العدد 5167 - السبت 29 أكتوبر 2016م الموافق 28 محرم 1438هـ

عُسر القراءة لا يعيق العباقرة

"الدسلكسيا" أو عُسر القراءة هي حالة لطفل ذكي جداً لكنه يمضي وقتاً أكبر من غيره في نسخ الكلمات والتهجئة أو قراءة الرموز الرياضية، ينسى الحروف أو يبدل أماكنها، يكرر ذات الأخطاء الإملائية، لكنه عبقري، فنان ،رياضي ،مهندس أو أديب، كما يتميز بعقل إبداعي متقدم لكن مشكلتهم تكمن في الإختلاف عن غيرهم في طريقة التعلم فقط.

التاريخ يخبرنا أن العديد من العباقرة كانوا مصابين بالدسلكسيا رغم أن تحصيلهم العلمي متدنٍ والبعض منهم لم يكمل تعلمه أصلاً، مثل: الأديب مصطفى العقاد، الممثل الأمريكي توم كروز، ولاعبا كرة القدم بيكام ورونالدو، والملاكم محمد علي كلاي، وصاحب شركة مايكرو سوفت بيل جتس ،والرسام والت ديزني، وليوناردو دافنشي، و توماس أديسون ، أينشتاين، وغيرهم.

"الوسط الطبي" تقصت قصص نجاح لأطفال بحرينيين نجحوا في مواجهة الدسلكسيا وتميزوا، وإليكم التفاصيل:

زينب خطيبة تغلبت على الدسلكسيا

بدأت تظهر حالة الدسلكسيا على الطفلة زينب نزار منذ مرحلة الروضة حيث تنبهت معلمتها في الروضة إلى أن الطفلة تتمتع بقدرة على التحدث باللغة الإنجليزية و لو بكلمات غير مفهومة أحياناً لصغر سنها، بينما في اللغة العربية كانت دائماً تتخبط، حيث استمرت مشكلتها مع اللغة العربية حتى المرحلة الإبتدائية.

حرص أم زينب على تحصيل ابنتها الدراسي دفعها لإحضار مدرس خصوصي لتحسين مستوى الطفلة لكن من دون فائدة، فقد لاحظت الأم على ابنتها تكرار الخطأ في ذات الكلمة حتى لو قامت بنسخها 10 مرات بعد التصحيح، كما أنها كانت تنسى كتابة المدود في الكلمات كأن تكتب كلمة (عمل) بدلاً من كلمة (عمال) على سبيل المثال.

المدرسة قررت أن زينب طالبة مهملة ولا تحب الإملاء، وحينئذٍ قررت أم زينب أن تجد حلاً لمشكلة ابنتها عن طريق البحث في الإنترنت، وبالصدفة شاهدت على إحدى القنوات الفضائية برنامجاً يحكي عن «الدسلكسيا» حيث وجدت تشابهاً بينه وبين المشاكل التي تعاني منها ابنتها.

الأم أمسكت بطرف الخيط وبدأت بالبحث عن مؤسسة بحرينية تحتضن مثل هذه الحالات وتمخض بحثها عن الوصول البحرينية للتربية الخاصة، وقامت بأخذ موعد لابنتها.

في يوم الموعد خضعت زينب لاختبار قدرات بلغت مدته 4 ساعات، وكانت النتيجة أنها مصابة حالتها بدسلكسيا حادة، وتقول الأم: «التشخيص جرى وطفلتي في الصف الخامس».

رغم أن درجة الإصابة حادة لكن الأم وابنتها استبشرتا خيراً فهنّ في طريقهن للحل وتحسين مستوى زينب الدراسي. بدأت زينب برنامجاً مكثفاً اتسم بالمعاناة والجهد لتتعلم و فعلاً اجتازت البرنامج بنجاح حتى أصبحت في مستوى أقرانها.

الأم عملت على دعم ابنتها نفسياً فاخبرتها بأنها مصابة الدسلكسيا و هو اضطراب تعلمي يتضح بشكل أساسي كصعوبة في القراءة والهجاء. واخبرتها بأنها إنسانة طبيعية تتمتع بالذكاء والفهم و لكن يجب عليها سلوك طريقة خاصة في التعلم. ودعمت الأم كلامها بتعريف زينب بوجود علماء و مشاهير كانوا يعانون من مثل هذه المشكلة ولكنهم واجهوها ونجحوا.

زينب الفتاة الذكية تفهمت حالتها حتى أنها كانت تخبر معلماتها بدون خجل، والغريب أن بعض المعلمات ليس لديهن معلومات عن الدسلكسيا و كنَّ يسألن والدة زينب على الرغم من وجود تقرير بحالتها لدى إدارة المدرسة، وكانوا يتهمون الأم بتلقين الطفلة مشكلة هي ليست فيها.

ترى أم زينب بأن مدارس البحرين غير مجهزة لاستقبال مثل هذه الحالات، ولكن هناك جهود من عدة جهات لمساعدة طلبة صعوبات التعلم، حيث تم سن قانون من قبل وزارة التربية و التعليم لتمديد وقت الإمتحان وإمكانية قراءة الأسئلة و شرحها للطالب الذي يعاني من صعوبات التعلم. كما تصدر ورقة تعميم خاصة تسلم باليد من أجل وضع الطفل ضمن قاعة خاصة مهيأة للطفل ليستطيع التركيز.

وقالت والدة زينب أن ابنتها ورثت الدسلكسيا من والدها الذي لم يكن يعلم حينها أنه كان مصاباً به، لأن في الأعوام المنصرمة لم يكن هناك ثقافة أو وعي بمشاكل صعوبات التعلم وكان الطفل الذي يخطئ في المدرسة يعتبر كسولاً وغبياً، لكن اليوم أصبح هناك وعي بوجود الإعلام والبرامج التثقيفية والتطبيقات التعليمية الخاصة بحالات صعوبات التعلم.

أم زينب فخورة بابنتها لأنها واجهت مشكلتها بقوة شخصيتها ورغبتها في التفوق و النجاح على الرغم من المشكلة التي تعاني منها، ولأنها كانت سبباً لأن تتعرف على مجال صعوبات التعلم، ولأن دعمها النفسي والتثقيفي و الجهد الذي بذلته مع ابنتها خلال 11 سنة تكلل بالنجاح.

وتشير أم زينب إلى أن الأطفال المصابون بالدسلكسيا هم أطفال أذكياء وعلى والديهم فقط بالإيمان بقدراتهم ومساعدتهم و معرفة الموهبة التي يمتلكونها وتطويرها، فزينب كانت متمكنة من التحدث باللغة الانجليزية و قامت بتطوير مهاراتها واصبحت خطيبة حصدت على المركز الأول في مسابقة الخطابة باللغة الانجليزية (التوست ماستر)، وهي في المرحلة الثانوية.

سيد أحمد قدوة لمن يعاني من صعوبات تعلم

بدأت قصة السيد أحمد سيد باقر منذ صفوف المرحلة الإبتدائية الأولى حينما بدا عليه العزوف عن الذهاب إلى المدرسة حيث كان يتعمد اسقاط نفسه على الأرض ليقول أنه مصاب بألم في الظهر أو ألم في الرجل ليمتنع عن الذهاب للمدرسة.

تواصلت أمه مع المدرسة فأخبروها أنه لا يوجد مشاكل مع الطفل وهو مؤدب، ولكنه يعاني من بطء في الكتابة و دفاتره دائماً ناقصة. وعند سؤالها للطفل قال أن المعلمة كانت دائماً تقول له: «أنت بطيء» لذلك كان يكره الذهاب للمدرسة.

فقامت الأم بالذهاب مع طفلها للمدرسة والبقاء معه لفترة داخل الصف لمراقبته ومساعدته، بعد فترة أرشدتها صديقتها التي تعاني ابنتها كذلك من ذات المشكلة بارتياد المؤسسة البحرينية للتربية الخاصة، لذلك أخذت موعد لطفلها وتوجهت للمؤسسة.

في البدء سألوها ما مشكلة الطفل فأخبرتهم بأن الطفل ذكي ولكنه يكره الذهاب للمدرسة، فقاموا بعمل اختبار أكاديمي له و كانت الصدمة أنه يعاني نوعاً حاداً من الدسلكسيا.

تقول: «أكثر ما صدمني أنني سبق و أن شاهدت فيلم (teera zameen par) قصة الطفل الهندي إيشان الذي يعاني من الدسلكسيا، وسبق أن قرأت عن هذه الحالة لكنني لم أتوقع يوماً أن يعاني ابني من هذه المشكلة ومن النوع الحاد على الرغم من الشكوك التي ساورتني بنسبة 50 % أنه قد يكون يعاني من الدسلكسيا».

و تشكر أم سيد أحمد المؤسسة البحرينية للتربية الخاصة وعلى وجه الخصوص الدكتورة زهرة الزيرة رئيسة المؤسسة والاخصائيين الذين قدموا البرنامج الخاص لابنها. حيث وجدت تحسناً في مستوى طفلها خلال فترة قصيرة، وتم تدريبها على طرق تعليم خاصة للمصابين بالدسلكسيا لدى حيث تبين أن طفلها من النوع التحليلي الذي يتعلم بالأشياء الملموسة وأن كل طفل يعاني من الدسلكسيا له نمط دراسي خاص بحسب طريقة تفكيره و طريقة فهمه للأشياء.

المشكلة التي عانت منها أم سيد أحمد هي عدم تفهم المدرسة لحالة الطفل على الرغم من جلبها تقارير عن حالته، حيث كانوا يرشدونها لأماكن خاصة بالتخلف العقلي، لذلك قامت بنقله لمدرسة أخرى أكثر تفهماً لحالته.

سيد أحمد اليوم و بعد أن فهمت أمه مشكلته و تفهم هو مشكلته أيضاً صار طالباً متفوقاً يحصد أعلى المراكز ويتم تكريمه دائماً، وصار مثال يحتذى به ليشجع الطلبة الآخرين الذين يعانون من صعوبات التعلم، على الرغم من الصعوبات التي يواجهها مع قراءة اللغة العربية، والأهم أنه صار يعرف الطريقة الصحيحة التي يمكنه الفهم والنجاح بها.

تتمنى أم سيد أحمد من المدارس والمؤسسات التعليمية الاهتمام بهؤلاء الأطفال الذين يعانون من مشاكل الدسلكسيا كما الحال في الدول الاوروبية والولايات المتحدة الأمريكية لأن التعليم للطفل حق مهما كانت حالته، ولأن الدسلكسيا هي مشكلة غير متعلقة بحالة اضطرابية أو مرضية أو أي نوع من التخلف العقلي، كما أنها ليست من الطفل نفسه و ليس لها علاقة بالذكاء والفهم إنما هي حالة وراثية ونمط تفكير خاص يحتاج لمعاملة خاصة لإبراز مواهب الطفل الخفية رغم الصعوبات والجهد المبذول من قبل الطفل. وطالبت بوجود جمعية توعي المجتمع لمثل هذه الحالات.

العدد 5167 - السبت 29 أكتوبر 2016م الموافق 28 محرم 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً