العدد 5063 - الأحد 17 يوليو 2016م الموافق 12 شوال 1437هـ

جان دارك... في اختلاف زوايا النظر

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

كثيرةٌ هي الحوادث التي تجيّر. وكثيرةٌ هي القصص التي تكتب من وجهات نظر مختلفة. وكثيرةٌ هي الشخصيات التي خلقت جدلاً واسعاً واختلف عليها الناس. بعضهم يرى هذا الشخص ملاكاً في حين يراه آخر شيطاناً أو مسخاً. هذا الأمر جعل من بعض من يتحدّثون باسم الله، ويعتبرون أنفسهم سفراء عنه جلَّ وتعالى، يشترون ويبيعون الدين والأخلاق والعرف والإنسانية باسم الدين، ويوزّعون صكوك الإيمان والكفر. حتى أولئك الذين يدّعون الثقافة والتنوّر لا يجدون حرجاً في ركوب موجة التكفير والتخوين وانتهاك أبسط مبادئ حقوق الإنسان في كتاباتهم وأحاديثهم، ويجدون من يساندهم ويصدّقهم ويؤمن به.

ما يحدث اليوم هو نفسه ما حدث على مر العصور في مختلف البلاد. وهو ما يذكّر بما تناوله شاكر مصطفى في كتابه «قضايا من التاريخ» بشأن الفرنسية «جان دارك». الفتاة التي لم تبلغ الثامنة عشرة من العمر، والتي أصبحت مع ذلك أسطورةً قومية، بعد أن زعمت أن الوحي ينزل عليها وأنه كلّفها لبس ملابس الرجال المتحاربين، وقيادة الجيش الفرنسي ضد الانجليز المحتلين الذين كانوا يحتلون مدينة أورليان. فقادت جيش ولي العهد وحرّرت المدينة وسحقت القائد الانجليزي في العام 1429 وأخذت ولي العهد إلى مدينة ريمس وجعلته نائباً لملك السماوات ملكاً على فرنسا باسم شارلي السابع بدلاً من الملك الانجليزي هنري السادس.

صدّق الفرنسيون أن هذه الفتاة تمتلك شيئاً خارقاً، إن لم تكن تسمع وحياً إلهياً. ولكنها سرعان ما وقعت أسيرةً بيد عملاء الجيش الإنكليزي وسيقت إلى مدينة روان عاصمة الإنجليز بفرنسا. في ذلك الوقت كان عليها أن تواجه التهم التي سيقت إليها؛ إذ كان عليها أن تواجه أحكاماً تتراوح بين الإعدام للبسها ملابس الرجال وهو الذي يعد كفراً في ذلك الوقت؛ وبين الحرق لتخليصها من الشياطين التي لبست روحها، وهو الذي يعتبر سحراً يستوجب الحرق.

ولهذا عقدت لها محاكمة كنسية في إحدى قاعات قصر روان في مارس/ آذار 1431 ليحيط بها 45 قسيساً ويسوقون لها سبعين تهمة كانت تنتهي بها إلى المحرقة. وقد أعلن في هذه المحاكمة أنها ستسلم إلى سلطات انجلترا لمحاكمتها محاكمةً أخرى، حيث عُقدت بالفعل وأعلنت خلالها توبتها من جميع التهم الموجهة لها، ووقّعت اعترافاً بذلك، ولهذا خُفّف حكمها إلى المؤبد.

لكن ذلك الحكم لم يرق للسلطات الإنجليزية التي كانت تطلب رأسها، فدبّرت لها مؤامرة، إذ أخذوا ملابسها وهي نائمة ووضعوا مكانها ملابس عسكرية، وما كان منها إلا أن لبستها حيث لم تجد غيرها، ليعلنوا أنها رجعت في توبتها، وأُعدت لها المحرقة لإحراقها حيةً في 29 مايو/ أيار من العام نفسه.

بعد خمسة وعشرين عاماً من الحدث أعيدت المحاكمة، وأعلنت براءة جان دارك، ولكن كانت حينها مجرد رماد.

جاك دارك حوكمت من قبل، وكان عليها أن تواجه حكماً مؤبداً بالسجن لاستغلالها الدين. ومع ذلك برّأتها المحكمة التي عقدت بعد خمسة وعشرين عاماً، واعتبرها الشباب رمزاً للتضحية، فيما اعتبرها العساكر رمزاً للشجاعة، فصارت أسطورةً قوميةً كما وصفها مصطفى في كتابه سابق الذكر، وسُمّيت باسمها شوارع كثيرة ومدارس ومؤسسات وسفن، ومازالت تلهب خيال من يسمع بقصتها من الأجيال.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5063 - الأحد 17 يوليو 2016م الموافق 12 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:50 ص

      كلام جميل جدا
      نحن الان في الالفية الثالثة و حتى الان نجد من يتكلم بأسم الله و يحكم بأمر الله .. اللهم لك الحمد و الشكر

    • زائر 2 | 2:57 ص

      هناك امثلة عديدة لجان دارك في منطقتنا على مر العصور والبلدان من مصر الى ايران. جميعهم اعتبروا انفسهم فوق القانون و والمسألة وجاءوا بهرطقات دينية جديدة دمرت شعوبنا. وكان مصيرهم مزبلة التاريخ

    • زائر 1 | 1:25 ص

      كل جرم يهون الاّ جريمة العمالة لدولة عدوٍ. فعقوبتها ليس اسقاط الجنسية فقط بل والقتل.

    • زائر 3 زائر 1 | 2:58 ص

      من يطالب بحقوقه ليس عميلاً
      من يطالب بتطبيق االديمقراطية الحقيقية وليس المشوهة والطائفية ليس عميلاً.

اقرأ ايضاً