العدد 5188 - السبت 19 نوفمبر 2016م الموافق 19 صفر 1438هـ

تقرير الرقابة المالية... لا قيمة له إن لم يحاسبوا

أحمد صباح السلوم

رئيس جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة

لا قيمة في الحقيقة لتقرير ديوان الرقابة المالية والإدارية السنوي، إلا عندما نرى بأعيننا ثمار هذا التقرير تنعكس إلى واقع فعلي، ويتم معاقبة كل مقصر أو مجرم بحق المال العام الذي هو «مال الشعب»، وطالما أن موسم التقرير السنوي لا يقتصر إلا على أيام معدودات يتم فيها الحديث المكثف عن تفاصيل التقرير - ومن بعدها كل حي يذهب من حيث أتى وتغلق الملفات - لن يكون هناك أي قيمة من هذا الجهد الكبير الذي يبذل في سبيل إعداد هذا التقرير مستقبلاً، وسيكون التقرير ذاته بتكلفته ورواتب الديوان بالكامل بمثابة إهدار إضافي للمال العام!

يجب و«على الفور» أن تتم ترجمة توجيهات القيادة الرشيدة في هذا الصدد إلى واقع ملموس من خلال محاسبة صارمة لكل مقصر أو متربح أو مستغل لمنصبه، ومنها ما ذكره صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء بأن الرقابة على الأموال العامة حق أصيل لشعب البحرين، وضرورة حفظ هذا المال من التبذير والإنفاق غير المبرر، وما ذكره صاحب السمو الملكي ولي العهد نصاً لدى استلامه نسخة من التقرير – وكان التصريح في غاية الصرامة والوضوح - بضرورة «التحقيق الفوري بالحالات التي تحمل شبهة جنائية، وتحويلها إلى النيابة العامة والسلطة القضائية ليتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة حيالها، بالإضافة إلى مباشرة الإجراءات بالحالات التي تتطلب تحقيقاً داخلياً، لاتخاذ الإجراءات القانونية المناسبة، وذلك ضمن الخطوات الهادفة إلى معالجة المخالفات والملاحظات وتصويبها على الفور».

كم الأموال المهدرة والتجاوزات الواردة في التقرير بما في ذلك ‏ حجم التجاوزات في الميزانيات المخصصة للوزارات الحكومية، والتي بلغت 83 مليون ‏دينار في العام الماضي (2015)، مقارنةً بـ 33 مليوناً في العام (2014) يدعونا للعجب بكل صراحة! هل من المنطقي أو المعقول في ظل هذه الظروف، ورفع الدعم المتوالي عن الكثير من السلع الأساسية والخدمات المقدمة للشعب أن يتم مثل هكذا تجاوز؟ هل من المنطقي أن يكون هناك عدم استشعار بالمسئولية في الوقت الذي يعاني فيه الجميع، وقد أعلن صغار التجار وأصحاب المؤسسات الصغيرة معاناتهم على الملأ في أكثر من مناسبة؟

لماذا فشلت هذه الوزارات ولن نقول في خفض ميزانيتها، بل على أقل تقدير في الالتزام بما هو محدد لها من ميزانية وتجاوزته؟ ما هذا الإسراف غير المبرر في ظل مطالبات للناس بالتقشف، وفي ظل إجراءات واضحة وواقعية برفع مئات الرسوم الحكومية على التجار والمستثمرين وعموم المتعاملين أيضاً، سواءً في العقارات أو التجارة أو الصناعة أو الصحة أو غير ذلك؟

أعتقد أنه من باب أولى أن يتم وقف هذا الهدر غير المبرر وبشكل فوري، والوزير الذي لا يستطيع أن يحقق ذلك ويدير الأموال المحددة له بكفاءة عالية، عليه أن يفسح مجالاً لغيره، لكن ليس من المقبول أبداً أن تطالبني بالترشيد وضبط الاستهلاك والتوفير ودفع المزيد من الرسوم في الوقت الذي تفعل فيه هذه الوزارات كل ما تشتهي دون حسيب أو رقيب، بل وتتجاوز الميزانيات المخصصة لها!

وزارة مثل وزارة الصحة من أكثر الوزارات التي يشكو منها الناس، وطوابير انتظار المرضى طويلة، وهي بالمناسبة واحدة من أكثر الجهات التي تعطل حركة الاستثمار في البحرين بتعقيدات ما أنزل الله بها من سلطان، وسبق أن تناولناها في مقالات سابقة، لكن يبقى السؤال لماذا هي أكثر الجهات التي تجاوزت الميزانية المعتمدة لها؟

الوزارة تجاوزت الميزانية المخصصة لها بمقدار 33.5 مليون دينار أكثر من أي جهة حكومية أخرى! من حقنا أن نعرف لماذا وفي أي أوجه الإنفاق كان هذا التجاوز؟ ربما يكون هناك استحقاق فعلي لزيادة الميزانية فنعذرها، ويُراعى ذلك في المرات القادمة، وربما هناك تبذير في الإنفاق، فيجب أن يتم وقفه ويحاسب المتسبب فيه.

