العدد 5186 - الخميس 17 نوفمبر 2016م الموافق 17 صفر 1438هـ

ثم ماذا بعد الاندحار العسكري؟

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

سنكون مخدوعين وقليلي الفهم لو أننا اعتقدنا بأن معركتي الموصل في العراق والرقة في سورية ستحسمان تواجد «داعش» وأخواتها في الأرض العربية. لن ينتج عن الانتصار في المعركتين إضعاف «داعش» وإنهاء مشروع الخلافة الإسلامية في الواقع العربي، بل تقوية وصعود مجموعات أخرى من مثل «القاعدة» الأم وتفريخاتها.

نحن أمام أخطبوط، ما إن تقطع أحد أطرافه حتى يطلع وينمو طرف آخر، قد يكون أشد فتكا. بعد الانتصار، سنرى أمامنا في المستقبل القريب أنواعاً من العصابات والمليشيات والأفراد الانتحاريين الذين سيزرعون الرعب، وقتل الأبرياء ومهاجمة المؤسسات العامة والخاصة في طول وعرض وطن العرب وخارجه.

لن تبقى مؤسسة نفطية في مأمن، ولن تبقى البنوك خارج الصراع، وستصبح المطارات بحاجة لأقصى الحماية ليل نهار. ولن تعدم تلك الجماعات التكفيرية الاستفادة من فيض ما هو موجود من أحاديث موضوعة مدسوسة، واستنتاجات فقهية كانت صالحة لأزمنة غير أزمنتنا، وقد عفا عليها الزمن، وأصبحت خارج العصر الذي نعيش.

وستستعمل تلك الجماعات كل الوسائل والحماقات لإبقاء العرب والمسلمين ودين الإسلام في صدام دائم مع كل العالم. ومن أجل تحقيق ذلك ستحصل قياداتها على كل معونة مادية من أشكال من الاستخبارات، ومن عتاة الجهل وبلادتهم في فهم رسالة السماء في بلاد العرب والمسلمين.

ولن يحتاج هؤلاء إلى وسائل إعلام معروفة ومعترف بها، فوسائل التواصل الاجتماعي وأصوات التشنُج في كثير من الفضائيات «الإسلامية» ورسائل التعصب وادعاء الانتماء إلى «الفرقة الناجية»، المبثوثة في مناهج الكثير من المدارس الحكومية والأهلية، ستكون أكثر من كافية للوصول إلى أسماع وعقول الشباب المهمش، والعاطل من العمل، والغاضب لألف سبب وسبب.

نرسم تلك الصورة القاتمة بكل صراحة ومسئولية؛ لأننا نعتقد أن تربة أرض العرب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والدينية في وضعها الحاضر ستظلُ صالحة لكل ما ذكرنا وأكثر.

لا يمكن لحياة سياسية قائمة على الاستبداد، لا يمكن لها إلا أن تكون تربة صالحة لكل ما ذكرنا من ممارسات الجنون والإرهاب وتدمير المجتمعات.

لا يمكن لحياة اقتصادية تركز الثروة في أيادي واحد في المئة من الناس، وتبقي الآخرين في ضنك وتوتُر وفقر وشعور بالذل والمهانة إلا أن تكون تربة صالحة لكل ذلك.

لا يمكن لنظام اجتماعي أو لثقافة يقومان على تقديس الماضي وممارسة اللاعقلانية، وعلى مقاومة المراجعة والتجديد والانتقال إلى حداثة ذاتية للأمة إلاُ أن تصبح تربة صالحة لكل ذلك.

لا يمكن لنظام قومي إقليمي مليء بالصراعات وتآمر مكوناته على بعضها بعضا، والسماح للخارج أن يرسم معالم المنطقة العربية ومستقبلها، إلا أن يكون تربة صالحة لكل ذلك.

سواء أكان ما نقوله ضربا على الصدور أو استدرارا للدموع أو إضعافاً للأمل، فإن الحقيقة المرة المفجعة تقتضي أن يقال ما يقال، وأن يشترط ما يشترط، وأن تواجه الأمة حقيقة واقعها فتختار: إما هذا وإمَّا ذاك.

لقد عاشت أمتنا 15 قرناً وهي قادرة على أن تتجنب الوقوع في الجحيم الذي تعيشه الآن. وكان من الممكن الحديث عن التدرج والاكتفاء بالحركة التاريخية البطيئة. أما وأن الأمة قد أدخلت في هذا الجحيم التاريخي البالغ السوء، فان المعالجات والأساليب السابقة لم تعد كافية، بل ولم تعد صالحة. نحن هنا نتكلم عن الوسائل والعلاجات، وليس عن الأهداف المشروعة أو عن الأحلام الكبرى الضرورية.

