العدد 5065 - الثلثاء 19 يوليو 2016م الموافق 14 شوال 1437هـ

العولمة والأدب الشعبي وتحقيق الاندماج في زمنين

«الثقافة الشعبية» في عددها الرابع والثلاثين...

حمل الغلاف صورة أشهر نسَّاجي قرية بني جمرة عبدالحسين نجم
حمل الغلاف صورة أشهر نسَّاجي قرية بني جمرة عبدالحسين نجم

تدفع مجلة «الثقافة الشعبية» في عددها الرابع والثلاثين، باتجاه مزيد من الرصانة والتنوُّع في الأبحاث والدراسات المحكّمة التي تُعنى بالأدب والثقافة الشعبية، استقطاباً لأسماء مهمة وفاعلة في المشهد الثقافي العربي، ضمن اختصاصاتها المتعددة في هذا الباب، ويمكن القول، إنها بتعميق هذا التوجُّه تكاد تتسيَّد وتتجاوز الكثير من المطبوعات التي لا تُحصى في العالم العربي، بقدرتها على تناول موضوعات وقضايا ظلت في الهامش لردح من الزمن.

من بين أهم الموضوعات التي حفل بها العدد الجديد، دراسة الأكاديمي اللبناني كامل فرحان صالح «العولمة والأدب الشعبي... القرية ضد القرية» التي فصَّل فيها من خلال عناصر خمسة هي كالآتي: إنسان ذو بعد واحد، الخضوع للعبة، فريحة وعبود و «الشعار الأثيري»، الاستسلام - الخلل، والحياة الجديرة أن تعاش، النظر في التداخل العميق وغير المُتناوَل، بين الأدب الشعبي (الفلكلور)، وقدرته على تحقيق قيمته بالاندماج في حركة الحاضر، والاتجاه صوب المستقبل.

تقوم دراسة صالح على نظرين: الأول يرتبط بالتراث الشعبي باعتباره أحد المكونات الرئيسة لثقافة وتفكير ونظر أي شعب، وقدرة ذلك التراث على التجذُّر والاندماج، من جهة، وقدرة أصحابه على مساءلته واستجوابه، من جهة أخرى، في ظل تحولات وتبدلات تقودها العولمة اليوم، بما تملكه من تأثيرات وسطوة كبرى على الكثير من المنجز الثقافي العالمي من دون الدخول في تصنيفاته، والنظر الثاني، قدرة ذلك التراث على إثبات حضوره وقوته في ظل ذلك المد الجارف، بما يتناسب أيضاً والاندماج في المنظومة الإنسانية وثقافاتها.

يشير صالح إلى أن جوانب من الأدب الشعبي، حدث لها انهيار طوال التاريخ، إلا أن ذلك الانهيار ما هو إلا نوع من التجديد له. وذلك يقود إلى حقيقة يطرحها بالمباشرة التي لا تقبل تأويلاً، وتتحدد في قبول خضوع أنواع من الأدب الشعبي لقانون الموت والتحول والتطور، ولا تختلف في هذا المسار عن أي نوع من الأنواع الأدبية الأخرى.

يركن صالح إلى ما يبدو استفزازاً يطلع من الأسئلة التي يوطِّئ بها دراسته من قبِل: ماذا يحدث إذا (قتلت) روح عنصر من عناصر ذلك الأدب (التراث)، أو حُشرت مع هذه الروح، أرواح أخرى، أو نُزعت من هذا العنصر روحه، وحلَّت محلها روح لعنصر آخر؟

الثقافة الزائفة مقابل الثقافة الشعبية

ذلك يقودنا إلى العنصر الأول: إنسان ذو بعد واحد، وفيه يصل إلى خلاصة مفادها أنه، إذا كان ثمة صعوبة بالغة في تحديد حجم التأثير السلبي للعولمة في الدول والمجتمعات والشعوب، إلا أنه بات في الإمكان أن يلمس المرء أنه يخسر شيئاً فشيئاً جزءاً من مكوناته الثقافية التي تميزه إيجاباً عن الآخر، مقابل اكتسابه ثقافة تجعل منه مُقلِّداً وتبعيّاً «لظنه أن الحياة المعاصرة الحقة هي في الأخذ بهذه المنتجات واستخدامها، واللحاق بكل جديد تنتجه، والاعتماد عليها اعتماداً كلياً»، وصولاً إلى أن الثقافة تلك في حقيقتها مصطنعة، ينتجها العالمي إنتاجاً؛ أي ثقافة زائفة تقف في مقابل الثقافة الشعبية الحقيقية الناتجة تلقائياً من تفاعل البشر بعضهم بعضاً في إطار حركية المجتمعات لا تماثلها كما هي سياسة العولمة.

في «الخضوع للعبة»، يستحضر صالح في نهاية معالجته لهذا العنصر، الديباجات الفردية التي تستخدمها إعلانات الشركات العابرة للقارات «الكوسموبوليتية» (Cosmopolitanism)، ويرى أنها قناع ماكر يخبِّئ عملية فرض الأنماط الاستهلاكية الجمعية التي توحي للمستهلك بأنه يقلِّد الآخرين (...) فكأن الفردية هنا هي قناع لعملية ترشيد كاملة لباطن الإنسان، تُدخل في روْعه أن هذا الحلم هو حلمه وحده، وأن هذه السلعة سبيله الوحيد لتحقيق ذاته، بلوغاً إلى استنتاجه أن الآلة الاستهلاكية يمكنها الاستمرار في الدوران، لـ «يتكون الفكر والسلوك أحادي البعد».

وفي «فريحة وعبود و «الشعار الأثيري»، يقف عند كتاب الأديب اللبناني أنيس فريحة (1903 - 1993) «حضارة في طريق الزوال: القرية اللبنانية»، وكان بمثابة صرخة، مقابل ما كتبه الأديب اللبناني مارون عبُّود (1886 - 1962)، في العام 1953، الذي لم يُبْدِ أي تخوف على اللغة الفصحى، مع خشيته من «إفساد اللهجة» بقوله: «إن سهولة المواصلات، ومطامع الشركات، والمهاجرة من وإلى، قد تؤدي إلى إفساد لهجتنا»، مشيراً صالح إلى أن صرخة فريحة وخشية عبود، تنطبق على ما هو أبعد من حضارة القرية اللبنانية، أو اللهجة العامية، على حضارات المنطقة العربية كلها التي غزتها الحضارة الغربية بعنف وقوة، فمحت الكثير من معالمها، ومظاهرها، وعاداتها وتقاليدها، وأساليب عيشها (...).

ثقافة الشاشة

أما في «الاستسلام - الخلل»، فيشير في خلاصته إلى أن أخطر ما فعلته العولمة، هو ما يلحظه المرء على مستوى الخلل الذي أحدثته في الإرث المعرفي الذي عادة، يسلك مسلكاً معروفاً، وهو من الماضي إلى الحاضر، أو بما يمكن فهمه على المستوى الإنساني: انتقال الراية من الأب إلى الابن، إنما ما يحدث في ظل العولمة، هو العكس تماماً، فيجد المرء أن الأبناء يعلِّمون الآباء، وخصوصاً في المسائل المتعلقة بوسائل الاتصال الحديثة. «وبناء عليه، يجد الآباء أنفسهم، في أوقات كثيرة، تلاميذ أبنائهم؛ ما يعني على مستوى أعلى، كسر مفهوم الأب (العارف) و (الخبير) و (المنقذ) و (الحامي (...)». علاوة على ذلك، تحول الثقافة العربية: الفصيحة منها والعامية، إلى «ثقافة شاشة»، ومن نهج فكري إلى «نهج خطابي شاشوي».

ويصل بنا في «الحياة الجديرة أن تعاش»، إلى حقيقة أن العولمة الإنسانية الحديثة تكمل ما قامت به العولمة الدينية من تحرير المنتمين إليها من الماضي، عن طريق تجاوز كل ما يقيد الإنسان، ويعيق قناعاته الشخصية. هذا النهج ليس «من اختصاص أحد، أو ابتكار مجتمع دون غيره، بقدر ما هو حصيلة تطور جماعي لحضارة الإنسان»، فنحن أمام خيارين: إما التطلع إلى الخير العام، أو لمجابهة ما يهدد الوجود الإنساني واستمراره.

خريطة العدد

علاوة على افتتاحية رئيس التحرير، علي عبدالله خليفة، والتي حملت عنوان «بين ما هو طبيعي وأصيل وبين تصنيعه وإعادة إنتاجه»، كتب تصدير العدد الباحث والكاتب البحريني حسن مدن: «التاريخ الثقافي في مجتمعات الخليج: إشكالية التأصيل»، ومشاركة كل من: حسين محمد حسين: «امتداداً... ربما لآخر الأجيال»، علي يعقوب: «المرواس سيد الإيقاع في فن الصوت»، إدريس البريدي: «قراءة في أنساق الحكاية الشعبية... كتاب (حكايات شعبية) لعلي مغاوي نموذجاً»، حسين علي يحيي: المحمولات الثقافية والقيمية (التراثية والمجتمعية) في رواية (زناب)... نموذج مقاربة توظيف الثقافة الشعبية في الرواية البحرينية»، فاطمة أبوشقال: «الألعاب في الفترة العباسية من خلال المكتشفات الأثرية لمدينة آيلة الإسلامية»، ياسر محمد أبونقطة: «هكذا لعب جَدِّي»، إدريس مقبول: «طقوس العلاج الشعبي بالمغرب»، عبدالرزاق القلسي: «الطب الشعبي في تونس وعلاقته بجسد المرأة»، عوض سعود عوض: «دلالات الرقصات والأغاني البدوية في بلاد الشام»، صفية عزوز: «مميزات الرقص البدوي في المهرجانات الشعبية بالجنوب التونسي»، سعيد بوكرامي: «الغناء الموريتاني من خلال الفنانة المعلومة بنت الميداح»، علي النجادة: «الأسس النظرية والعملية لتطور تصاميم أنوال حياكة السدو»، سعيد سلمان الخواجة: «الطابون مخبز وفرن للعائلة الفلسطينية»، محمد إبراهيم: «مدرسة وجامع العامرية بـ (رداع)»، أحمد المؤذن: «الدريشة (النافذة) البحرينية... إطلالة فضول نحو المباح والمُصادر»، إضافة إلى باب جديد النشر.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً