية بناءها منذ العام 2012 من خلال شركة «طرفاية للطاقة». ووصل حجم استثمارات المشروع إلى 569 مليون دولار. والمنطقة التي اختيرت لتشييد المحطة، قرب مدينة طرفاية في الجنوب، معرضة لهبوب رياح تتراوح سرعتها ما بين 7 و9 أمتار في الثانية، وهي سرعة نادرة في مناطق أخرى من العالم، وتتيح استمرار توليد الكهرباء لساعات طويلة على مدار السنة. أما الطاقة التي تنتجها المحطة فهي حصرية للمكتب الوطني للماء والكهرباء، بموجب عقد مع الحكومة المغربية لمدة 20 سنة، يتم بعدها تسليم المحطة إلى المكتب الوطني.


وكجزء من المشروع المغربي لطاقة الرياح، سيجري العمل حالياً على بناء خمس محطات ريحية بقدرة إنتاجية إجمالية تبلغ 850 ميغاواط، بعدما فازت شركة «ناريفا» بعقد قيمته 1.22 مليار دولار لبنائها. فتقام محطة بقدرة 150 ميغاواط في مدينة ميدلت وسط البلاد، وأخرى بقدرة 100 ميغاواط في طنجة في الشمال، ومحطة بقدرة 200 ميغاواط في الصويرة في الوسط، ومحطة بقدرة 100 ميغاواط في بوجدور في الجنوب، إضافة إلى محطة طرفاية بقدرة 300 ميغاواط في الجنوب. ويمول المشروع مقرضون دوليون مثل البنك الأوروبي للاستثمار والبنك الأوروبي للتنمية وإعادة البناء ومجموعة KFW المصرفية الألمانية.


وكانت أول محطة رياح شيدت في المغرب العام 2000 بجانب الطريق الرابطة بين مدينتي تطوان وطنجة في الشمال، وتضم 84 توربينة هواء لإنتاج 50 ميغاواط من الطاقة الكهربائية.


بناء 3 سدود سنويّاً


في المغرب حالياً 128 سداً كبيراً ونحو 100 سد أخرى بأحجام مختلفة موزعة في أنحاء البلاد. ويعتبر سد الوحدة في الشمال ثاني أكبر سد في إفريقيا بعد سد أسوان العالي في مصر، وقد أنجز بناؤه العام 1996 وينتج 240 ميغاواط من الطاقة الكهربائية.


وتراهن البلاد على بناء ثلاثة سدود سنوياً في أفق سنة 2020 لإنتاج 2000 ميغاواط من الطاقة الكهرمائية، علماً بأن تقلبات في الحالة المائية خلال العقود الأخيرة جعلت معدل إنتاج الطاقة المائية لا يتعدى نصف القدرة المتوقعة بسبب عدم كفاية المياه لتحريك توربينات السدود. وقد وصل معدل ملء السدود إلى 63 في المئة أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2015 بسبب انحباس المطر في أول الشتاء.


المغرب ماض بحماسة لإنتاج نصف طاقته من مصادر متجددة، شمساً ورياحاً وماء. ولدى افتتاح محطة «نور 1» الشمسية في ورزازات، اعتبر البنك الدولي أن المغرب صنع التاريخ «وأصبح على الخريطة كقوة عظمى في مجال الطاقة الشمسية». وإذ يستعد المغرب لاستضافة مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ (COP22) في نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، تتجه إليه أنظار العالم كنموذج دولي لتنفيذ الأقوال بالأفعال، في الحد من الانبعاثات التي تغير مناخ الأرض باستخدام الطاقات النظيفة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً