العدد 5079 - الثلثاء 02 أغسطس 2016م الموافق 28 شوال 1437هـ

أميركا تبحث عن «حصة في الانتصار» العراقي

عبدالحسين شعبان comments [at] alwasatnews.com

كاتب عراقي وحقوقي عربي

بدأ وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر زيارته إلى بغداد في 11 يوليو/ تموز 2016، ولم يُعلن عن تلك الزيارة من قبل، وهو ما جرت العادة عليه منذ الاحتلال الأميركي للعراق العام 2003، حين يصل فجأة المسئولون الأميركيون إلى المطار، ليهرع إلى ملاقاتهم بعد ذلك بعض المسئولين العراقيين، ولم يتغيّر شيء من ذلك التقليد المُتّبع هذه المرّة، فحطّت طائرة آشتون كارتر في بغداد، وكان باستقباله عدد من طاقم السفارة الأميركية، ثم جاءه المسئولون السياسيون والعسكريون العراقيون، على جناح السرعة، وفي مقدمتهم رئيس الوزراء حيدر العبادي ووزير الدفاع خالد العبيدي.

تأتي زيارة كارتر بعد استعادة القوات العراقية قاعدة القيّارة الجوية (تبعد 58 كيلومتراً عن الموصل)، وهي موقع استراتيجي شديد الأهمية، وكذلك بعد معركة تحرير الفلوجة ذات الرمزية الخاصة، الأمر الذي سيفتح الآفاق باتجاه تحرير الموصل. وبالطبع، لا يريد الأميركان تجيير كل ذلك للقوات العراقية، بل يسعون للحصول على «نصيب» مما تحقق باعتبارهم «حلفاء» و «شركاء».

وقال كارتر إن بلاده سترسل 560 جندياً إضافياً إلى العراق استعداداً لمعركة الموصل التي يجري عزلها والضغط عليها، مشيراً إلى أن بعض جنوده سيذهب إلى قاعدة القيّارة، وأنها ستوفر أنشطة لدعم القوى الأمنية العراقية، بما فيها البنى التحتية والقدرات اللوجستية في القاعدة الجوية «القيّارة»، خصوصاً بعد السماح للقوات الأميركية بالوجود فيها.

ويتردّد سؤال في الأوساط السياسية والدبلوماسية: ماذا يستهدف الأميركان من الوجود العسكري الجديد في القيّارة؟ هل يريدون العودة إلى العراق وهم الذين اضطروا إلى الانسحاب منه العام 2011 بعد خسائر قدّرت بنحو 4800 جندي، وأكثر من 26.000 جريح ومعوّق، فضلاً عن حالات انتحار وأمراض نفسية؟ وفوق كل ذلك خسرت الولايات المتحدة سمعتها وزادت أعباؤها المالية، حيث قدّرت المبالغ التي أنفقتها على الحرب ما يزيد على تريليوني دولار أميركي، الأمر الذي انفجر على نحو صارخ خلال الأزمة المالية والاقتصادية التي اندلعت في العام 2008 ولاتزال تأثيراتها مستمرة، ناهيك عن ضغط الرأي العام الأميركي والعالمي، فلماذا تريد واشنطن العودة من الشّباك بعد أن خرجت من الباب؟

واشنطن لا تخفي قلقها من الوجود العسكري والاستخباري الإيراني في العراق، وهذا الأخير يحظى بتأييد «أصدقاء» إيران من التحالف الوطني (الشيعي)، ولاسيّما الحشد الشعبي، ولذلك فهي تسعى لمنع طهران من نشر مستشاريها العسكريين في مواقع ذات أهمية استراتيجية، ولاسيّما القاعدة الجوية في القيّارة، التي تعتبر منطقة تقاطع حساسة جغرافياً واستراتيجياً بين إيران والعراق وصولاً إلى سورية، وهو ما يخشاه الأميركان، حتى وإنْ كان الهدف هو محاربة «داعش»، لكنها تحسب حساباً لما بعد داعش.

ولهذا السبب لا يستبعد بعض المراقبين أن يتحوّل هذا الطلب بالوجود الأميركي في قاعدة القيّارة، إلى أمر دائم، أي أن تكون قاعدة أميركية بحكم تدفّق المستشارين، الذي يعطي انطباعاً أن مهمتهم ليست تحرير الموصل، بقدر ما قد تكون رغبة من جانب واشنطن في إعادة الانتشار من خلال مواقع استراتيجية جديدة تسهّل عمل القوات الأميركية في هذه المعركة وفي المستقبل لضبط إيقاع أي حركة في المنطقة.

وتعتقد واشنطن أن قاعدة القيّارة الوسطية والمتقدّمة هي قاعدة مثالية، فهي قريبة من حلفائها الكرد وبعض العشائر العربية السنية التي انتظم بعضها في الحشد العشائري، إضافة إلى قوات الجيش العراقي التي لديها نفوذ كبير فيه، في إطار اتفاقية الإطار الاستراتيجي الذي وقعته بغداد مع واشنطن العام 2008. ومن جهة أخرى، فإن القيّارة بعيدة عن مناطق نفوذ الحشد الشعبي التقليدي، وبالتالي، فهي في مأمن من احتمالات هجوم مفاجىء لداعش. يضاف إلى ذلك أن منطقة القيّارة منطقة خالية نسبياً من السكان، مما يجعل الحركة الأميركية منها وإليها بعيدة عن التهديدات التي يقوم بها «داعش» أو التنظيمات القريبة منه.

