العدد 5131 - الجمعة 23 سبتمبر 2016م الموافق 21 ذي الحجة 1437هـ

أقلام تبيض ذهباً!

رضي السماك

كاتب بحريني

قبل أسابيع قليلة نشرت مجلة «فوربس» قائمة بأغنى 14 كاتباً في العالم للعام الجاري 2016، لكن بدا أنها مقتصرة على الكتّاب الأدباء، وخلت تماماً من الكتّاب في حقول المعرفة والعلوم المتعددة، ولا سيما الحقل السياسي، علماً بأنه بات من المعروف منذ عقود أن الولايات المتحدة هي من الدول التي تتصدر دول العالم في تدني مستوى فئات واسعة من مواطنيها وساستها في الثقافة العامة عن شعوب العالم، لأسباب ليس هنا موضع تناولها. ومع ذلك فقد تبوأ المركزين الأول والثاني أميركيان وهما: جيمس باترسون، بثروة قدرها خلال سنة واحدة فقط (269 مليون دولار)، وجيف كيني (19 مليون دولار)، وجاءت الروائية البريطانية كي رولينغ في المركز الثالث (19 مليون دولار)، فيما جاء في ذيل القائمة الكتّاب الأميركيون الثلاثة: جورج آرار مارتين، دان براون، ريك ريودان، بحصيلة (9.5 ملايين دولار) لكل منهم. ووصفت المجلة أقلام ذوي الأسماء التي وردت في القائمة بأنها الأقلام التي تبيض ذهباً.

واللافت أن القائمة وقد اشتمل جلها، كما يبدو، على الأسماء الأميركية والبريطانية، فإنها خلت من أسماء قمم إبداعية في العالم الثالث، وفي عداده بالطبع العالم العربي، فهؤلاء المشاهير لعبت الامبراطورية الإعلامية الاميركية الجبّارة وبرؤوس الأموال التي تضخ فيها دوراً في تلميع أسمائهم عالمياً، أياً تكن مستوياتهم الفعلية الإبداعية، ومن البديهي ألا يجاريهم أحد من كتّاب العالم الثالث الفقير في حجم تلك الثروات التي حصدوها خلال سنة واحدة فقط. ناهيك أن أولئك الكتّاب تتولد وتتضاعف ثرواتهم ليس فقط من حصيلة إعادة طباعة كتبهم مرات عديدة أو حقوق بيعها للمواقع الالكترونية أو ترجماتها لعدد من لغات العالم، بل ومن حصيلة تحويلها لأفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية.

على أن ما ينبغي الاعتراف به أن ما راكمه كتّاب قائمة «فوربس» من ثروات لا علاقة له بمدى قربهم من السلطة أو دوائر صنع القرار. وبالتالي فإن السؤال الذي يفرض نفسه: ماذا لو تبنت المجلة نفسها مشروعاً لإصدار قائمة لأفضل 100 كاتب سياسي في العالم، وفق معايير موضوعية مُحكمة تقوم مثلاً على مدى نزاهة الكاتب وتجرده وتوخيه الحقيقة والتحليل المعمق الحصيف والأسلوب اللغوي؟ وكم كاتب إميركي يا تُرى سيكون في عدادهم؟ وهل ستضاهي حجم ثروة كل منهم ربع حجم ثروة كل من الاميركيين الثلاثة الذين جاءوا في ذيل القائمة (9.5 ملايين دولار)؟

من المشكوك أن يزيد عدد الأميركيين في القائمة عن 10، ولن تصل حجم ثرواتهم لربع ثروات الاميركيين الثلاثة الذين جاءوا في ذيل القائمة، أما لو افترضنا جدلاً بأنها بحثت عن المئة الأكثر ثروةً في الكتابة السياسية في العالم، فمن المؤكد أن عالمنا العربي سيستحوذ على نصيب الأسد بنصف عدد القائمة إن لم يكن أكثر، وستجد فوربس أن أغناهم ثروة لا تنطبق عليهم تلك المعايير الموضوعية المتعلقة بالصدق والأمانة الصحافية وعمق التحليل ورشاقة الأسلوب وسلامة اللغة، بقدر ما يتصل الأمر بمدى تقربهم من السلطة في الأنظمة الشمولية العربية وإيغالهم في الدفاع عنها والتساوق، حقاً أو باطلاً مع سياساتها. بل ولئن تمكنت المجلة من رصد أحجام ثرواتهم من المكافآت المالية المعلومة والممنوحة من صحافتهم التي تستكتبهم مهما علت أرقامها، فلن تتمكن بالقطع من رصدها على وجه الدقة الإجمالية، في ظل غياب معرفتها عن حجم المكافآت غير المعلومة الممنوحة لهم من قِبل أصحاب النفوذ الكبار في السلطة ودوائر صنع القرار، والتي قد تكون في شكل «هبات» عقارية أو مكافآت عينية كالسيارات الفارهة وخلافها.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5131 - الجمعة 23 سبتمبر 2016م الموافق 21 ذي الحجة 1437هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:15 ص

      وهل تتوقع استاذنا العزيز أن تخرج الولايات المتحدة الأمريكية من دائرة سياسة الاستغلال والمنافع والمصالح الرأسمالية مهما كانت التسميات والعناوين التي تغلف أنشطتها المتعددة في العالم والتاريخ خير شاهد ودليل ...مع بالغ التحية

اقرأ ايضاً