العدد 5159 - الجمعة 21 أكتوبر 2016م الموافق 20 محرم 1438هـ

4 دلالات مهمة في حديثين لجلالة الملك

رضي السماك

كاتب بحريني

‫ شهد قصر الصخير يوم الثلثاء الماضي استقبال جلالة الملك وفدين لصلتهما بمناسبتين مختلفتين، وألقى في حضور كل منهما على حدة كلمة تنطوي على دلالات مهمة بالنظر للظروف الدقيقة غير الخافية على أحد، والتي تمر بها راهناً البلاد والمنطقة العربية بوجه عام، وما يتطلبه ذلك من الحاجة الملحة لتعزيز وصيانة وتماسك جبهتنا الداخلية ووحدتنا الوطنية لمواجهة لاجتياز تلك الظروف.

الوفد الأول كان يمثل الهيئة العامة للمواكب الحسينية بمناسبة انتهاء عاشوراء، والوفد الثاني كان يمثل فعاليات «هذه هي البحرين» حيث ألقى جلالته في هذا الوفد كلمةً ضافية مُعبرة رداً على كلمة ودية جميلة المعاني في قيم التسامح ألقاها سفير ايطاليا بومينيكو بيلاتو، وايطاليا واحدة من أهم الدول الأوروبية الديمقراطية العريقة.

في الكلمة الأولى أعرب فيها جلالته «لما تنعم به البحرين من حرية كبيرة على صعيد ممارسة الشعائر الدينية دون شعور بالتفرقة أو التمييز»، ووجه جلالته الشكر فيها إلى المسئولين في هيئة المواكب، مضيفاً جلالته بأن المجتمع البحريني منذ عقود طويلة تعايش خلالها الأجيال عُرف بحرصه على احترامه تنوعه الديني والمذهبي وحماية نسيجه الاجتماعي ولحمته الوطنية، ومما جاء في حديث جلالته شكره وتقديره للمسئولين في هيئة المواكب الحسينية «على إدارتهم المذهب الذي هو معروف في البحرين منذ مئات السنين».

أما في الكلمة الثانية التي جاءت رداً على كلمة السفير الإيطالي الذي عبٰر فيها عن ادراك بلاده ايطاليا عن مدى اصرار وعزيمة جلالته على إقامة الحوار بين الأديان، وتعزيز التعايش الديني، والتي أعرب فيها السفير أيضاً عن تقدير ايطاليا لتأسيس «كرسي لتدريس الحوار والسلام والتفاهم بين الأديان» باسم جلالة الملك في جامعة روما، وهي واحدة من أهم الجامعات في الدول الأوروبية الديمقراطية، فلعل من أبرز ما جاء في رد جلالته عليها إعرابه عن تشرفه بأن يكون جزءاً مما تقوم به ايطاليا في تقريب الجميع معاً، مؤكداً جلالته أن البحرين كانت منذ مئات السنين أشبه بالإسكندرية في قديم الزمان في تعايش الناس مع بعضهم بعضا، متلاحمين بمختلف فلسفاتهم ودياناتهم ومذاهبهم، ويحترمون بعضهم بعضا مما جعلهم يخلقون مجتمعاً رائعاً ساهم في حماية الإسكندرية من التطرف، وكل تصرف لا تقبله الطبيعة البشرية. كما أعرب جلالته عن أمله بأن يعمل الكرسي الذي يحمل اسمه على تدريس الشباب من مختلف بقاع العالم تلك القيم التسامحية بين أتباع مختلف الأديان والفلسفات والديانات والمذاهب، كما عبّر عنه النموذج الاسكندراني الذي شبّه البحرين به في تفرده بتلك القيم منذ مئات وآلاف السنين، مؤكداً جلالته أيضاً أن البحرين تزخر بالقيم العظيمة والاحترام العظيم للديانات والثقافات والحضارات حيثما كانت.

ويمكننا في ضوء الاستعراض السريع لبعض أهم النقاط المتقدم ذكرها والتي وردت في حديثي جلالته، أن نستخلص 4 دلالات مهمة تتقاسم مسئولية الاسترشاد والالتزام بها كمنهاج للعمل الوطني في هذه المرحلة الصعبة، عدة جهات رسمية وأهلية: الأجهزة التنفيذية وقياداتها، وبخاصة وزارات الداخلية والإعلام والتعليم، والمؤسسات الدينية وبخاصة منابر الجمعة والمآتم، والسلطة التشريعية ممثلة في البرلمان بغرفتيه، والجمعيات السياسية ومؤسسات المجتمع المدني:

الأولى: أنه آن الأوان أكثر من أي وقت مضى لمؤسساتنا الإعلامية العامة والخاصة ولمنابرنا الدينية كافةً، على اختلاف أنواعها وشتى انتماءاتها، أن تتوقف فوراً عن كُل ما قد يُشم منه رائحة من إثارة نعرات طائفية، أو تحريض مذهبي يشكل إساءةً لنسيجنا الوطني ووحدتنا الوطنية اللذين عبّر جلالة الملك بوضوح تام عن اعتزازه وفخره بهما، بما في ذلك نبذ أي تخرصات غير مسئولة تشكك في العمق التاريخي، ببعديه العروبي والإسلامي، للمكونين الرئيسيين اللذين يتكون منهما نسيجنا الوطني الجميل، على اعتبار أن المجتمع البحريني عُرف منذ عقود طويلة، كما عبّر جلالته عن حق، بحرصه على احترام تنوعه الديني والمذهبي ونسيجه الوطني، ولعل أي كلام مسموع أو مكتوب يحمل مثل تلك الروائح الطائفية النتنة كائن من كان يقف خلفها فإن حاسة شم الجميع الأسوياء المفطورين على الطيبة في كلتا الطائفتين يمكنها بكل سهولة أن تشمه، ولا يحمل أي اختلاف في التأويل أو المكابرة أوالتبرير، ومن ثمَ فإن توخي أقصى درجات الحذر في انتقاء الكلمات والعبارات هي من مسئولية جميع الجهات المشار إليها آنفاً.

الثانية: إنه لما كان جانباً من القيم التي أكّد جلالته على أهمية احترام خصوصيتها الدينية، لترسيخ مبادئ التعاون والإخاء بين جميع أبناء مملكة البحرين تحت راية وحدتهم الوطنية وقيمهم الاسلامية كما عبر عنها جلالته في كلمته الأولى تتصل بمناسبة انتهاء موسم عاشوراء، والتي تتفرد المملكة بين دول المنطقة بالتعطيل رسمياً فيها يومين بقطاعيها العام والخاص، احتراماً وإجلالاً لهذه المناسبة الدينية التاريخية العظيمة، فإنه آن الأوان أن يتعاون الجميع مع السلطة التنفيذية ممثلة على وجه الخصوص في وزارة الداخلية لإنهاء أي حوادث عارضة قد يُفهم منها مساً بالشعائر والعادات المتعارفة عليها منذ قرون، وبخاصة تلك التي ظلت مُحترمة ومرعية من الجميع بشكل متواصل، منذ تشكل نواة الدولة الحديثة إدارياً قبل ما يقرب من 100 عام، ومن ذلك الأعلام والرايات الحُسينية، أو يافطات الشعارات الحسينية العادية، وأقمشة السواد الحدادية وما شابهها.

فإذا كان من المفهوم ألا تتهاون الدولة مع من يقدم على تسييس المناسبة بالشعارات السياسية الاحتجاجية، وإذا كان من غير اللائق أيضاً ركز أو تعليق تلك الأعلام في الطرق السريعة (الهاي واي) وبعض الأماكن التي لها خصوصيتها الوطنية العامة والجمالية، فإنه من غير المقبول في المقابل استمرار الحوادث والحالات المتكررة منذ نحو 5 مواسم عاشورائية خلت، والتي لجأ فيها بعض منتسبي الأجهزة الأمنية إلى نزع تلك الشعارات الحُسينية الدينية العادية، والمتعارف عليها على مدى عقود طويلة داخل الأزقة والأحياء الشعبية في المدن والقرى، والتي اعتاد جميع سكنتها والمآتم كافةً على تعليقها فيها، والشواهد على ذلك كثيرة ومتداولة في وسائل التواصل الاجتماعي، وينبغي تداركها في المواسم القادمة، كما ينبغي تحري الدقة في استدعاءات خطباء المنبر الحسيني، ممن اعتادوا ترديد حكايات وحوادث دينية على المنبر الحُسيني هي صلب معتقدات وخصوصيات المذهب الدينية والفقهية التي يؤمنون بها منذ قرون طويلة.

الثالثة: لما كان ما عبّر عنه جلالة الملك من شكر وتقدير لهيئة المواكب الحُسينية لما قاموا به من إدارة كفؤة «على أكمل وجه خدمةً للمذهب المعروف منذ مئات السنين»، على حد تعبير جلالته، هو امتداد لسياسة وطنية ثابتة متوارثة أاتبعها المغفور لهم أجداده الكرام، والمغفور له والده الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة، والتي كان من مظاهرها في عهده احتفال الإعلام الرسمي بالمناسبة، كمناسبة دينية رسمية عامة تخص الدولة وشعب البحرين بأكمله، وإن كانت لها خصوصيتها لأحد المكونين الرئيسيين لنسيجنا الوطني، ومن شواهد هذا الاحتفال في سبعينات القرن الماضي، بث الإذاعة الرسمية بعض القراءات الحسينية في السبعينات لبعض مشايخ المنبر الحُسيني البحريني، تماما كما كانت تفعله الاذاعة العراقية في الستينيات ومطلع السبعينيات دون أن تثير غيظ أحد أو أي جهة دينية في كلا البلدين، فلعله من المناسب ومن أجل تجسيد اللحمة الوطنية، التي أشار إليها جلالة الملك، الحرص على استئناف واستمرار هذه التقاليد في الإعلام الرسمي، ما دامت مثل هذه القراءات تحرص على الالتزام بالضوابط الخاصة بالمناسبة، بدون تسييس أو إثارة بما يخدش تلك اللحمة دينياً، وتركز على المشتركات بين الطائفتين الكريمتين وما أكثرها كما ذكرنا.

الرابعة: لما كانت الدولة هي دولة لكل مواطنيها على اختلاف عقائدهم ومذاهبهم، فإنه آن الأوان وبشكل مُلح بأن تبذل وزارة التربية والتعليم أقصى جهودها لتنفيذ وترجمة ما ورد في كلمتي جلالة الملك من إشارات إلى أهمية «ترسيخ مبادئ التعاون والإخاء بين جميع أبناء مملكة البحرين تحت راية وحدتهم الوطنية وقيمهم الإسلامية»؛ بأن تضع مناهج «التربية الدينية» بما يعبر عن المشتركات بين الفقهين الجعفري والسني، ونكرر ما أكثرها، وذلك بالتنسيق مع إدارتي الأوقاف السنية والجعفرية والمجلس الإسلامي الأعلى، لقطع أي غمز أو لمز بوجود شبهة بانحياز هذه المناهج لمذهب دون الآخر، وهذا ما لا تريده، في اعتقادنا، لا الدولة ولا الوزارة، وما ينطبق على المناهج ينسحب بشكل أو آخر على إشكالية «توزيع البعثات» وأهمية اعتماد تكافؤ الفرص بشفافية تامة، آلياتها معروفة وكُتب عنها الكثير، ولقد كانت هذه الشفافية معتمدة رسمياً منذ عقود طويلة ولم يتجرأ أي أحد أو أي جهة على التشكيك فيها.

وأخيراً، فإنه وفي ضوء هذا الإنجاز الذي تفتخر به مملكة البحرين بتسمية «كرسي لتدريس الحوار والسلام والتفاهم بين الأديان» باسم جلالة الملك في جامعة، كما ذكرنا هي من أهم جامعات العالم، وفي دولة هي من أهم الدول الأوروبية الديمقراطية العريقة، فإن المسئولية الوطنية ملقاة على عاتق جميع الجهات المذكورة الرسمية والشعبية هي جسيمة لتجسيد قيم التسامح الوطني والديني التي عبّر عنها جلالته بعمق في كلمته السامية أمام السفير الإيطالي، وهذا ليس من أجل تعزيز التأكيد أمام هذه الدولة الأوروبية الديمقراطية وجامعتها بجدارة مملكة البحرين وعاهلها فحسب، بل وأمام المجتمع الدولي برمته والذي بات يراقب كل شاردة وواردة بما يدور في جميع أرجاء المعمورة التي غدت قرية صغيرة بعد ثورة تكنولوجيا الاتصالات الرهيبة... وحفظ الله وطننا بقيادة مليكها من كل مكروه، وأدام عليها نعمة الأمن والأمان والاستقرار الدائم.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5159 - الجمعة 21 أكتوبر 2016م الموافق 20 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 4:06 ص

      نناشد جلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه بألا يسمح للمؤزمين والطائفيين الذين يتاجرون بتفكيك وتدمير المجتمع البحريني بالطائفية واستهداف أي طائفة أو ملة أو مذهب، فالبلد في خطر شديد إن كنتم لا تعلمون، وليست القبضة الأمنية أوالاستهداف الطائفي هو الوسيلة لتحقيق الاستقرار فالرياح الشديدة الخطيرة قادمة وكل المؤزمين في النهاية يريدون أن يروا البلد نارًا تشتعل وتحرق الجميع... نناشد جلالة الملك بإطلاق سراح جميع معتقلي الرأي والسياسيين وأن يضرب بيد من حديد على يد المؤزمين والطائفيين أيا كان موقعهم.

اقرأ ايضاً