العدد 5197 - الإثنين 28 نوفمبر 2016م الموافق 28 صفر 1438هـ

في ذكرى رحيل المصطفى (ص) إلى الرفيق الأعلى... الأمّة الإسلامية تبحث عن ذاتها

سلمان سالم comments [at] alwasatnews.com

نائب برلماني سابق عن كتلة الوفاق

لا يمكن لأحد في العالم الإسلامي مهما كان مستواه الثقافي والفكري، أن يعاكس الحقيقة الإلهية، التي تؤكد أن رسول الله محمد بن عبدالله (ص) هو رحمة للعالمين، قال تعالى (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) سورة الأنبياء (آية رقم 107)، كل النعوت والكنى التي كنّي بها خاتم الأنبياء والرسل (ص) تؤكد بوضوح على المقامات المحمودة التي لم ينلها أحد من الأنبياء والرسل قبله (ص)؛ فقد كنّي بأبي القاسم وأبوالطيب وشفيع الأمة وإمام المتقين، وسيد المرسلين وأشرف الأنبياء، والصادق الأمين والسراج المنير، وصاحب الفضيلة والوسيلة والدرجة الرفيعة، وسيد ولد آدم، وصاحب الإسراء والمعراج، وخاتم النبيين، والرؤوف الرحيم، والعروة الوثقى، ونبي الرحمة وحبيب الله، والمختار والمصطفى والمجتبى، ونبي المرحمة والرحمة المهداة، ونبي التوبة والرسول الأعظم، وغيرها من الكنى التي تدل على عظمة رحمة رسولنا الأكرم (ص)، التي ليس لها نظير في الأولين والآخرين.

ليس في إسلام رسول الله (ص) ما يشير ولو بنسبة واحد من الديشليار، أنه جاء لمحاربة الإنسان وقتله والتمثيل والتنكيل به وهدم حضارته، كما يدعي الإرهاب البغيض زورا وبهاتا في عصرنا الحاضر، وإنما هناك تأكيد من القدرة الإلهية أن نبي الإسلام (ص) الذي أرسله رب العباد للعالمين جميعا، جاء من أجل هداية الناس بمختلف قومياتهم وألوانهم وإنتماءاتهم القبيلية والعشائرية، وصون كرامتهم وعزتهم ونيل حقوقهم الإنسانية كاملة غير منقوصة، وجاء أيضا من أجل إنقاذ المرأة من همجية الجاهلية العمياء، التي تنظر إليها بعين الاحتقار، والتي جردتها من كل حقوقها المشروعة وأهانتها بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معان قاسية.

في ذكرى رحيل الرسول الأعظم (ص) إلى الرفيق الأعلى وانتقاله إلى عالم الآخرة، وبعد مرور 1427 عاما هجريا على هذا الحدث الأليم، الذي مازال يوجع قلوب المسلمين والمؤمنين ويدمع عيونهم، لاشك في أن حال أمته في هذه الأيام العصيبة تؤذيه وتؤلم قلبه، كيف لا؟ وهو (ص) قد جهد نفسه، وبذل الغالي والنفيس وتحمل ما تحمل من الأذى والتطاول عليه بأقبح الممارسات وأرذل الكلمات والعبارات، من أجل إعمار أمته بالمحبة والمودة، ونزع كل كراهية وبغض من واقعها العملي، وإسعادها ورفاهيتها وتنميتها، علميا وأخلاقيا واقتصاديا وإنسانيا، وأراد لها أن تكون في مقدمة الأمم، في فكرها وثقافتها ورقي أخلاقها وسمو إنسانيتها، وأن تكون سببا رئيسيا في إشاعة الاطمئنان والأمن والسلام في ربوع العالم أجمع.