من هنا فان اندحار داعش في الموصل والرقة، إن لم تصاحبه بصورة جذرية وسريعة تغييرات كبرى وولادة قوى قادرة وفاعلة جديدة، وتفعيل ارادات جدية من داخل أنظمة الحكم والمجتمعات المدنية الراغبة والقادرة على خوض مسيرة ذلك التفعيل الصعبة المضنية، إن لم يحدث ذلك فإن ظاهرة الجهادية التكفيرية العنفية ستكون معنا لسنين وعقود طويلة قادمة، وإلى أن يتم إخراج الأمة من مسيرة التاريخ الإنساني.

لقد استخفت هذه الأمة من قبل بالوجود الصهيوني في جزء عزيز من وطنها، وهاهي اليوم تعيش نتائج ذلك الاستخفاف العبثي؛ غطرسة صهيونية وأخطار هائلة على وحدة كل تجمُع عربي وعلى نهوضه.

ولقد استخفت هذه الأمة عبر السنين بالإمكانات التقسيمية الطائفية التدميرية الهائلة من جراء الانقسامات المذهبية العبثية التي تقوم على أسس سياسية ومماحكات تاريخية بليدة. وهاهي اليوم تحصد نتيجة عدم حل ذلك الموضوع على أسس صحيحة وعادلة وعاقلة عبر 15 قرناً من الزَمن.

واليوم، وعلى مشارف اندحار عسكري بحت لداعش وأخواتها، يجدر ألا نسقط في حبائل عادات الاستخفاف التاريخية تلك ونذوق العلقم في المستقبل.

إنه تحد للأنظمة السياسية وللمجتمعات المدنية، وهو تحد مستعجل لا يستطيع الانتظار. وفي هذه المرُة لن تكون الخسائر سياسية ودينية واقتصادية فقط، وإنما ستكون خسارة حضارية وجودية كبرى.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 5186 - الخميس 17 نوفمبر 2016م الموافق 17 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 12:18 ص

      من صنعها ومولها سترتد عليهم

      ببساطة سيدي الدكتور معروف منبتهم ووفقاءهم ومموليهم واتباعهم ومكانهم هم نتاج تحشيد مايقارب من مائة سنة توارثها جيل بعد جيل استخدمت لتحطيم دول والتدخل في شؤونها وسترتد عما قريب لصانعيها وسيتدمر العالم العربي قبل الاسلامي مع شديد الاسف

    • زائر 4 | 11:58 م

      انها القراءة الحقّة والاستشراف المستقبلي من دكتور صاحب فكر ثاقب ضاع في اتون الاحقاد الطائفية.
      انت فعلا دكتور تشخص المرض وتصف الدواء الشافي ولكن المشكلة في المريض لا يستمع لطبيبه فلا يأخذ الدواء ولا يلتزم بقول الطبيب فماذا عساه يلقى سوى الهلاك

    • زائر 3 | 11:48 م

      (طبخ طبختيه يالرفله أكليه) هذا مثل سوف ينطبق على الدول التي ساهمت ودعمت وموّلت داعش واخواتها كالقاعدة والنصرة وغيرها من الجماعات الارهابية.
      والتي من خلالها ارادوا بخلق الله وبلاد الله وعباد الله شرورا لا حدّ لها فحتما سيرتدّ عليهم سوء صنيعهم. تلك سنة الله في خلقه ومن زرع حصد

    • زائر 2 | 11:45 م

      الأمّة الإسلامية ساهمت بنفسها في تدمير نفسها وأوطانها وسيدفع جميع المسلمين الثمن لأن الخير يخصّ والشرّ يعمّ وإنّ من أشعل النيران لن يستطيع اطفاءها فاللعب خطر جدا لم يدرك البعض خطورته بسبب عدم الثقافة والقراءة في التاريخ جيدا.
      نعم نحن الطائفة الشيعية دفعنا ثمنا باهضا ولكن لن يقتصر الثمن علينا بل سيطال الجميع هذه حتمية التلاعب بنيران الفكر الهدّام ودعم الفكر التكفيري الضالّ والتعاون مع قوى الشرّ العالمية لتدمير طائفة من المسلمين.
      الدّرس الأهم الطائفة المعينة بالتدمير بقيت واستقوت وصدّت العدوان

    • زائر 1 | 9:36 م

      ويكيليكس

      الأخطبوط الذي تحدثت عنه ودعوتك بتقطيع أحد أطرافه ، يوجد تقرير مسرب من ويكليكس يبين أن شركة ....... باعت 60 ألف سيارة دفع رباعي لكل من ......و.......و....و.......وهذه السيارت بحوزة داعش الآن!!! السؤال الآن مطلوب تقطيع أطراف داعش فقط أم من معها أيضا؟!

اقرأ ايضاً