العدد 5176 - الإثنين 07 نوفمبر 2016م الموافق 07 صفر 1438هـ

الانتخابات الأميركية... هل لدى العرب أهوَن الشرّين؟

رضي السماك

كاتب بحريني

باعتبارها الدولة العظمى الأقوى عالمياً من جميع النواحي الاقتصادية والعلمية والعسكرية، وما نسجته من اخطبوط عالمي مستنداً إلى هذه المزايا، ولا سيما العسكرية، تتجه أنظار العالم اليوم إلى الولايات المتحدة لمتابعة مصير المعركة الانتخابية التي يخوضها المرشحان الديمقراطي هيلاري كلينتون والجمهوري دونالد ترامب، وسط توقعات متأرجحة بفوز الأولى بفارق ضئيل على منافسها الثاني. ولم يأتِ تحديد هذا اليوم الثلثاء كموعد للانتخابات عبثياً، إنما يعود إلى تقليد ديني قديم استمر التعارف عليه منذ العام 1845 حيث هو اليوم الذي يرتاح فيه الأميركيون من عناء السفر، وبخاصة المزارعون بعد أداء صلواتهم في الكنائس يوم الأحد، ومن ثمَ سفرهم بوسائل مواصلات متخلفة في ذلك القرن يوم الاثنين إلى مراكز الاقتراع، ولكون أيضاً شهر نوفمبر/ تشرين الثاني هو موسم الحصاد والمتميز بطقسه المثالي.

أما على الصعيد الداخلي فلم تعد سوى قلة قليلة من عوام الشعب، هي التي تهتم بهذا الموسم الانتخابي الكرنفالي كل 4 سنوات، المبتذل سياسياً والذي يغلب على سباقه الشخصنة والإسفاف، وتبادل الاتهامات الصبيانية أكثر من تناول البرامج التي تتعلق بمصالح وحقوق شرائح أساسية واسعة من الشعب الأميركي، وبخاصة الطبقة الوسطى، أو تتناول مسئولية الدولة في حروبها الخارجية التي باتت تُهدد السلم العالمي، وتستنزف الخزانه الأميركية من الإنفاق العسكري. وعدا حالات نادرة يبرز فيها متنافسان من ذوي الخبرة والثقافة السياسيتين، فإن الرأسمالية الأميركية هي التي تصمم عادةً بإتقان خلف المسرح وفق آلياتها إخراج المرشحين المتنافسين منذ بدايات تأسيس الولايات المتحدة نفسها، وما ينفقانه من أموال هائلة على حملتيهما الانتخابيتين من شأنه أن يسد رمق على الأقل ملايين الجوعى والبؤساء ويقيهم من البرد والتشرد، هم الذين قذفت بهم قوانين هذه المنظومة الرأسمالية على الأرصفة، وباتت لا تستثني من هذه المأساة حتى قدماء محاربيها، كما أظهر مأساتهم أحد الأفلام الوثائقية الأخيرة، وقد قدّر الخبراء بأن تصل مصاريف حملة كل منهما على حدة، إلى أكثر من مليار دولار تُموّل من تبرعات المؤيدين والمناصرين، ومن ضمنهم كبار الشركات والمؤسسات المالية الأكثر تمويلاً، وإن كان الملياردير ترامب اعتمد في معظم حملته على ماله الخاص، وقد اعترف بلسانه بأن ثروته تفوق 10 مليارات دولار.

وغالباً ما ينحدر المرشحون من طبقة رجال الأعمال الكبار، أو قادة كبار من المؤسسة العسكرية، ولعلنا نجد فيما صرّح به روزفلت في أواخر الحرب العالمية الثانية العام 1945 مايعبّر عن تلك الحقيقة، إذ قال حرفياً خلال لقائه بأحد الزعماء العرب فوق ظهر سفينة: «أنا رجل أتحدث إليكم كرجل أعمال أولاً وبعد ذلك كرئيس أميركي». وهنا سر ومكمن السياسة الأنانية للطبقة الحاكمة العدوانية تجاه شعوبنا العربية، وقضاياها، وفي المقدمة منها الشعب الفلسطيني، وعلى الأخص منذ حرب يونيو/ حزيران 1967 التي هزمت فيها إسرائيل العرب بتواطؤ مفضوح من أميركا قبل الحرب وأثنائها وبعدها ورسم خطة الهجوم.

ولأن العرب اعتادوا أن يبنوا مواقفهم من المرشحين الأميركيين وفق نظرية «أهون الشرين»، والمتمثل غالباً في المرشح الديمقراطي، فقد ثبت بالملموس خطأ هذا التقدير في مطلق الأحوال، فالفارق ضئيل للغاية لا يُكاد يُلمس بين مواقف وسياسات كلا الحزبين الديمقراطي والجمهوري، ليس تجاه القضية الفلسطينية فحسب بل وحتى في دعم قوى التغيير الإصلاحية السلمية في أغلب الأقطار العربية المطالبة بالإصلاحات الدستورية.

وبذلك يمكن القول أن كلا المرشحين سيكون كل منهما وفياً لثوابت لم تحد عنها الإدارات الإميركية المتعاقبة ومن أبرزها: 1- استمرار الدعم الأميركي المتعدد الأشكال واللامحدود لإسرائيل.

2- دعم سياسي خجول (لم يبدأ إلا بُعيد انهيار الاتحاد السوفياتي في مطلع التسعينيات) لقوى المعارضة الديمقراطية السلمية في المنطقة العربية؛ لكنه دعم شكلي سياسي مراوغ ومنافق، حيث تلتزم الصمت إزاء كل الانتهاكات الفظة لحقوق الإنسان التي تتعرض لها تلك القوى من قمع أنظمتها لحراكاتها السلمية، مكتفية بمواقف الإعراب عن «الأسف» أو القلق.

3- الدعم الاقتصادي والسياسي المشروطين لأغلب الدول العربية بما يجعلها عرضةً لمس كرامتها وسيادتها، وقد كان أصدق من عبّر عن ذلك الرئيس المصري الاسبق حسني مبارك غداة إسقاط حُكمه: «المتغطي بالأميركان عريان» وهو ما أدى لاحقاً إلى توجس معظم حلفاء أميركا العرب من أن يأتي الدور عليهم بخذلانها لهم في ساعة الشدة، على نحو ما نتابع فصوله الآن من إثارة الشكوك والهجوم الإعلامي الرسمي على الحليف التاريخي الأميركي لأول مرة منذ انفجار الربيع العربي.

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5176 - الإثنين 07 نوفمبر 2016م الموافق 07 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً