العدد 5107 - الثلثاء 30 أغسطس 2016م الموافق 27 ذي القعدة 1437هـ

جدلية الحب والصراع... وخصخصة الآخر

الشعور بالانتماء لمن نحب أمر طبيعي وفطري. وفي علم “الاتصال الموجَّه” يقترن الحب والانتماء؛ ليشكلا أحد المحركات العاطفية الثمانية، التي تشكل السلوك البشري في التصرفات والاحتياجات العاطفية.

وبتعريف مبسط، فإنهما يعنيان الارتباط والانسجام، وفي حال عدم وجود هاتين الصفتين فذلك يعني أن هناك خللاً ما، فيتراجع هذا المحرك العاطفي ليطغى عليه محرك التحكم والسيطرة؛ رغبةً في تحقيق نظرية “الكيان الواحد” أو “خصخصة الآخر”.

يقول الكاتب والروائي الإنجليزي توماس هاردي: “عندما يتزوج اثنان فإنهما يصبحان واحداً، لكن المشكلة تكمن في تقدير أيهما سيكون ذلك الواحد”.

وللأسف، فإن نظرية الكيان الواحد في العلاقات الإنسانية وانصهار شخص في آخر تأتي ضمن المفاهيم المغلوطة، التي تربك العلاقات الإنسانية؛ ما ينشأ عنها إشكالات كبرى في الفهم وتحديد مسار العلاقة.

إنّ هذه الرغبة في تخصيص الآخر في الزواج أو العلاقات الإنسانية الأخرى - ولو كانت بدافع الحب - مستحيلة وغير ممكنة، إلاّ في الشِّعر أو المجاز، فتملك الإنسان فكرة مهينة، وليس بوسع بشرٍ الحَجْرُ على عقل وفكر بشر آخر أو قلبه ومشاعر هو تكييف إرادته وتفصيلها بحسب الاحتياجات والرغبات. فحرية الإرادة هي ما يميزنا من أشكال الحياة الأخرى، وهي الحق الذي منحه الله لكل واحد فينا، وهي ما جعلت الإنسان سيد الخليقة. والواقع إن هذه الرغبة التي تنطلق من الحب ستنتهي حتماً بالصراع.

فللعلاقات الإنسانية قوانين عدة تحكمها، ولكن يمكن إيجازها في قانونَين أساسيَّين: قانون الحب وهو أول قانون في الحب نشأ حين أحب آدمُ حواءَ وأحبته. وقانون الصراع الذي ظهر بعد الحب وتجسّد في أوضح صوره من خلال ما حدث بين قابيل وهابيل، وانتهى بأول جريمة قتل في التاريخ.

وسواءٌ شئنا أو أبينا، فإن هذين القانونين يتحكمان بالعلاقات إلى يومنا هذا. ولذلك، فإن الفهم المغلوط أو الضيق في أي علاقة إنسانية يثقل كاهلها، ويجعل رؤيتنا لها ضبابية، مثل الحاجة إلى التقدير والاعتراف بقيمتنا، التي تأتي أيضاً ضمن المحركات العاطفية التي تشكل السلوك البشري، لكنها قد تكون قوة شديدة التدمير لنا ولمن حولنا.

ما يحدث أحياناً، ونتيجة لعدم تلقينا للحب غير المشروط والقبول والاستحسان والاعتراف بقيمتنا، فإننا نتصرف وفقاً لما نظن أن الآخرين يريدون منا فعله، لندخل لا شعورياً في عملية خصخصة ذواتنا لصالح الطرف الآخر. وهذا يعني أننا لسنا صادقين في مايتعلق بحاجاتنا العاطفية. وكلما زادت حاجتنا إلى موافقة الآخرين زاد على ما يبدو امتناعهم وتملصهم.

الخلاصة، إن البنية الانفعالية للمحركات العاطفية هي التي تخلق السلوكات والنتائج، وتقوم بعملية إسقاط للتوقعات الشخصية في العلاقات الإنسانية، التي قد لا يكون الطرف الآخر مسؤولاً عن أدنى قدر منها. والحقيقة هي: إننا عندما نتعلم استحسان ذواتنا والموافقة عليها يوافق عليها الآخرون.

العدد 5107 - الثلثاء 30 أغسطس 2016م الموافق 27 ذي القعدة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً