العدد 5159 - الجمعة 21 أكتوبر 2016م الموافق 20 محرم 1438هـ

تبْيان منهجية العلم بتعرية الدجّالين وتغطية الصحافة للمواضيع العلمية

«العلم الزائف» للكاتب بن غولديكر...

غلاف الكتاب
غلاف الكتاب

المنامة - محمد عبدالله عبدالرسول 

تحديث: 12 مايو 2017

يحظى العلم بمكانة مُحترمة في المجتمع، ويثق به غالبية الناس؛ لذلك ظهرت فئات من الدجّالين ينصبون على الناس باسم العلم، فكيف نستطيع التمييز بين العلم الحقيقي والزائف؟ يخبرنا الطبيب والصحافي بن غولديكر في كتابه «العلم الزائف» أن الإجابة على هذا السؤال ليست عن طريق حفظ قائمة طويلة من العلوم الزائفة؛ بل عن طريق تعلُّم أساسيات العلم.

غياب التعليم عن «الطب المُسند بالدليل» وحصولنا على معظم معلوماتنا من أفراد غير مؤهلين لا يفقهون في العلم، أدَّى إلى حال من الخلط والتضليل. في هذا الكتاب يتطرَّق غولديكر إلى مواضيع كثيرة من «الديتوكس» ومواد التجميل وتأثير الدواء الوهمي وخبراء التغذية، وصولاً إلى الشركات المصنّعة للأدوية ودور الصحافة. يحلل الكاتب هذه المواضيع وأكثر، مستخدماً أسلوباً لا يخلو من الفكاهة ليفضح أسرار الدجّالين والمضلّلين باختلاف أنواعهم ويشرح من خلال هذه المواضيع منهجية العلم، فالمعرفة بمنهجية «العلم الحقيقي» تؤهلنا لكشف «العلم الزائف» بأنفسنا.

يعتقد كثير من الناس أن العلم ما هو إلا سلطة معرفية تعطينا الحقائق الجاهزة، لذلك يبدأ الكاتب بشرح المنهجية العلمية عن طريق تجربة علمية بسيطة على ما يعرف بمنتجات «الديتوكس». تدّعي هذه الصناعة أن وضع الرجل في الماء لمدة معينة سيخرج منها السموم عن طريق تأثير منتجهم، وكدليل على ذلك سيتغير لون الماء إلى البني بعد خروج السموم. فهل تغيّر لون الماء هو بسبب خروج السموم من الجسم أم لسبب آخر؟ هنّا يقدمنا الكاتب لما يعرف باسم «دراسة الحالات والشواهد» فلاختبار صحة هذا الادعاء يمكننا عدم وضع أرجلنا في الماء ومراقبته، فإن تحول إلى اللون البني فهذا يعني أن سبب تغيّر اللون لا يعود إلى خروج السموم بل إلى سبب آخر، وفي الحقيقة هذا ما يحدث. يذكر الكاتب كذلك عدداً من المواضيع المرتبطة بالطب البديل والدراسات العلمية التي خضعت لها، وينتقد تغطية الصحافة المضللة للموضوع. إن الأطباء لا يرفضون العلاجات البديلة هكذا دون أخذها بالاعتبار، بل بعد دراستها والوصول إلى عدم جدواها.

ينتقل الكاتب بعد ذلك إلى ما يعرف بـ «أنشطة رياضة العقل» في المدارس البريطانية وهي ممارسات رياضية من المفترض أن تنشّط عمل العقل، ولكنها تتضمَّن أموراً غريبة مثل إبقاء الماء في الفم لمدة معيّنة لكي «يمتصه الدماغ مباشرة». إن هذه الأنشطة وإن كانت مفيدة كنوع بسيط من الرياضة إلا أنها تدمّر منطق الأطفال وفهمهم للعلم وتزرع بذرة لاستغلالهم طيلة العمر، وخاصة أنها تقدَّم لهم بمصطلحات عملية ومن قبل الأستاذ نفسه الذي يشرح لهم العلوم الصحيحة.

إن أكبر خطر لهذا الموضوع؛ بحسب الكاتب، هو أنه يجعل الناس اتكاليّين يشعرون بالعجز عن طريق تحويل العلم إلى موضوع غامض غير قابل للفهم. النقد نفسه يوجّه لكريمات الترطيب التي لا يختلف الرخيص منها عن غالي الثمن في شيء سوى طريقة التسويق. إنها لا تحتوي على مكونات سحرية، والفيتامينات لا تعمل إلا بتركيزات عالية جداً لا تتوافر في هذه المستحضرات.

في الفصلين الرابع والخامس، يتطرّق الكاتب إلى المعالجة المثلية «الهوميوباثي» وتأثير الدواء الوهمي «البلاسيبو». المعالجة المثلية هي إحدى أبرز أنواع العلاجات البديلة وتقوم فكرتها على أن المواد السامة إذا تم تناولها بتركيز منخفض في الماء فإنها تؤدي للشفاء. بعد استعراض الأسباب النظرية التي تجعل هذه الممارسة غير منطقية يشرح الكاتب كيفية عمل دراسات علمية محكمة، ويطرح فكرة تأثير الدواء الوهمي، وكيف يمكن لحبَّة دواء لا تحتوي غير السكَّر أن تؤدِّي إلى بعض النتائج الإيجابية و(السلبية أيضاً) إذا تم تقديمها ضمن معتقدات وبيئة ثقافية معينة. يطرح الكاتب كذلك طرق تحليل البيانات وأهمية المراجعات المنهجية للدراسات؛ كتلك التي تقوم بها مؤسسة كوكرن للحصول على صورة مكتملة من كل الدراسات وتجنّب الانتقاء المنحاز.

أما أكبر صدمة في الكتاب فكانت تلك المتعلقة بخبراء التغذية، هؤلاء ممن يصفون الفيتامينات وحبوب زيت الأسماك ومضادات الأكسدة يستخدمون طرقاً ملتوية ومخادعة لإظهار أنفسهم على أنهم أطباء حقيقيون يعتمدون على الأدلة والدراسات العلمية، ولكن الحقيقة لم تكن لتكون أبعد من ذلك! يستخدم هؤلاء عدة طرق لخداع الناس، بل ويحصلون على ظهور إعلامي قوي. من ضمن خدعهم هي القيام بعرض انتقائي للدراسات العلمية، واختيار تلك التي تؤيَد المنتجات التي يبيعونها فقط، بينما الممارسة العلمية الصحيحة هي الذهاب إلى المراجعات المنهجية للدراسات والتي تقوم بجمع نتائج كل الدراسات بصورة دقيقة، وعند تطبيقها على أشهر هذه المنتجات كحبوب فيتامين «سي» ومضادات الأكسدة ظهر عدم وجود فائدة حقيقية لهذه الفيتامينات، بل إنها قد تزيد من مخاطر الإصابة بسرطان الرئة للمدخنين.

ولم يترك الكاتب شركات الأدوية الطبية بل انتقدها بصورة كبيرة وأظهر أنها تستخدم تكتيكات مشابهة لتلك المستخدمة من قبل خبراء التغذية، وقد توَسع بشكل أكبر هنا وقام بتأليف كتاب خاص عن كيفية خداع هذه الشركات للأطباء تحت عنوان «Bad Pharma». وفي النهاية يركِّز بشكل خاص على انتقاد دور وسائل الإعلام في تضليل العامة، خصوصاً فيما يتعلق بالتطعيم الثلاثي والربط الخاطئ بينه وبين إصابة الطفل بالتوحُّد، وكيف أدّى هذا إلى تفشّي الحصبة في بعض الأماكن بعد أن كانت مرضاً لا يُسمع به.

عندما كنت في كلية الطب، كانت إحدى المواد التي درسناها تتعلق بـ «الطب المسند بالدليل» ولم ندرك أهمية هذه المادة إلا قبل التخرج بقليل. إن هذا الكتاب يشبه هذه المادة إلى حد كبير إلا أنه مقدم بصورة جذابة وخفيفة الظل، ومدعّم بأمثلة وقصص حقيقية تبيّن أهمية كل معلومة والمخاطر الناتجة عن الإخلال بالبحث العلمي على المرضى، كما يتم ذكر الكثير من النقاط الجانبية المثيرة المتعلقة بالموضوع. لا يكتفي الكاتب بتحذيرنا من بعض الدجّالين وخدعهم فحسب، بل يعلّمنا كيف نستطيع اكتشافها بأنفسنا، لأن الدجّالين دائماً ما يطوِّرون ويغيّرون من أساليبهم. هذا الكتاب تطبيق لمقولة الفلكي الفيزيائي نيل تايسون: «عندما تكون مُثقفاً ومُتعلماً علميًا، يبدو العالم من حولك مختلفاً».

بن غولديكر
بن غولديكر




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً