العدد 5074 - الخميس 28 يوليو 2016م الموافق 23 شوال 1437هـ

قصة قصيرة... البخيل الُمحسن

قصة قصيرة - هبة الله محمد حسن 

تحديث: 12 مايو 2017

معروف أنا بين أهالي المنطقة أنني ابخل أهل الأرض، في اللحظة التي ألقي فيها عليهم السلام وأستدير اسمعهم يتهامسون، لابد وأن جدّي الأكبر نفسه يُلعن في تلك اللحظات. 

لكنهم لا يفهمون، هم لا يرون أبعد من أطراف أنوفهم الطويلة التي يدسونها في كل شيء ولا يمكنهم أبداً أن يعرفوا قصتي معه.

أعتقد أنها كانت ليلة شتوية باردة تلك التي رأيته فيها للمرة الأولى، نحيل كإبرة، يرتجف كورقة شجر في مهبّ الريح، أثار مظهره شفقتي، وخصوصاً أنه كان يقف في استسلام على جانب الطريق، لا يحاول أن يستجدي، يحتفظ ببقايا كرامة ذوّبتها مياه المطر، لا أعرف كيف تسلّلت يدي إلى جيبي وأخذت المال ودسسته في يده، ارتعش صوته وهو يطاردني بهمهمته الشاكرة التي حاولت ألا اسمعها وأنا ابتعد. الدموع توشك أن تطرف من عيني، وفي قلبي كنت أشعر بشعر رائع يومض ويضيء لي الطريق الذي لا أراه من المطر والدموع.

قابلته في اليوم التالي، كان أفضل حالاً لكنني ضاعفت المبلغ ودسسته في يده، شكرني بخجل فهززت رأسي، ومضيت شاعراً بالفخر لأنني رجل مُحسن طيب القلب!!

بمرور الوقت بدأت الحالة تسوء أكثر، لكنني لم ألحظ إلا عندما شعرت بيده الباردة تمتد أمامي ووجهه الجامد يستقبل الحسنة في فتور!!

وبدأت أدرك إلى أي مدى انحدرت، في المرة الأولى أعطيته لوجه الله والثانية لأشعر أنني رائع وطيب وبالتكرار تحول الأمر إلى واجب، فاتورة يجب أن أدفعها كالماء والكهرباء بالضبط، هذا قبل أن يتحول الأمر إلى إتاوة، لا يمكنني أن أمرّ دون أن ادفع، لم يعد العطاء يسبب لي أي سعادة.

استغللت فرصة أنني اشتريت سيارة جديدة وأنني بهذه الطريقة لن أقابله كل يوم لأعطيه إتاوته، لكن وفي كل مرة كانت تمر العربة أمامه اسمع تهكماته على الرجل الذي فتح الله عليه فبخل وأعتقد أنه كان يقصدني أنا!!

متى وكيف صدمته بالسيارة، هل كنت أقصد أم لا، أم كان عقلي الباطن يحركني رغما عني، أم أنني لم أصدمه أصلاً وأنني تخيّلت هذا لأنني تمنيته، لحسن الحظ كانت الإصابة بسيطة لكنني لم أره بعدها ثانية أبداً.

ومن يومها قررت ألا أعطي سائلاً أياً كان، إن كان ثمة فرصة لألقاه ثانية، يراني الناس أقف أمام مكنة الصراف الآلي فيتهامسون عن هذا الذي يكنز النقود ليشوى بها في نار جهنم، دون أن يعلموا أنني ربما كنت أحوّل النقود لمؤسسة خيرية بعيدة لا يعرفني فيها أحد، ولن أشعر معه بشعور غبي زائف بأنني رجل طيب!!

أراك تلملم أطراف ثيابك وتبتعد، لقد وفّرت عليّ الكثير، أشعر أنك محتاج حقاً، أنك صادق بحق، لكنك للأسف جئت للشخص الخطأ، أبحث عن آخر يستطيع أن يحتفظ بنفسه طاهرة وهو يعطي، ابحث ربما تجد!!





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 4:02 م

      جميلة جدا القصة .. سلمت اناملك
      حافظ على نيتك الخالصة لله في السر و العلن ..
      ان لم تستطع ذلك فصدقة السر اولى
      اياك ان تحكم على الناس بالظاهر اوتسيء الظن و تقذف الناس بالبخل فالله اعلم بالاعمال .

    • زائر 6 | 9:23 ص

      الحل هو

      صدقت السر والعلن هي الحل لكلتا المشكلتين

    • زائر 5 | 7:52 ص

      رائع ، المقصد واضع والفكرة متكاملة ، احسنتِ

    • زائر 4 | 7:12 ص

      عجيب

      من هو على حق الفقير او الغني وماهيه العبر

    • زائر 3 | 6:19 ص

      انما الاعمال بالنيات و على نياتكم ترزقون هكذا تعلمنا و هكذا كنا و على هذا تربينا و على هذا سنكون و ان الله لا ينسى عمل الخير فكله في ميزان حسنات الانسان

    • زائر 2 | 1:42 ص

      أرجو أن لا يفهم من القصة أننا يجب أن لانعطي السائلين
      صحيح أن تنظيم العطاء عن طريق المؤسسات الخيرية أفضل ولكننا لا نعلم ما هي ظروف السائلين
      وإذا فكرت انك لا تزال مقصر ، لن تشعر بالفخر

    • زائر 1 | 11:35 م

      أحسنت

      مزيدا من التقدم ولكن
      بعض الجمل تحتاج إلى صياغة دقيقة:
      مثل يحتفظ ببقايا كرامة ذوّبتها مياه المطر
      تكرار بعض المفردات فيه نظر
      مثل يومض ويضيء
      كثير من الكلمات تحتاج إلى وضع همزة القطع
      موفقين

اقرأ ايضاً