وستقيم القوات الأميركية منصّة انطلاق ومركزاً لوجستيّاً في القيّارة، لاستخدامهما في المعركة لتحرير الموصل. وأشار كارتر إلى أن القوات الأميركية مستعدّة لمرافقة القوات العراقية إذا تطلّب الأمر أثناء تحرّكها باتجاه الموصل، ولكي يضمن مثل هذا الحضور الأميركي الجديد، أجرى كارتر اتصالاً هاتفياً برئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني. وكانت واشنطن قد تعهّدت بدعم قوات البيشمركة وتقديم مساعدات تبلغ 415 مليون دولار، وذلك خلال زيارته السابقة.

يذكر أن قاعدة القيّارة كانت قد استُخدمت من قبل القوات الأميركية، كمعسكر لها بعد الاحتلال، وقامت بترميم المدرج وبرج المراقبة، وهي تعرف قيمة موقعها الاستراتيجي، وقد سلّمتها في العام 2010 إلى القوات العراقية، واستمرّت بيدها، حتى احتلال «داعش» للموصل في 10 يونيو/ حزيران العام 2014، حين سقطت القاعدة دون قتال. وحسب مسئول عراقي، فإن قاعدة القيّارة ستستخدم لتقديم الإسناد الجوي للوحدات البرية، كما أن تحريرها سيفصل بين مواقع داعش في الموصل ومواقعه في بقية المناطق سواء في الشرقاط والحويجة، وغيرها.

إن زيارة كارتر الثانية إلى بغداد (في غضون أقل من ثلاثة أشهر)، هي خطوة جديدة قد تعقبها خطوات أخرى لإعادة ترتيب أوراق واشنطن إزاء العراق، بعد فشل سياساتها السابقة، فقد كان كارتر قد وصل العراق قبل ذلك في 18 أبريل/ نيسان 2016، لمنع حدوث فراغ سياسي، حيث كانت حركة الاحتجاج قد وصلت ذروتها والمطالبات ارتفعت بتغيير الرئاسات الثلاث، وترافق مع تلك الزيارة زيارتان خلال ثلاثة أسابيع، الأولى لوزير الخارجية الأميركي جون كيري في 8 أبريل، والثانية لنائب الرئيس الأميركي جو بايدن في 28 أبريل، والزيارتان كانتا لنفس الأسباب ولذات الأهداف، وهي الأهداف التي بلورها اليوم آشتون كارتر بصورة عملية إثر التطور العسكري الذي حصل بعد تحرير الفلوجة واستعادة قاعدة القيّارة الجوية، موجِّهاً رسالة جديدة تقضي بعدم السماح بإجراء تغييرات جوهرية، من شأنها تصديع العملية السياسية.

ولهذا أرادت واشنطن مثل هذا الحضور، كي لا تتوسع إيران في نفوذها، وكي لا يخرج العبادي من السيطرة لتحويل نتائج نصر الفلوجة وهرب «داعش» من القيّارة لصالحه وحده، فضلاً عن إحداث نوع من التوازن والحيلولة دون وقوع صدامات محتملة، في المناطق المتنازع عليها، أو التي سيتم تحريرها، وفي الوقت نفسه سيكون قاعدة للإجهاز على «داعش» من «الجبهة» العراقية، لكي لا ينفرد الروس وحدهم في جني مكاسب النصر على «داعش» في سورية.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسين شعبان"

العدد 5079 - الثلثاء 02 أغسطس 2016م الموافق 28 شوال 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 11:12 ص

      مرحبا بك يا عم سام
      رغم الضربات التي تلقتها امريكا بعد احتلالها للعراق و خروجها صاغرة إلا أن بعض المسؤلين العراقيين لا زال يعتقد أن أمريكا صديقة حميمة للعراق ككل أو بالأحرى سياسيا.

    • زائر 4 | 7:42 ص

      عزيزي. انت تشرح الحال و الواقع. اما انا ابحث عن الاسباب التي أدت الي وصولنا الي هذا الوضع. بقرائتي للتاريخ و التخطيط اجزم لك بان جميع من حكموا العالم الثالث منذ استقلال دولهم لم يأسسوا دولة او كيان و لم يشكلوا مواطنة و نظام. لذلك كلما يا يحصل هو بسبب جهلنا و عدم اطلاعنا علي البناء و تأسيس الدول. و القادم علينا أفظع.

    • زائر 1 | 1:01 ص

      يا استاذي العزيز ان كعكة العراق سوف تتقاسم بها ايران وامريكا وليست العراق فقط بل الشرق الأوسط باكملة

    • زائر 3 زائر 1 | 5:45 ص

      اخي الكاتب تتكلم عن دولة العراق او مدينة العراق ما نعرف فى الوقت الراهن اى بلد بهذه الاسم.

اقرأ ايضاً