العدد 5094 - الأربعاء 17 أغسطس 2016م الموافق 14 ذي القعدة 1437هـ

حين نفقد ما نملك بحثاً عن بديل!

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

حين يكون المرء محاطاً بالمحبين من حوله، يشعر بالقوة، بالأمان، بالقدرة على مواجهة أي صعاب حتى وإن لم يكونوا يقدّمون له المساعدة المعنوية أو المادية. وجودهم معه وبقربه يكفي لأن يشعر بأن معه من سيدركه لو إنه احتاج لمساعدة.

البشر بشكل عام لا يميلون إلى العزلة في وضعهم السوي. يحبون مخالطة غيرهم. حتى وإن كان هذا الغير شخصاً واحداً أو اثنين. مخالطة تضمن لهم تحسّس مواضع قلوبهم عندما يلتفتون فيجدون من يقف أمامهم بابتسامة تشجيع أو دمعة مواساة، أو يد ممدودة لانتشالهم من الغرق وإيصالهم إلى ساحل الأمان.

لأسباب غيبية لا يعلمها إلا الله، يحدث أن يغيب هؤلاء في لحظة نكون فيها في أشد الحاجة إليهم. غياب غير إرادي. غياب تفرضه الظروف ومن قبلها تفرضه إرادة الله.

يحدث أن يكون هذا الغياب أبدياً، وهو الغياب الموجع الذي لا يشفى جرحه كلما هطلت ذاكرة بمخزونها علينا. ويحدث أن يكون هذا الغياب مؤقتاً، لسفر أو عمل أو لأي سبب آخر. هذا الغياب يعرّفنا مقدار أهمية هؤلاء، حتى نشعر وكأن الله اختار هذا الظرف لنعيد حساباتنا ونعيد ترتيب أولوياتنا. فهل نفعل هذا فعلاً في الوقت المناسب؟

كثيراً ما يقال: «لا تعرف قيمة الشيء إلا حين تفقده»، لكن ما الفائدة حينها من معرفة هذه القيمة؟ حينها لن يكون إلا الندم لنا رفيقاً، خصوصاً حين يكون هذا الغياب بعد سلسلة من المواقف التي بخسنا فيها حقوق هؤلاء.

فكم من زوجةٍ لم تنتبه لوجود زوجها الذي طالما تذمّرت من عدم جدواه في حياتها؟ وكم من زوجٍ أهمل زوجته وبحث عن غيرها ليغدق عليها كل اهتمامه؟ وكم من أبٍ لم يلتفت إلى جمالية وجود أبنائه في المنزل، وفضّل الانشغال عنهم بالعمل أو مرافقة أصحابه في المقاهي أو المجالس؟ وكم من أمهاتٍ لم يلتفتن إلى ابتسامة أطفالهن أو حاجتهم، لأنهن كن منشغلات بتوفير احتياجاتهم الأخرى وتنظيف المنزل وترتيبه؟ وكم من صديقٍ لم يعر صاحبه أي اهتمام حين يسأل عنه أو يزوره ويشعر بالتثاقل كلما أبدى إليه اهتمامه؟

هذه نماذج قليلة من مواقف كثيرة تمرّ بنا في الحياة. لا ننتبه إلى أصحابها، الذين يكونون في الغالب من أقرب الناس إلى قلوبنا للأسف الشديد. ولأننا نريد لأنفسنا الخير، ودائماً نبحث عن الأفضل، ولأننا كثيراً ما نغفل عما نملك، نجدنا أحياناً نبحث عن أشياء تكون في متناول أيدينا، ولكن لا ننتبه إلى وجودها. وللأسف فإن هذا الأمر لا يقتصر على بحثنا عن قلم هو بين أصابعنا ولم ننتبه لوجوده، أو هاتف محمول كنا نتحدث من خلاله في نفس الوقت الذي كنا نبحث فيه عنه، أو شيء نرتديه ونسيناه، بل يصل بنا الأمر إلى البحث عن بدائل لأشخاص هم بين أيدينا ويكونون مستعدين لتقديم الغالي والنفيس لنا، في حين لا نلتفت إليهم إلا بعد فقدانهم.

الأصدقاء والأهل والأحبة نعمةٌ عظيمةٌ من نعم الله، ليتنا نهتم بالمحافظة عليها أكثر من اهتمامنا بالبحث عن بدائل لها بوعي ومن غير وعي منا.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5094 - الأربعاء 17 أغسطس 2016م الموافق 14 ذي القعدة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:14 ص

      العزلة

      بعض الأشخاص يفضل العزلة ع الاجتماع مع الناس وعدم مخالطتهم رغم الحاجة المستمرة إلى الجماعة ومعاشرتهم معاشرة الأخ لو غاب إلا حق ع البقية السؤال عنه.

    • زائر 3 | 12:24 ص

      صحيح ان البعد و الغياب يكشف حقيقة المشاعر . من قال بأن بعيد عن العين بعيد عن القلب فهو مخطىء . الشوق يزداد كلما زادت المسافات.

    • زائر 2 | 11:31 م

      هدهد
      شكراً لقلمك

    • زائر 1 | 11:07 م

      كلامش عدل

      كلنا نعاني من نفس الاشكاليه

    • زائر 4 زائر 1 | 12:58 ص

      الأصدقاء والأهل والأحبة نعمةٌ عظيمةٌ من نعم الله، ليتنا نهتم بالمحافظة عليها أكثر من اهتمامنا بالبحث عن بدائل لها بوعي ومن غير وعي منا. صدقتِ يا سوسن دهنيم!

    • زائر 6 زائر 4 | 9:46 ص

      مقال رائع جدا ومهم للغاية في حياتنا ولكن نحتاج الى اذان صاغية وعقول واعية
      شكرا لك ياطالبتي

اقرأ ايضاً