العدد 5088 - الخميس 11 أغسطس 2016م الموافق 08 ذي القعدة 1437هـ

المؤسسات الناجحة تعتمد على «تمكين» العاملين

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

عندما يتطرَّق الإداريون إلى مفهوم «التمكين» فإنَّهم يُشيرون في العادة إلى مجموعة من الاستراتيجيَّات الهادفة إلى مُساعدة أولئك الذين لديهم قُدُراتٌ كامنةٌ، لكنَّهم لسببٍ مَّا، لم يتمكنوا من الاستفادة منها في حياتهم.

ومفهوم التمكين قد يشمل العاملين في مؤسسة ما، أو الطاقات الشبابيَّةَ الباحثةَ عن فرصة في الحياة، كما قد يشمل فئاتٍ من المجتمع تعيش على الهامش، أو أنَّهُ تمَّ تهميشهم تاريخيّاً، وبالتالي فإنَّ برامج التمكين تهدف إلى إشراكهم في مجالات الحياة العامَّة، وفي تطوير مجالات المعيشة الكريمة، وتوفير التدريب والتعليم والفرص، ولاسيما في مجال التوظيف.

منهجيَّة «التمكين» تقف على النقيض من منهجيَّةٍ أخرى معمولٍ بها في بعض المُجتمعات التَّقليديَّة، وهي تلك المنهجيَّة القائمة على «إضعاف» الآخرين كوسيلة لتثبيت وضعٍ قائمٍ، بحسب تراتُبيَّة مُعيَّنة. والإضعاف، أو الاستضعاف، يُقصدُ به استخدام منطق القوَّة لحصر الآخرين في موقع ضعيف، يجعلهم غيرَ قادرينَ على تحقيق التفوُّق، ويمنعهم من الوصول إلى مواقع القوَّة أو السُّلطة أو النُّفوذ.

في النطاق الأوسع، فإنَّ التَّمكين قد يُشير إلى التَّدابير الرامية إلى زيادة قُدرة الناس في الاعتماد على أنفسهم وتقرير مصيرهم، أو تمثيل مصالحهم بطريقة مسئولة، ووفقاً لإرادتهم، بحيث يتغلبون على شعورهم بالعجز، أو الشعور بانعدام قدرتهم على التأثير. وفي نهاية المطاف، فإنَّ التمكينَ يجعل الإنسان قادراً على استخدام موارده الكامنة، وعلى الاستفادة من الفرص الحياتيَّة على أُسس منصفة.

وبحسب البنك الدولي، فإنَّ التمكين يمكن النَّظر إليه كعمليَّة لتعزيز قدرة الأفراد أو الجماعات على اتخاذ خيارات، وتحويل تلك الخيارات، إلى الإجراءات والنتائج المرجوَّة، كتطوير القُدُرات والأصول الفرديَّة والجماعيَّة، وتحسين كفاءة ونزاهة السياق التنظيمي والمؤسسي الذي يحكم استخدام تلك القُدُرات والأصول. وقد يكون هدف التمكين توسيع أصول وقُدُرات فئات مهمَّشة لتمكينهم من المشاركة في الحياة العامَّة، وما يتطلبه ذلك من التميُّز في مهارات التفاوض مع أصحاب النفوذ، أو صياغة عقود مع المؤسسات، بهدف زيادة فرص التنمية، وتعزيز مخرجات التنمية وتحسين نوعية حياة الناس.

التمكين قد ينطلق على أساس المنهج الفردي، والذي يرى أنَّ الإنسان يقرِّر مصيره بنفسه، مهما تكن الظروف المحيطة به، وأنَّ كل ما يحتاج إليه هو تنبيهه إلى قُدُراته. من الناحية الأخرى، فإنَّ التمكين قد ينطلق على أساس المنهج الاجتماعي (أو الجماعي)، بمعنى أنَّ قدرة الإنسان تحكمها ظروفه الاجتماعيَّة، وأنَّ عملية التمكين تحتاج إلى جهد جماعي لمساعدة الذين يقعون تحت ظروف ضاغطة أو قهريَّة تبعدهم عن الاستفادة من قُدُراتهم بما يليق بهم على أساس الاحترام المُتبادل، والحصول على فرصٍ متساوية للاستفادة من الموارد المشتركة، وللمشاركة الفعالة في صنع القرار. وفي هذا المنحى الاجتماعي، فإنَّ التمكين يسعى إلى تأمين الفرصِ الأساسيَّة للناس المهمَّشين، ويشمل ذلك تطوير المهارات والمعارف اللازمة لتحقيق الاعتماد على الذات والتغلب على العقبات في الحياة أو بيئة العمل.

وبالنسبة إلى المؤسسات، فإنَّ التمكين يُقصد به تلك السياسات والبرامج التي تهدف الى إعطاء المرؤوسين صلاحياتٍ أكبر في إدارة مجال عملهم، وفي التحكم في سياق العمل من أجل تقديم خدمة أفضل لكل من الزبائن والعاملين وأصحاب المصلحة. وتتضمَّن الأساليب المستخدمة في تحقيق ذلك، والتي تشمل العمل بروح الفريق الواحد، تخفيض التراتبيَّة، وإفساح المجال لمشاركة العاملين بصورة أكبر، بما يحقق التكامل والجودة والأريحيَّة والرضا الوظيفي أثناء أداء المُهمَّات وتقديم الخدمات. مثل هذا التوجُّه يتطلب تعزيز الدوافع لدى العاملين، وتطوير مهاراتهم؛ للمشاركة في اتخاذ القرارات، وفتح المجال نحو الإبداع والإيجابيَّة والتعلُّم المستمر، والتقييم الذاتي، وتحمُّل المسئوليَّة عن النتائج.

اذن، تستند استراتيجيَّات «التمكين»، داخل المؤسسات، إلى الاعتقاد بأنَّ العاملين لديهم القدرة على تحمُّل المزيد من المسئوليَّة، وهذا يتطلب إعطاء الموظفين مزيداً من السُّلطة والمسئوليَّة لرعاية احتياجات الزبائن واتخاذ قرارات مؤثِّرة بصورةٍ إيجابيةٍ ومباشرةٍ في دائرة عملهم. العاملون في المؤسسات المتقدّمة في أساليب الإدارة يشاركون في إدارة توقعات الزبائن، وفي تحسين الجودة، ويدركون دورهم في دعم رؤية ورسالة المؤسسة من خلال رعاية احتياجات الزبائن.

يطرح عالم الإدارة جوزيف جوران Joseph Juran (توفي عن عمر ناهز 103 أعوام في 2008) توصيفاً لمفهوم «التمكين» بأنه «يمنح الحق للعاملين (داخل المؤسسة) في اتخاذ القرارات وتحديد الإجراءات اللازمة».

لقد كان التركيز الأساسي لهذا العالم الإداري (جوزيف جوران) ينصبُّ في «إدارة الجودة»، وكان التفكير السابق لما طرحه جوران، هو أنَّ الجودة يمكن تحقيقها عبر التفتيش النهائي لعملية الإنتاج. لكنَّ جوران طرح أنَّ الجودة لا يمكن تحقيقها إلا عبر تمكين العاملين لكي يحققوا الجودة أثناء قيامهم بأدوارهم في سلسلة عملية التصنيع، وبحيث تكون عمليَّة التفتيش الأخيرة مجرد إجراء تكميلي.

ومن أجل تحقيق ذلك، فقد طرح جوران فكرة إضافة البُعد الإنساني لإدارة الجودة، عبر تمكين العاملين، ودفع باتجاه تعليم وتدريب المسئولين في المؤسسات؛ لكي يسهّلوا إشراك العاملين في إدارة الجودة.

بعد النجاح الذي حققته أفكار جوران في المصانع، توسعت أساليب الجودة لتشمل كلَّ المؤسّسات من كل الأنواع، وأصبح هناك نظام الجودة العالمي ISO 9000، وهو نظام صمم لتحقيق متطلبات الجودة داخل كل التخصُّصات، من التصميم إلى الإنتاج إلى المشتريات والمبيعات إلى التوزيع والتسليم، وإلى كل تخصُّص تحتاج إليه أية مؤسسة في مجال تنشط فيه.

وكان جوران، وأثناء إحدى زياراته لليابان في العام 1966 أعجب بتطبيق منهجيَّة دوائر الجودة Quality Circles، وقام بالترويج لها كوسيلة أساسية لتمكين العاملين من إدارة بيئة عملهم، وإنتاج السلع أو الخدمات بجودة عالية، وأصبحت هذه المنهجيَّة ضمن القياس العالمي لإدارة الجودة.

المؤسَّسات الناجحة في عصرنا الحالي، إذن، هي تلك التي تعتمد على «تمكين» العاملين، وهذه المؤسَّسات لديها عدد من الخصائص، من بينها:

- أنَّ الإدارة العليا تعلن وتلتزم بثقافة عامَّة من أجل تدريب وتطوير العاملين لديها بهدف تمكينهم من السيطرة على بيئة عملهم، وتطويره، بما يُحقِّق رؤية ورسالة المؤسَّسة.

- يتركز تمكين العاملين على تلبية احتياجات الزبائن، وهذا يتطلب تمكينهم من اتخاذ القرارات التي تساعد الزبائن، وأنها تساهم في تحقيق الأهداف الاستراتيجيَّة والتجاريَّة للمؤسَّسة.

- وجود برامج تدريبيَّة مستمرَّة لجميع العاملين لتولي مسئوليات لها علاقة بتحقيق تطلعات الزبائن، وبتحقيق الرضا الوظيفي، وحل المشكلات، والتفاوض، ومهارات حلِّ النزاعات، والتفكير الإبداعي، والتفكير النقدي، والتطوير الذاتي، وقيادة الآخرين.

- تمكين العاملين من الحصول على المعلومات والبيانات التي يمكنهم استخدامها في عمليَّة صُنع القرار، بما في ذلك معلومات ومسوحات وتعليقات واستطلاعات عن رضا الزبائن، بحيث يمكن الاستراشاد بها في تطوير بيئة العمل.

- ترى في المؤسسات الناجحة أنَّ المدراء يثقون بالعاملين لاتخاذ القرار الصحيح، وترى أنَّ العاملين يعلمون حدود الصلاحيات المتاحة لهم بما يكفي لأداء دورهم بصورةٍ تنافسيَّة.

- ترى أنَّ المؤسسة لا تعاقب على الأخطاء إذا كانت قد ارتكبت أثناء عمليَّة تطوير الخدمات أو المُنتجات، شريطة أنْ تسهم تلك الأخطاء في تعزيز الإيجابيَّة والإقدام.

- المؤسَّسات التي تؤمن بتمكين عامليها تراها تحترمهم وتوفِّر لهم وسائل مناسبة، بما في ذلك ما يوفِّر الراحة أثناء أداء عملهم.

هناك العديد من المسمَّيات والعلامات التي توضح مدى إيمان مؤسسة ما بالعاملين لديها، ومدى تمكينها لهم، وترى مثل هذا النهج متكاملاً في فلسفة إدارة الموارد البشرية عبر نظام الكفاءات أو الجدارات Competencies، حيث تقوم المؤسسة بتقييم الأنماط والسلوكيَّات المتوخاة مع مهارات العاملين، بما يحقق أداء مُتميزاً في تلبية متطلبات ومسئوليات الوظيفة.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 5088 - الخميس 11 أغسطس 2016م الموافق 08 ذي القعدة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 3:17 ص

      هناك الكثير من الشركات في الديرة التي تقوم بتمكين الاجانب فقط....هؤلاء الاجانب يضعون ال competencies لتقييم البحرينيين بشكل سئ والتخلص منهم بتفنيشهم...اظن نحن نسير في الطريق الصحيح للتمكين الكلي للاجانب في كل الشركات البحرينية...

اقرأ ايضاً