العدد 2495 - الأحد 05 يوليو 2009م الموافق 12 رجب 1430هـ

الحيز الإيراني في خريطة العلاقات الشرق أوسطية 1/2

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

جدل واسع غير مسبوق أثارته الانتخابات الرئاسية الإيرانية والنتائج التي تمخضت عنها، والتي أبقت على أحمدي محمود نجاد رئيسا لدورة ثانية سوف تستمر أربع سنوات قادمة.

كثيرة هي الاستنتاجات التي يمكن الخروج بها من تلك الانتخابات ونتاجها على حد سواء. فهناك من سينظر لها على أنها، عبرت عن حالة صحية في جسم الصراع السياسي الإيراني، نظرا لما استحدثته الانتخابات من حراك سياسي تمثل في البرامج الانتخابية لكل مرشح على حدة، وما اكتنف الحملات الانتخابية من أنشطة وفعاليات تصاعدت على نحو مثير في الساعات الأخيرة التي سبقت إعلان النتائج، واستمرت تفاعلاتها بعد ذلك لما يزيد على أسبوع من الزمان. هذا لا ينبغي أن يمنع المتابع للساحة السياسية الإيرانية من الاستماع لكل أشكال النقد التي رافقت تلك الانتخابات.

بالنسبة للدول الخليجية، أكثر ما يهمها اليوم هي الانعكاسات المتوقعة من نتائج الانتخابات على السياسة الخارجية الإيرانية، وفي محيطها الشرق أوسطي على وجه التحديد.

ولاستقراء تلك الانعكاسات، لابد لنا من إلقاء المزيد من الثوابت، بغض النظر عن هوية القوى الممسكة بزمام الحكم فيها، والتي تؤثر، ومن ثم تحكم مسار الاستراتيجية الخارجية الإيرانية، ومن ضمنها سياساتها في الشرق الأوسط.

أول تلك الثوابت هي أن إيران، دولة إقليمية عظمى في الشرق الأوسط، ومن ثم فأية إعادة رسم لخريطة هذه المنطقة ينبغي أن تكون لإيران حصة متناسبة والحيز الذي تحتله إيران في هذه الخريطة. ومن هنا، فمن الطبيعي أن تنساق إيران في تعزيز تحالفاتها مع أية قوة، إقليمية كانت أم عالمية، تعترف بهذا الحيز، وتقف ضد، وتناهض مشروع أية قوة مماثلة تحاول تقزيم هذا الدور أو مصادرة أي جزء منه.

هذا يفسر، تجميد طهران لكل ما كان بينها وبين الرياض من خلافات وموافقتها على تنسيق خطواتهما والاتفاق معها على صيغة تناغمية، بدلا من التناحرية، لترتيب أمور البيت اللبناني، عندما انفجرت أزمة الحكم اللبناني في مطلع هذا العام، وما الرسائل المتبادلة بين العاصمتين والتي حملها إلى الرياض كبير المفاوضين الإيرانيين في المحادثات النووية علي لاريجاني إلى العاهل السعودي الملك عبدالله، وما قابلها من رسائل أخرى حملها إلى طهران الأمين العام لمجلس الأمن القومي السعودي الأمير بندر بن سلطان.

ثاني تلك الثوابت أن إيران دولة شيعية في المحيط الإسلامي، بما في ذلك المؤسسات الإقليمية والعالمية الإسلامية، مثل رابطة العالم الإسلامي، ومنظمة المؤتمر الإسلامي، الأمر الذي يبيح لإيران مطالبتها بالتعددية/ التنافسية المذهبية، في نطاق الوحدة الإسلامية الكبرى. هذه الحالة المذهبية، وبحكم الحيز السياسي والاقتصادي الذي تحتله طهران في خريطة العالم الإسلامي، هي التي تحدث بعض أشكال التنافس بينها وبين دول إسلامية أخرى تحاول أن تستفرد، وحدها بقيادة المعسكر الإسلامي.

هذا يفسر ردة الفعل الإيجابية الإيرانية مما ورد في خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما بمناسبة عيد النوروز الإيراني عندما قالها صراحة بأنه يود أن يتحدث «بشكل مباشر مع شعب الجمهورية الإسلامية في إيران وزعمائها... إننا نسعى إلى بداية جديدة».

ففي إشارة أوباما إلى تعبير «شعب الجمهورية الإسلامية في إيران»، اعتراف ضمني بكون إيران تمثل حيزا سياسيا في المحيط الإسلامي. وهذا يفسر الرد الإيجابي المبطن بالحذر، على لسان مستشار رفيع للرئيس الإيراني أحمدي نجاد دعاه فيها إلى «اتخاذ خطوات عملية ملموسة للعمل على إصلاح الأخطاء التي ارتكبتها الولايات المتحدة في الوقت السابق».

ثالث تلك الثوابت هي أن إيران دولة مهمة في سوق الطاقة الدولية، وعضو أساسي، مؤسس مع السعودية، من أعضاء منظمة الأقطار المصدرة للنفط «أوبك». فهي ثاني أكبر دولة بعد السعودية مصدرة للنفط من دول الأوبك، وهي أيضا ثاني دولة من حيث حجم الاحتياطات النفطية، وثاني أكبر دولة من حيث احتياطات الغاز الطبيعي. ويتراوح الإنتاج الإيراني بين 3.5 - 4 ملايين برميل نفط في اليوم. وهذا الأمر يفسر ذلك الصراع الذي اندلع عندما أعلنت إيران عن عزمها على الانسحاب من تلك المنظمة. هذا الأمر أيضا هو الذي يجعل وزير النفط بيجن نامدار زنكنة يكرر أكثر من مرة أن إيران «مع السعودية تشكلان العمود الفقري للمنظمة وأن تعاونهما قد أنقذ أوبك والسوق النفطي من الانهيار مرتين منذ حرب الخليج الثانية». هذا الأمر يعني فيما يعنيه، أن إيران ستقف بالمرصاد ضد أي مشروع يناقش أوضاع سوق الطاقة العالمية دون أن يراعي مصالحها الوطنية المباشرة.

رابع تلك الثوابت أن إيران دولة خليجية، بل ربما، ومن وجهة النظر الإيرانية، أكبر الدول الخليجية، عندما يقاس الأمر بمحصلة مجموعة من العوامل، مثل المساحة، والسكان، والدخل القومي، والموقع الجغرافي، والتعدد الإثني والديني.

هذا يعني أن إيران لن تسمح لأي مشروع خليجي يعيد ترتيب الأوضاع السياسية في هذه المنطقة أن يقفز من فوق رأسها. هذا التدخل الإيراني، بغض النظر عن موافقة البعض أو معارضتهم له، كان حاضرا عند طرح مشاريع الاتحاد الخليجي، إثر الإعلان عن الإنسحاب البريطاني من منطقة الخليج، ولم يكن غائبا عند التصويت على استقلال البحرين. وكانت بصماته واضحة عند تأسيس وتسمية دول مجلس التعاون الخليجي. فإيران بغض النظر عن نمط الحكم القائم فيها، تتصرف على أساس أن تكون لها كلمتها المسموعة في آذان القوى التي لها علاقة بالسياسة الخليجية، محلية كانت تلك القوى، أم إقليمية، بل وحتى الدولية منها.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2495 - الأحد 05 يوليو 2009م الموافق 12 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً