العدد 5112 - الأحد 04 سبتمبر 2016م الموافق 02 ذي الحجة 1437هـ

السباحة في وحل الكلمة

سوسن دهنيم Sawsan.Dahneem [at] alwasatnews.com

يقول نجيب محفوظ: «لا أجيد رد الكلمة الجارحة بمثلها، فأنا لا أجيد السباحة في الوحل».

الكلمة سلاح خطير يمكن له أن يكون أشد فتكاً من أسلحة كثيرة، وخصوصاً حين تكون الكلمة غير متوقعة. والوحل الذي يعنيه محفوظ هنا هو ذلك المكان الذي تتعثر فيه أرجل بعض منا بوعي أو من غير وعي أحياناً، حين نحاول الإمعان في التجريح بالكلمات.

تأثير الكلمة لا يمكن التكهن به، ولو أنه من البديهي أن نقول إن الكلمة الطيبة بلسم، فيما تعتبر الكلمة الجارحة أحدَّ من السكين. وهو كلام عام يحمل في طياته كثيراً من التفاصيل والحيثيات.

ذات حوار صحفي لي مع الشاعرة حمدة خميس قبل ما يزيد على العشر سنوات، أخبرتني أنها تتحدث مع نباتاتها وكأنها بشر، وكانت تؤكد أن كل نبتة تنصت جيداً، وتتأثر بالكلمة الطيبة فتخضر وتورق وتزداد نضارتها. أخبرتني أنها حين سافرت ذات مرة ذبلت نباتاتها، لأنها لم تعد تستمع لمن يتحدث إليها على رغم أنها تسقى بالماء بشكل دائم وتتعرض للضوء الكافي.

من يومها وأنا أتابع هذه المواضيع وقد وجدتُ كثيراً من الناس يؤمنون بهذا السلوك، بل ووجدتُ أن أحد مدربي التنمية البشرية كان يؤكد على أهمية التحدث إلى أعضاء الجسد كي تعمل بشكل مبهر، وأهمية محادثة الجمادات التي نملك كالسيارة والدراجة والكتب والأثاث وغيرها كي نضمن بقاءها واستمرارها من دون عطب أو خلل، وينقل التجارب إلى تلاميذه بالصوت والصورة حول أشخاص انتهجوا هذا السلوك وتغيرت حياتهم!

إذا كانت النباتات وأعضاء الجسد والجمادات تتأثر بالكلمات، وهو ما أثبته العلم حين الحديث عن تأثير قراءة القرآن الكريم وبعض الأدعية والأذكار على ذرات المياه على سبيل المثال، فكيف بالبشر وهم أهل المشاعر والأحاسيس الظاهرة؟

في الغالب، يمكن لأيٍّ منَّا أن يغير من مزاج غيره وحالته النفسية إلى النقيض بواسطة كلمة، وخصوصاً حين يكون هذا الآخر ممن يتأثرون بسهولة، ولا يملكون الدرع الواقي من تأثير الآخرين عليهم، ولم يتعلموا تقنيات تقيهم من هذا التأثر. وهؤلاء كثيرون من حولنا. بل وأحياناً نجد أن من يدّعون القوة وعدم التأثر بالكلمات التي يطلقها غيرهم يتأثرون من كلمة واحدة لم يحسبوا لها أي حساب أطلقها أحد القريبين منهم وخصوصاً حين تكون تلك الكلمة سلبية.

من المهم أن نعي هذا التأثير، ونحاول أن نستغله حين يكون إيجابياً يساعدنا ويساعد الآخرين على الوقوف مجدداً عند كل عثرة، أو أن نتجنبه حين يكون تأثيراً سلبياً، ونجنب غيرنا التعرض له. والأهم ألا نمتلك تلك النزعة الانتقامية؛ فنرد هذه الكلمات بمثلها أو أسوأ منها، وندخل الوحل ذاته الذي يصعب التخلص منه حين يطال الروح وتبتغيه مسكناً دائماً لها.

إقرأ أيضا لـ "سوسن دهنيم"

العدد 5112 - الأحد 04 سبتمبر 2016م الموافق 02 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 4:38 ص

      احسنتِ

    • زائر 2 | 1:59 ص

      أحسنت أستاذة سوسن، مقال موفّق..

    • زائر 1 | 1:36 ص

      أحسنتي أختي العزيزة سوسن دهنيم, رائع ما تكتبينه! بارك الله بك! تسلم أناملك الكريمة! ستلاحظين أن المجتمع في هذا الزمن صار هناك أناس كثيرين بنوا على قلوبهم جلودا غليظة بسبب قساوة المجتمع! صحيح أن هؤلاء الناس أصبحوا لا يمكن التأثير عليهم بأقسى الكلمات ولكن من جانب آخر لا يمكن إفراحهم بأي شيئ! فبعض الناس صار متعودا أن يمشي ويؤذي الآخرين وحتى إن حاول الآخرين إرضائه سترين أنه لا يرضى! يقول الإمام علي (ع):الكريم يلين إذا استعطف واللئيم يقسو إذا ألطف

    • زائر 3 زائر 1 | 4:02 ص

      حينما تبني على قلبك طبقة سميكة لا يمكن لاحد ان يؤذيك ولكن ايضا لا يمكن لاحد ان يفرحك!

اقرأ ايضاً