العدد 5167 - السبت 29 أكتوبر 2016م الموافق 28 محرم 1438هـ

التواصل الاجتماعي بين فئات المجتمع مطلبٌ مُلحٌ للوطن والمواطن

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

في بعض الأحايين يسعد الناس بأمر ما في لحظات معينة، وإذا بهم يسمعون أن سعادتهم غير قانونية، فيكون ما سمعوه صادماً لهم، لأنهم لم يكونوا يتوقعونه ولم يخطر ببالهم أبداً، فلهذا تراهم يصابون بداء الصمت المطبق بعد سماعهم أن عملهم الخيّر الذي قاموا به مخالف للقانون، ما مناسبة هذا الكلام؟ من المتعارف عليه أن في موسم عاشوراء الحسين (ع) يزداد التواصل الاجتماعي بين مختلف فئات المجتمع، فتجد في المآتم والحسينيات شخصيات مجتمعية وسياسية ونيابية وشورية، ورجال أعمال وتجاراً وأكاديميين ومهنيين، يأتون إليها لكي يتبادلوا التعازي بمصاب سبط رسول الله الإمام الحسين (ع).

وهذه العادة الحسنة لم تكن وليدة اللحظة، وإنما كانت قديمة ومتأصلة في المجتمع البحريني، وتكاد تكون جزءاً مهماً في الواقع الاجتماعي، وانقطاع أو توقف تلك الشخصيات عن ممارسة هذه العادة الاجتماعية الخّيرة، تثير في أذهان الكثيرين في المجتمع علامات استفهام كبيرة، فتلك الشخصيات تراها كذلك في الفواتح (الخلف) التي تقام في المآتم والحسينيات بصورة مستمرة، لا أحد ينفي أن مثل هذه الزيارات التي الكثير منها لا تستغرق إلا دقائق معدودة، لها انعكاسات إيجابية كبيرة على نفوس البحرينيين، وتساهم بصورة مباشرة في ترسيخ مفهوم التعايش بين مختلف فئات المجتمع، ونعتقد أن هذه العادات الاجتماعية الطيبة يحث عليها دستور البلد ويشجع القيام بها.

فموسم عاشوراء واحة واسعة لكل البحرينيين والوافدين والأجانب، لأن فيه تتجلى روح المحبة والمودة بين كل الناس، وهذه المعاني الراقية لسنا بحاجة إلى إثباتها، لأنها جلية وواضحة لكل الناس كوضوح الشمس في رابعة النهار، فقيام بعض أعضاء جمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد) بزيارات قصيرة إلى القليل من المآتم والحسينيات في بعض المناطق، ليس بالأمر الجديد وليست بدعة في المجتمع البحريني، وعندما نقول القليل، نقصد أن المآتم والحسينيات التي زارها أعضاء الجمعية لا تمثل رقماً كبيراً بين أكثر من 600 مأتم وحسينية، ووزارة العدل والشئون الإسلامية والأوقاف، التي سلمّت الجمعية بحسب ما جاء في حساب «توتير» عضو الجمعية، يوسف الخاجة، خطاباً تعلمها من خلاله أن زيارات بعض أعضاء جمعية «وعد» مخالف لقانون الجمعيات السياسية، وهي تعلم أكثر من غيرها أن طابع تلك الزيارات في مثل هذه المناسبات الكبيرة يكون اجتماعياً وليس سياسياً، لأنه ليس هناك مجال لدى الجميع التحدث في أمور وقضايا بعيدة عن المناسبة الأليمة، فأكثر ما يحدث في زيارات الشخصيات المجتمعية تبادل الأحاديث الاجتماعية القصيرة وعبارات المواساة، فهي تعلم ونقصد وزارة العدل أن أعضاء المآتم والحسينيات منشغلون كثيراً في جل أوقاتهم، بالإعداد والترتيب والتنظيم للموسم العاشورائي، فاستقبالهم لمختلف الشخصيات المجتمعية وخصوصاً القادمين منهم من خارج مناطقهم مميز، لأنهم يعتبرونهم ضيوفاً على صاحب المناسبة، الإمام الحسين (ع)، فهم يعتقدون أنهم باستقبالهم الحسن والرائع للضيوف، إنما يجسدون أخلاقيات وأدبيات صاحب الذكرى المأساوية من دون تكلف.

فأي زائر لهم يجد هذا المعنى الأخلاقي العالي بوضوح، فلهذا تراه يشعر بالارتياح والاطمئنان بينهم، ما يميز الإنسان البحريني عن غيره من البشر، أنه طيب ومسالم ومتسامح إلى أبعد الحدود، وسجاياه راقية يقل نظيرها في العالم، هذه حقيقة لا تقبل النقاش فيها، فلهذا كان خطاب وزارة العدل الذي سلمّ إلى الجمعية، لم يكن متوقعاً لدى إدارات المآتم والحسينيات والمؤسسات الأهلية ومختلف شرائح المجتمع، فالتساؤل الذي يطرح في الكثير من المجالس الاجتماعية في الأيام الأخيرة، هل بالفعل القانون يمنع التزاور بين الشخصيات الاعتبارية والمؤسسات الدينية؟ ما هو الضرر الذي سيصيب الوطن والمواطن من وراء الزيارة؟ أليس في الزيارات منفعة اجتماعية كبرى؟ ألم تمثل تجسيداً حقيقياً لمفهوم التعايش المجتمعي؟ أليس كل شخصية لها أبعاد مختلفة بالإضافة إلى البعد الذي تشتغل فيه؟ فمن الذي قال إن عضو أية جمعية سياسية يشتغل في كل أوقاته بالسياسة؟ فإذا عاد مريضاً في المستشفى على سبيل المثال، يتحدث معه بالبعد الإنساني، وإذا قام بزيارة إلى مأتم أو حسينية يتحدث معهم في البعد الاجتماعي، وفي حال مشاركته في الفعاليات الثقافية يتكلم فيها ببعده الثقافي، وهكذا مع مختلف الأبعاد.

فحتى المجتمع تراه يتعامل معه بالبعد الذي جاء من أجله، نأمل أن يكون التعامل مع مثل هذا الموضوع بعيداً عن كل الاعتبارات التي من شأنها أن تعطي مفاهيم مغايرة عن المفهوم الحقيقي، لكي لا يكون سبباً في إيجاد الحواجز المعتمة التي تؤثر سلباً على العلاقات الاجتماعية والإنسانية، التي يحرص الجميع على ترسيخها بين مختلف مكونات الوطن، فميزة البحرينيين أنهم قد يختلفون في الاتجاهات السياسية والطائفية والمذهبية والعرقية، لكنهم لا يختلفون في الاتجاه الاجتماعي والإنساني، وهناك شواهد كثيرة تبين هذا المعنى السامي بوضوح، وخصوصاً في النكبات الإنسانية نجدهم جميعاً يتألمون ويصبحون كالجسد الواحد في مشاعرهم الإنسانية، الدليل إذا ما تعرضت طفلة أو شاب في أية بقعة في الوطن إلى حادث أليم، نجد كلمات المواساة والعبارات الإنسانية الراقية تنطلق من كل مكان، عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي، بالله عليكم أيها الأحبة، ماذا يدل هذا السلوك الحسن؟ ألا يدل أن الإنسان البحريني راقٍ في مشاعره الإنسانية؟ من غير مبالغة، نقول إن علاقاتنا الإنسانية والاجتماعية يغبطنا عليها كل العالم، نسأل الله أن تدوم هذه الروح الطيبة والنفسيات الراقية راسخة في أوساطنا الاجتماعية، وأن لا تتغير ولا تتبدل بعلاقات غير محمودة عند جميع العقلاء.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 5167 - السبت 29 أكتوبر 2016م الموافق 28 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:01 ص

      لو زاروا المعابد في عاشوراء بصفتهم الشخصية فلا خلاف في الموضوع اما ان تشارك جمعية سياسية في فعالية طائفية فهذا خطأ

اقرأ ايضاً