الأرقام الواردة في التقرير أظهرت أن ‏وزارة الداخلية تلت الصحة بمبلغ تجاوز 21 مليوناً، أما وزارة التربية والتعليم فوصل مبلغ تجاوز الميزانية المعتمدة 18 مليون دينار. في المقابل ورد بالتقرير أن هناك تدني نسبة صرف بعض الوزارات والجهات الحكومية من ميزانية مشاريعها للعام 2015، مما يعكس عدم قيامها بإعداد خطط مدروسة لمشاريعها ومواعيد تنفيذها، والتدفقات النقدية الخاصة بها بصورة دقيقة، وبناءً على الحاجة الفعلية لها، أو إلى عدم كفاءتها في تtنفيذ مشاريعها في المواعيد المقررة لها.

نموذج آخر يخص الديون غير المحصلة لإدارة الأوقاف الجعفرية مقابل إيجارات الأوقاف، والتي بلغت رقماً كبيراً جداً (نحو 6.5 ملايين دينار)، بزيادة نسبتها 33 % عمّا كانت عليه الديون المستحقة للإدارة في العام 2013 والتي قدّرت بنحو 4.9 ملايين دينار في نهاية العام، وذكر التقرير أن متأخرات الإيجارات التي تجاوز عمرها السنة تشكّل ما نسبته 67 % من إجمالي المبالغ المستحقة، وهي نسبة كبيرة أيضاً تعني أن أكثر من ثلثي إيجارات الأوقاف لا يحصل!

في الواقع إن الحديث عن هذا التقرير ومخالفاته يطول ويطول بما يشمله من تفاصيل عدة، تخص قطاعات أخرى كثيرة، مثل «ممتلكات» و»تمكين» و»هيئة السياحة» والمجالس البلدية والأشغال والثروة البحرية وبعض المعاهد الحكومية.

لكن في النهاية... سنركز على مطلبين رئيسيين، الأول هو محاسبة حقيقية لكل مقصر أو مبذر أو متسبب في إهدار المال العام، ثانياً هو أن وقف هذا الهدر أولى بجميع المقاييس من رفع الدعم عن سلع حيوية مثل البنزين أو الكهرباء التي ستضرّ بقطاعات واسعة من المستهلكين وأصحاب الأعمال وخاصة الصغار منهم، وأولى أيضاً من فرض رسوم جديدة على الناس والتجار والشركات، لأن فرض هذه الرسوم سيكون له تأثيرات سلبية لا شك في ذلك، في حين أن وقف الهدر المالي في وزارات الدولة سيستفيد منه الجميع دون استثناء.

إقرأ أيضا لـ "أحمد صباح السلوم"

العدد 5188 - السبت 19 نوفمبر 2016م الموافق 19 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 3:35 ص

      من زمان يا عزيزي
      لكن عمك أصمخ

    • زائر 8 | 3:22 ص

      محد راح يتحاسب مثل العام الماضي 20 قضية تروح النيابة واحدة فقط فيها إدانة و البقية براءة ما ادري من الباق و الحرامي عشان جذي زاد البوق السنة

    • زائر 7 | 2:28 ص

      لوكان هناك عدالة الاموال التي انسرقت طوال السنوات الماضية كفيلة بقضاء ديون الناس البنكية وزيادة الرواتب بنسبة 100%او اكثر عن طريق عمل مشاريع أستثمارية من قبل الحكومة الموقرة لذلك رغم قيام الحكومة بإعطاء بعض المخصصات المادية مثل علاوة السكن وعلاوة الغلاء لن يحس بقيمتها المواطن لانه نصف راتبه يذهب للقروض والمتبقي الى الديون الى الاهل والاصدقاء والالتزامات الاسرية فأين الحكومة من هذا الأمر الايستحق المواطن الصابر إسقاط قروضه البنكية ولو لمرة واحدة ليتنفس الصعداء وهويرى الاموال تسرق وهو يدفع الثمن

    • زائر 6 | 2:15 ص

      يحاسبون من ويخلون من. صغير صغير الموظفين الي يحوز سيارة الوزارة في كل الاوقات بحكم عمله. تلقاه على اقل التقدير يستعمل السيارة في كل مشاويره الخاصة الي مو مرتبطة بعمله. فما بالك بالهامور الكبير في الادارة ويش بيسوي وويش الامتيازات الي خلقها لنفسه. مافي محاسبة وانتهى الموضوع.

    • زائر 5 | 1:40 ص

      أصبت كبد الحقيقة يا ابن سلوم، ترشيد النفقات الحكومية والتي تقدر بالملايين خيرٌ من جمع فتات الدنانير من المواطنين، نحتاج لوقفة تأمل لطالما طالبنا بها. بحسب اعتقادي لو قلصت الجهات الحكومية نفقاتها لما احتاجت الحكومة رفع الرسوم وسن الضرائب.
      لكم منا كل الشكر والتقدير على هذا المقال الرائع...

    • زائر 3 | 10:45 م

      كلامك صحيح ولكن الذي سيحاسب الرؤوس الصغيرة

    • زائر 10 زائر 3 | 7:26 ص

      هذا إذا كانت لهم رؤوس باقية ولا لأ.؟ المحاسب
      يوم الحساب . الله اكبر وبه نستعين ...!

    • زائر 2 | 9:56 م

      إن لم يحاسبوا المتنفد الكبير

    • زائر 1 | 9:51 م

      يحاسبون من!!؟
      انتوا صاحيين!!

اقرأ ايضاً