العدد 5186 - الخميس 17 نوفمبر 2016م الموافق 17 صفر 1438هـ

السواحل في بلادي... ألم وأمل

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

السواحل محور رئيس في مضمون جوهر أهداف التنمية المستدامة، وتتجسد أهميتها في كونها مصدراً استراتيجيّاً لحياة المجتمعات الساحلية، المعيشية واﻻقتصادية والصحية والروحية أيضاً، وتمثل الاعتبارات الروحية عنصراً رئيسياً، تتجسد في ارتباط وحرص مجتمعات السواحل في صون بقاء هذا المعلم ذي القيمة اﻻنسانية والحضارية، إذ إن وجود السواحل مؤشر مهم تشير ثوابته إلى واقع المسارات التاريخية لتطور المجتمعات، وذلك جعلها تكون محط فخر واعتزاز الأجيال المتعاقبة لمجتمعات السواحل في مختلف البلدان التي تجد فيها مصدر حياتها ومظلتها التاريخية، ذلك ما يؤكد حضورها في ذاكرة الأجيال المتعاقبة في المجتمعات الساحلية في البحرين، التي تتوارث أباً عن جد ذكريات وحكايات أهل البحر، والعلاقة الروحية للمجتمعات المحلية بالسواحل، ويتذكر المجتمع في بلادنا السواحل بحالة من «الألم والأمل».

ساحل باربار نموذجاً لذلك الواقع، وقضية دائمة الحضور في مواقع التواصل الاجتماعي والمجالس الشعبية، ويؤكد ذلك الاهتمام الاصرار على الأمل في تأهيل الشريط الساحلي، وعودة الحركة اﻻجتماعية إلى سابق عهدها على ذلك الشريط الحيوي، الذي يجسد البعد التاريخي والحضاري في معادلة مسيرة حياة المجتمع في قرية باربار، إذ يردد المجتمع المحلي بشأنه سؤالاً مهماً؛ متى تتحقق الوعود التي جرى الإعلان عنها ونشرها في الصحف المحلية في قرب العمل بتأهيل الساحل؟

ذلك السؤال مصدر قلق المجتمع المحلي في قرية باربار، ويجسد في جوهر معانيه «الألم والأمل»، ويرافق ذلك السؤال أحاديث الذاكرة الاجتماعية عن الساحل وطبيعته البيئية، ومكانته اﻻجتماعية، إذ كان في الحقبة التاريخية السابقة حتى مرحلة سبعينات القرن الماضي معلماً بيئياً واجتماعياً رائع الجمال الطبيعي، يتميز بثروته البيئية وبتنوعه الفطري والحيوي، ويمثل لوحة طبيعية تغطي شريطه الساحلي النخيل والأشجار والحشائش، وتتواجد الطيور بكثافة في مياهه الداخلية وعلى ضفافه، وتضم مياهه ثروة سمكية وأحيائية متنوعة، ذلك ما جعله محط أنظار المجتمع، ويشهد تواجدا اجتماعيا منذ بزوغ الشمس حتى مغيبها.

الحركة على الساحل في ذلك العهد والحقبة التاريخية دائمة التفاعل اﻻجتماعي، وعندما تزور هذه البقعة البيئية الرائعة في جمالها الطبيعي، تشهد ما يشبه لوحة فنية متداخلة في مكوناتها، إذ تصادف قوارب الصيادين التقليدية القادمة من مواقع الصيد التاريخية، ومجاميع البحارة بعضهم قادم من البحر ويحمل في يديه ما حصده من الصيد البحري، والبعض الآخر يتهيئ للدخول في البحر، كما تشاهد الصبية وهم يغطسون في المياه الساحلية ويصطادون سمك الميد الذي يزداد في موسم تكاثره، ويطاردون الأنواع المختلفة من الأحياء البحرية التي لم تعد متوافرة بالقرب من الساحل، بفعل تدهور بيئاتها وفقدان موائلها الطبيعية، وتشاهد الأطفال وهم يلهون في الرمال الساحلية النقية التي فقدت قيمتها الجمالية، ونقاءها الطبيعي بفعل الأنشطة التنموية التي تسببت في تدهورها، وتصادف النساء والرجال وكبار السن جالسين في مجموعات كما الطيور البحرية، وهم يرقبون الأطفال على الساحل، وتشهد تلك الحركة مدا وجزرا كما حركة المياه البحرية، إذ يزحف الناس زرافات إلى الساحل في المساء من كل يوم، وفي أيام العطل الرسمية واﻻحتفاﻻت الشعبية، ويمثل الساحل المكان الطبيعي لتنظيم الفعاليات والمناشط الاجتماعية المختلفة، وفي ممارسة طقوس اﻻحتفال بعيد الأضحى، وتشاهد تجمعات الأهالي والأطفال، وهم يلقون بأضاحيهم التقليدية على الشريط الساحلي، كما تشاهد في المرحلة المعاصرة قوارب الصيادين وهواة البحر متوقفة على الساحل تحاكي ذلك الزمن الجميل.

ساحل باربار مكون رئيس في منظومة السواحل في مملكة البحرين، التي تمثل محوراً مهماً في إستراتيجية التنمية الحضرية والحضارية ضمن معادلة السياحة البيئية، كما تشكل مؤشرا فعليا في محور المشروع الوطني لأهداف التنمية المستدامة، وذلك ما يجري التشديد على أهميته ضمن «الأولوية الإستراتيجية: الإدارة المستدامة للموارد الاستراتيجية مع تأمين التنمية الحضرية المستدامة» فيبرنامج الحكومة للعام 2015-2018 في محور البيئة والتنمية الحضرية في البند (2- توفير بيئة آمنة وملائمة للسكان) ضمن الموضوع الخاص «بالتنمية الحضرية» الذي يجري التأكيد في سياقه «العمل على تطوير الواجهات البحرية والسواحل وزيادة مساحتها وإنشاء الحدائق في مختلف المحافظات من خلال تنفيذ مجموعة من المشاريع؛ وتطوير وإنشاء حدائق في المناطق التي لا تتوافر فيها الحدائق وبعض المناطق الإسكانية، مع إنشاء بعض مضامير المشي»، وكذلك التأكيد في الموضوع الخاص «بحماية البيئة» في «منح الأولوية بصورة خاصة للمشاريع المتعلقة بحماية المحميات الساحلية والبحرية، ودعم مشاريع التخضير والتشجير».

الحفاظ على وجود ساحل باربار ضمن منظومة السواحل في مملكة البحرين، واعتباره مكونا رئيسيا في مشاريع التنمية الحضرية، والحفاظ على الهوية التاريخية والحضارية لمجتمعنا البحريني في مقدمة اهتمام القيادة السياسية، وتجسد ذلك في توجيه جلالة ملك البلاد في استملاك الشريط الساحلي، واعادة تأهيله وتوفير ما يتطلب من خدمات ليكون موقعاً للراحة والاستجمام، والحفاظ على بقائه وصون ثروته التاريخية والحضارية للاجيال الحالية والمقبلة، ويمكن الاستفادة من الشريط الساحلي في تحويله الى حديقة متنوعة الوظائف الترفيهية لجميع فئات المجتمع، وذلك يتطلب وضع خطة تنموية للشريط الساحلي ترتكز على معايير الجودة البيئية والسياحية والاجتماعية بالتعاون مع جهات الاختصاص في الشئون البيئية والبلدية بالشراكة مع مؤسسات القطاع الخاص، وذلك بما يجسد الأهداف المحددة في برنامج الحكومة لعام 2015-2018 ويساهم في تمويل مشاريع إعادة تأهيل الشريط الساحلي وتوفير المتطلبات الخدمية والترفيهية والرقابة والمتابعة.

الخطط والخرائط الخاصة بالتطوير الحضري والتنموي لساحل باربار ليست في حاجة الى دراسة وإعداد، وهي متوافرة لدى جهة الاختصاص في وزارة الاشغال والبلديات والتخطيط العمراني، ذلك ما جرى التأكيد عليه في تصريح الوزارة المنشور في صحيفة الوسط بتاريخ الأحد 27 أكتوبر/ تشرين الأول العام 2013 بأن «الوزارة انتهت من إعداد تصاميم المشروع ووثائق المناقصة في فترة سابقة»، وجرى عرضها بشكل تفصيلي في سياق زيارة وزير البلديات السابق الى الساحل قبل الانتخابات النيابية الأخيرة، ويمكن للوزارة المختصة الاستفادة من نادي باربار والمؤسسات الأهلية في القرية في تشكيل فريق عمل تنفيذي للمساعدة في إنجاز خطة عمل تأهيل وتطوير الساحل والمساهمة في وضع خطة للتعاون المشترك مع القطاع الخاص في رعاية المشروع وتوفير المتطلبات المالية والفنية اللازمة لانجاز المشروع.

ويبقى السؤال قائماً متى يتحقق الأمل الذي ينتظره المجتمع في باربار في تأهيل وتطوير ما تبقى من الساحل؟

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5186 - الخميس 17 نوفمبر 2016م الموافق 17 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 12:10 ص

      سواحل؟ وين فيه في البحرين؟ ما أظن ، وهل بقيت سواحل في البحرين لكي تخصّص لها مقال؟

    • زائر 6 زائر 4 | 1:43 م

      سواحلنا الجميلة نعم يوجد عندنا سواحل جميلة جدا في مناطق عده ولكن تحتاج الى تعديل كي تظهر بيمنظر جميل جدا وبالخصوص في قرى شارع البديع

    • زائر 3 | 12:07 ص

      ألم : صح لكن أمل فذلك غير صحيح .
      السواحل أملاك خاصّة ممنوع الاقتراب، 95% من السواحل ممنوع الاقتراب منها لم يتبقى سوى ساحل كرباباد المهدّد هو الآخر وهو مكتضّ جدا جدا لا تستطيع ان تجد فيه موطئ قدم كما انّه ساحل تحوطه الاوساخ والقاذورات
      اين نذهب أيام الاجازة لا نعرف

    • زائر 2 | 12:01 ص

      حملت سنارتي على كتفي ابحث عن متنفس في بلدي اريد أن ألقي بها في البحر علّني القى بعض التسلية او اصطاد سمكة افرّح بها العيال واقول لهم هكذا يتم اصطياد السمك وهذه احد طرق اصطياده لكن ليتني لم أفعل ذلك ولم أري الأبناء ان بلدهم اصبح بلد الممنوع: نعم كنت طوال العصرية ابحث عن مكان غير ممنوع القي بسنارتي فيه فلم اجد كما أنني لم اجد جوابا للأبناء اذا كانت البحرين مجموعة من الجزر فلماذا لا نذهب لاصطياد السمك او حتى المشي على السواحل؟

    • زائر 1 | 11:55 م

      لقد مات الأمل ولا يوجد سوى الألم : نعم هكذا حال السواحل فقد تمّ الجور عليها واصبحت املاكا خاصّة واصبح الارخبيل بلا سواحل واصبحت الجزر اراضي مغلقة مغلّفة لا تجد لك ملجأ تصطاف فيه كمواطن.
      ويح قلبي على بلدي التي لم تعد بلدي فلا يوجد فيها ما يعني انها بلدي : لا عذاري التي روت بساتين المنطقة المحاذية لها ولا غير عذاري ولا تلك البساتين الجميلة والآن قضي على ما تبقى للناس من متنفّس فصودرت السواحل واصبحت البحرين كالسجن الكبير

اقرأ ايضاً