العدد 27 - الأربعاء 02 أكتوبر 2002م الموافق 25 رجب 1423هـ

اللغة ليست عقلا

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل جنّت اللغة وفقدت معناها؟ سؤال له صلة بالإعلام العربي عموما والاعلام الغربي خصوصا. فحين يستمع المواطن إلى بعض الإذاعات والتصريحات والتعليقات التي تصدر عن جهات مختلفة يصاب بالاضطراب. هل ما يسمعه يمكن وضعه في سياق المعقول أو اللامعقول؟ فالكلام أقوى من المنطق.

في السابق، أيام الستينات، كان المواطن يلجأ إلى إذاعات الخصوم، وأحيانا «إذاعة العدو» لمعرفة الحقيقة. في حرب يونيو/حزيران 1967 سمع المواطن من «إذاعة العدو» أخبار الهزيمة ولم يصدّق النبأ الا بعد أربعة أيام حين عقد جمال عبدالناصر مؤتمره الصحافي وأعلن تنحيه عن الحكم اعترافا منه بالهزيمة. حينها صدّق المواطنون من الخليج إلى المحيط وخرجوا احتجاجا ليس على الهزيمة بل على الاستقالة. وعاد عبدالناصر إلى الحكم متحملا المسئولية ووجد في «البيعة الشعبية» نقطة قوة له. فالناس آنذاك على رغم المرارة وجدت في عبدالناصر الشخص القادر على إنقاذ ما يمكن انقاذه.

الآن اختلف الوضع اذ تشابه الاعلام إلى درجة التوحد ولم يعد هناك من منفذ صغير لمعرفة حقيقة ما يجري في وقت بات فيه المصير العربي قاب قوسين من الخراب الكبير.

من يستمع الآن إلى الاعلام العراقي مثلا، يجد أن معظم التوجه ينصبّ على فكرة أساسية وهي ان العراق سينزل بالولايات المتحدة هزيمة نكراء أقسى من تلك التي أصابت واشنطن في حرب الخليج الثانية (1990 - 1991). فالإعلام الموجه يصرّ على أن أميركا تلقت هزيمة كبرى في «أم المعارك» وتكبّدت خسائر لا تقدر في معارك «درع الصحراء» و«عاصفة الصحراء» و«ثعلب الصحراء». وأن واشنطن نسيت طعم تلك الهزيمة وهي الآن تستعد لتلقي الضربة الأخيرة في مباراة ملاكمة كان العراق هو الرابح بالنقاط في كل جولاتها وهو يستعد الآن لتوجيه الضربة القاضية في الجولة الأخيرة.

في السابق، أيام الستينات، كان المواطن العربي يلجأ إلى إذاعات الخصوم، وأحيانا «إذاعة العدو» لمعرفة بعض الحقائق الموضوعية أو معلومات بسيطة ترشده إلى تركيب تحليل متوازن يقرأ منه ما يحصل حوله.

الآن اختلف الوضع ويبدو أن إذاعات الخصوم بدأت تتكلم بلغة «بعثية» وأخذ منطق الكلام يتغلب عندها على كلام المنطق.

واذا قارنَّا بين تصريحات وتعليقات وبيانات الإذاعات المختلفة في مضاربها ومشاربها نجد أن اللغة توحّدت في منطق مشترك هو اللاعقلانية أو «اللامعقول». إذاعة لندن تردد ما تقوله إذاعة بغداد عن قوة العراق التي لا تقهر، والجيش الرابع في العالم، والصواريخ النووية والكيماوية والبيولوجية التي تهدد ليس أمن المنطقة بل العالم بأسره، وإذاعة واشنطن تقول القول نفسه معززة تعليقاتها بتصريحات يطلقها مثلث الشر (تشيني، ورامسفيلد، ورايس) عن الخطر الذي يشكله العراق على أمن اسرائيل واستقرار المنطقة وربما (بعد 5 سنوات) على العالم بأسره في حال لم يتم اتخاذ التدابير الوقائية وشنّ حرب استباقية تستوعب هذا «الجيش الرابع» الذي لا مثيل له في قوته وجبروته لا شرقا ولا غربا؟

من نصدق؟ ومن يقول الكلام الدقيق؟ ولماذا يلتقي الإعلام الأميركي البريطاني في صوغ اللغة نفسها والكلام نفسه عن قوة مزعومة للعراق يرددها أيضا إعلام بغداد؟

في السابق كان المواطن يلجأ إلى اذاعات (الخصوم والعدو) لتدقيق معلوماته وأحيانا تصحيحها. الآن وبعد 40 سنة من تطور عالم المواصلات والاتصالات تعولمت اللغة وبات الكلام الصادر عن بغداد تردده لندن وواشنطن والعكس.

ونعود إلى السؤال هل فقدت اللغة معناها؟ الجواب: فقدت عقلها. فاللغة ليست عقلا عند هؤلاء. والمنطق يقول إن الطرفين يريدان الحرب أو إنهما بحاجة إليها. صدام يريدها لكسر الحلقة حوله إما ان تخنقه وإما أن يفتح ثغرة فيها، وبوش الابن بحاجة اليها لأنها تعيد انتاج سيناريو بدأه والده ولم يستمر فيه إلى نهايته. فالمسألة عنده عائلية (عشائرية عند صدام).

ألم يقل بوش الابن إن صدام حاول قتل والده، حين حاول تبرير اسباب إصراره على أخذ مجلس الأمن إلى حرب مفتوحة على كل الاحتمالات؟

اعتقد البعض أن «العولمة» ستكون المدخل التاريخي لتصحيح لغة العالم وضبطه عقلانيا. ويبدو من التطورات الأخيرة أن «العولمة» تقود اللغة من عالم الاتصال إلى عالم الاقتتال. فاللغة فعلا ليست عقلا

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 27 - الأربعاء 02 أكتوبر 2002م الموافق 25 رجب 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً