العدد 5064 - الإثنين 18 يوليو 2016م الموافق 13 شوال 1437هـ

منيرة المهدية...سلطانة الطرب

"الشيشة " خطفت صوتها واول مصرية وقفت على المسرح


الوسط - ( تقرير)- محرر منوعات 

تحديث: 12 مايو 2017

صوتها كان مؤثرا وحاضرا في المشهد الموسيقي المصري مثلما كان حضورها الاول لكسر تابوهات مسرح الرجل في مصر ، انها المصرية منيرة المهدية(1885-1965)  . كانت زكية حسن منصور الشهيرة بمنيرة المهدية، هي أول مصرية تخرج من الحرملك، وتمثل وتغني على المسرح، حيث كان المعتاد أن تقف الشاميات أو اليهوديات على المسرح، أما المصرية فلم يكن ممكنا لها ذلك قبل أن تأتي منيرة المهدية فتقوم بأعمال النساء والرجال .

لم تقف هذه المراة عند هذا الحد بل كانت ايضا مؤسسا فعليا في تزعم حركة وطنية عن طريق مسرحها وفنها الغنائي الأصيل. وقامت بتأسيس مقهى بحي الأزبكية أطلقت عليه اسم "نزهة النفوس"، وكان كبار السياسيين والأدباء في مصر وبلاد الشام والسودان  كانوا يجتمعون فيه وفي بيتها.وقد أطلقت الصحافة اسم "هواء الحرية" على مسرح منيرة المهدية.

ومع زيادة اقبال الجمهور على حفلاتها ، إرتأت منيرة المهدية ان تفتتح مقهى خاصاً بها واطلقت عليه "نزهة النفوس"، والذي اصبح يجمع رجال الفن والفكر والسياسة بالاضافة للصحافة والتي اطلقت عليها عدة القاب مثل "الست منيرة" و "مطربة الازبكية الاولى" و "سلطانة الطرب". في كتاب "السلطانة منيرة المهدية .. والغناء في مصر قبلها وفي زمانها" ذكرت رتيبة الحفني عن مفاصل مهمة في حياتها، خاصة فيما يتعلق بدورها المهم والمؤثر في تاريخ المسرح المصري الغنائي، وكان من اشهر ملحني مسرحياتها داود حسني، وكامل الخلعي وسيد درويش ومحمد القصبجي، ورياض السنباطي، النجريدي وزكريا احمد. سلطانة الطرب كانت اول مطربة تغني في الاذاعة المصرية حفلات واسطوانات، وكثير ما تمايل المستمعون طرباً مع اغانيها الكثيرة.

لقد اخترقت منيرة المهدية حاجزا اجتماعيا كبيرا في ان تظهر سيدة على المسرح وعارض فكرة ظهورها الكثير من المتزمتين في الوقت الذي كان فيه الحجاب ملزماً للمرأة المصرية، وحين يسمح للنساء بدخول المسرح يتم ذلك من باب خاص وسلم خاص.

بداية منيرة المهدية على المسرح كانت مع فرقة عزيز عيد ومع وجودها زاد الاقبال على الحضور الجماهيري واصبحت فرقة عيد تنافس فرقة سلامة حجازي ذائعة الصيت آنذاك. على الآفيشات استبقت منيره المهديه اسمها ب "الممثلة الاولى" بالرغم من انها كانت تمثل على المسرح دوررجل. ورغم كل هذه الالقاب عاشت منيرة حياة اجتماعية غير مستقرة، ففي العام 1918 تزوجت من محمود جبر احد الشباب البارزين في العمل السياسي، لم تجرالرياح كما تشتهي السفن وكان الطلاق بعد اربع سنوات، عاشت ظروف نفسيه عصيبه بعد ذلك مما دفعها للسفر بجولة فنية دامت ثلاث سنوات، قدمت من خلالها حفلات غنائية في بلاد عديدة منها ولبنان والعراق وتركيا وايران وفلسطين وليبيا ولقيت حفاوة بالغه وتكريماً يليق بفنها من بعض ملوك ورؤساء الدول التي  زارتها.

ومنيرة المهدية هي صاحبة الفضل في اكتشاف محمد عبدالوهاب، وذلك بعد الموت المفاجئ لسيد درويش دون ان يتم لحن الفصل الثالث من مسرحية كيلوبترا. لم يتوقف دورها فقط في هذا الجانب بل وصل الى لعب دوراً وطنياً مهماً من خلال مسرحياتها وغنائها، ولا ينسى دورها السياسي خلال ثورة 1919، وعندما كان المطربون محاصرين من الانجليز، لم يتجرأوا على اغلاق مقهى منيرة كما فعلوا ما باقي المقاهي والمسارح الاخرى، لما تتمتع به من قوة شخصية وتأثيرها بالناس من خلال اغانيها وعلاقاتها بكبار رجال السياسة، واستغلت هذه الامتيازات في تقديم اغان وطنية تحث بها على الاستقلال .

ورغم أنه كان ممنوعا التلفظ باسم الزعيم سعد زغلول لدرجة ان قائد الاحتلال اصدر امراً عسكرياً بسجن كل من يذكر اسم سعد زغلول ستة اشهر مع الشغل وجلده عشرين جلدة، من هنا لجأت منيرة بالغناء لسعد بشكل غير مباشر ودون ان تلفظ اسمه واطلقت اغنيتها الشهيرة "شال الحمام حط الحمام.. من مصر السعيدة لما السودان.. زغلول وقلبي ما اليه .. اندهله لما احتاج اليه".انتشرت هذه الاغنية ورددها الناس في كافة ارجاء مصر وتحولت الى ما يشبه النشيد الوطني.

 كما غنت للفلاحين ولم تنسَ ان ترسل للأرياف عدداً كبيراً من اسطواناتها والتي لم يكن بمقدور الفلاحين شراءها رغم رخص  ثمنها .استغلت منيرة المهدية نفوذها لدى اصحاب الشأن في اصدار العفو عن الكثير من الطلاب العاملين في الشأن السياسي كما في كثير من الاحيان، كان مجلس الوزراء الذي يرأسه حسين رشدي يعقد جلساته في عوامة منيرة المهدية خاصة عندما اصدر البريطانيون قراراً بمنع التجمعات، فأجتمعت الحكومه في "العوامة" وعقدت جلستها والتي تعد الشرارة الاولى لثورة 1919.

بعد انقطاع دام سنوات عديدة، عادت منيرة المهدية وفي العام 1948 لتقديم حفل خاص للجمهور على احد المسارح آملة ان تستعيد نجوميتها القديمة، ظهر عليها تقدم العمر وبدت شاحبة وكانت تسعل كثيراً اثناء الغناء، لأنها كانت مولعة بتدخين "الشيشة" بشكل غير اعتيادي ، لم يتجاوب الجمهور معها في ذاك الحفل ، حينها أدركت ان لكل فنان زمنه واسدل الستار على هذا الحفل واعلنت وقتها الاعتزال النهائي، هذا المشهد الحزين ترك أثره على إمرأه قاربت الخمسين من عمرها وابكت كل من عشق صوتها بمن فيهم ام كلثوم. والاخيرة  امتلكت من الذكاء والحس الفني مما أهلها لإيجاد حالة من التنافس بين الملحنين والشعراء الذين تسابقوا ليقدم كل منهم افضل ما عنده مما أوجد رصيداً كبيراً من الأغنيات الجميله لكوكب الشرق وهذا ما افتقدته منيرة المهدية، عدا عن ان ام كلثوم قدمت مجموعة من الافلام خدمت مسيرتها الفنية على عكس سلطانة الطرب التي لم تحظَ سوى بفيلم واحد.

في اواخر سنوات حياتها عاشت منيرة المهدية وحيدة،  ولم يطرق  بابها أحدا او يبادر بالسؤال عنها ، هروباً من هذه الوحده من غير أنيس أو جليس إقتنت بعض الحيوانت الأليفه ،وفي عزلتها كثيراً ما كانت تستعيد صدى ذكريات المجد والشهرة التي عاشتها ، في العام 1965 توفيت منيرة المهدية ولم يحضر في جنازتها سوى خمسة اشخاص حفيدها وثلاثة من الاصدقاء وموظف من نقابة الفنانين.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 8:11 ص

      هذا حال الدنيا المجد والشهرة والصيت والجمال .... كل شئ زال وفان ، وهذا لا ينطبق على احد دون اخر فلقد رأينا من هم في القمة والنجومية والجاه والنهاية كانت عزلة ووحشة ونكران من المحيط

    • زائر 3 | 8:07 ص

      الله يا بنت مصر الجدعة

    • زائر 2 | 7:41 ص

      صوت جميل

      أول مرة أسمع عنها ..... الله على الزمن الجميل تاريخ

    • زائر 1 | 7:20 ص

      شكرا يا وسط على تقرير سلطانة الطرب. رجعتوا ايام زمان الحلوة في مصر. الله يرحمك يا سلطانة

اقرأ ايضاً