لم يكن الرسول (ص) يتمنى لأمته أن تكون بعيدة كل البعد عن سماحته ورحمته ورأفته وعدله وإنصافه وخلقه، فالإرهاب البغيض الذي يمارس باسم الإسلام العظيم، وإشاعة الخوف والرعب في أوساط الكثير من المجتمعات العربية والإسلامية والإنسانية، لكي يجعل الإسلام متهما ظلما وعدوانا في أعين العالم الغربي، فالحبيب المصطفى محمد (ص) الذي قال الله تعالى عن أخلاقه العظيمة (وإنك لعلى خلق عظيم) ـ سورة القلم: آية 4، فليس خافيا على أحد من المسلمين أن أخلاق رسول الله (ص) السامية كانت أهم دعامة في نجاح دعوته الإسلامية، فقد قال الله تعالى لنبيه محمد (ص) (ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك) سورة آل عمران: آية 159 .

فالله تعالى كما بيّن لرسوله الأكرم (ص) مكانة الخلق العظيم والرحمة في الإسلام والدور الكبير لهما في دخول الناس أفواجا للدين الإسلامي، وبيّن أيضا له (ص) الأثر السلبي للخلق السيئ على واقع الدعوة الإسلامية، فالغلظة والفظاظة لا يؤديان إلا إلى ابتعاد الناس عن الإسلام العظيم، فمن الخلق الكريم الذي كان رسول الله (ص) يمارسه مع أصحابه الأجلاء (رض) هو المشاورة في كل أمر يهمهم ويعنيهم، فكثير من القضايا الحساسة شاورهم فيها وأخذ بالرأي السديد منها، كل ذلك من أجل أن يعلّم أبناء أمته بأهمية مشاركتهم في اتخاذ القرارات المصيرية التي تهم دينهم وأمتهم الإسلامية، فقد شاورهم في غزوة الخندق (الأحزاب)، فكان رأي الصحابي الجليل سلمان المحمدي (رض) بحفر الخندق حول المدينة سديدا، ولوجاهته ومنطقيته وواقعيته أخذ به رسول الله (ص)، وكان له الأثر الكبير في تحقيق النصر للمسلمين على قوى الشر.

لم يكن الإسلام في حقيقته عدوانيا كما يصوره الإرهاب البغيض، كان الإسلام المحمدي رحيما وعطوفا في عباداته ومعاملاته وتشريعاته، ومازال هو ملجأ للمظلومين والمحرومين والمنتهكة حقوقهم، الذين ليس لهم حول ولا قوة، فالمحب لرسول الله (ص) والمؤمن برسالته إيمانا كاملا، لا يعمل بتشويه سمعة الإسلام في العالم، فكل من يمارس الأعمال المسيئة للإسلام ويرتكب المجازر والإرهاب ضد الإنسانية باسم الدين، بتعمد كان أو من غير تعمد، كأنه يوجه سهما قتّالا إلى قلب رسول الله (ص)، فيمزقه إربا إربا من دون رحمة، فهؤلاء الإرهابيون والممارسون للأعمال المنافية للمبادئ الإسلامية، الذين يفخخون السيارات والصهاريج والشاحنات وزرع العبوات الناسفة في الطرقات وتفجيرها في أوساط الأبرياء من الكبار والصغار، ليمزقوا أجسادهم ويحولوها إلى أشلاء متناثرة، كالذي فعلوه في مسلمي أفغانستان والعراق حديثا، هل بعد ارتكابهم تلك الجرائم النكراء يرجون رحمة الله ورضا رسوله المصطفى (ص) في اليوم الذي لا ينفع فيها مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم؟

من قال لهم ان الإسلام انتشر بالسيف؟ غير المستشرقين الغربيين الذين جاؤوا إلى بلداننا العربية والإسلامية من أجل تشويه ديننا الحنيف، ويسلبوا عنه صفة السماحة والرحمة؟ لم يستخدم الإسلام السيف إلا في الحالات التي يتعرض فيها للاعتداءات المسلحة، وجميع حروبه دفاعية، والقصد منها إزالة الخطر عن ديار المسلمين، وتأمين سلامة وأمن الأراضي والشعوب الإسلامية، ونشر المحبة والمودة والتعايش الراقي في أوساط المجتمعات الإنسانية، ومنع حدوث الدمار والتدمير لمقدرات وممتلكات الناس منعا باتا، والدوائر المعادية للإسلام التي لم تتحمل سماحة الإسلام الذي يفسد عليها أحلامها الشيطانية، راحت تصور ديننا الإسلامي للشعوب الغربية، في إعلامها المدلس والمفتري أن الإسلام جاء من أجل البطش والتدمير، والقتل والذبح للإنسانية جمعاء، ولكل من يخالفه في الرأي والمعتقد والمشرب الفقهي.

المؤلم أن نرى في أمتنا العربية والإسلامية من يروج لهذه الأكاذيب والافتراءات في أوساط الشباب العربي والمسلم، الشرع الإسلامي واضح وجلي في مثل هذه المسائل، حيث قال: ان من يفتري على الإسلام ويدعي عليه ما ليس فيه، ويغرر بالشباب المسلم، ويوهمهم أن إرهاب الأبرياء وترويع النساء والأطفال والعجزة وقتل أنفسهم وقتل غيرهم وحرق الحرث والنسل وتدمير الحضارات الإنسانية العريقة، تدخله إلى جنة الخلد بلا حساب مع رسول الله (ص) ويكون في المقام المحمود مع الشهداء والصديقين، وقد أباح لهم استخدام كل الوسائل المدمرة المجنونة، مثل المفخخات والعبوات الناسفة والصواريخ والأسلحة الكيماوية الحارقة، لتحقيق حلمهم الكاذب، لم يخبرهم أن كل هذه الممارسات الشنيعة وفاعليها والحاثين عليها والممولين لها بالمال والسلاح والإعلام لن يمروا بسلام في يوم الفزع الأكبر، ولم يقل لهم أن وقوفهم سيطول أمام محكمة العدل الإلهية، ولم يبيّن لهم أن شهود الإثبات الذين وكلهم الله لمراقبة أعمالهم لن يغادروا صغيرة أو كبيرة إلا أحصوها.

فالرسول الأكرم (ص) السراج المنير، الذي جعله الله تعالى هاديا ومبشرا ونذيرا، لإخراج الناس من الظلمات إلى النور، بالعلم والوعي والامتثال للأوامر الإلهية الصادرة من منبعهما الحقيقيين (القرآن الكريم والسنة النبوية)، ولتحقيق الحياة السعيدة في الدنيا والآخرة أمرهم بالرجوع إلى أهل الذكر إن كانوا لا يعلمون، قال تعالى (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) سورة النحل ـ آية 43.

وقد حمّل الرسول (ص) المتجاوز والمنتهك لحقوق الناس كل تبعاتها وتداعياتها النفسية والمعنوية والمادية والجسدية السلبية، وطالبه بأن ينهيها مع من تعرض لانتهاكاته الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية، قبل رحيله من هذه الدنيا، وهذا يتطلب منه أن التفكير مليئا في عواقب الأمور إذا لم يذهب إلى هذه الخطوة، لا يتحقق إلا إذا كانت إرادته قوية وإيمانه بالله الواحد القهار وبرسوله الصادق الأمين (ص) وباليوم الآخر راسخا في قلبه، فحادثة الصحابي سوادة بن قيس (رض) مع رسول الله (ص)، كان الدرس البليغ الذي قدمه نبينا محمد (ص) للأمة قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى، أن الإنسان العاقل الحصيف الواعي، إذا ما أراد أن يتبع كتاب الله وسنة نبيه (ص) بكل صدق وصدقية، لا يخرج من هذه الدنيا وعليه تبعات للناس لا يحمد عقباها، فأعظم الخلق وأشرفهم وخاتم وسيد الأنبياء والمرسلين محمد بن عبدالله (ص) لم ينتقل إلى الحياة الأبدية من دون أن يطلب من أصحابه (رض) براءة الذمة، رغم معرفته الأكيدة أنه لم يفعل (ص) أي شيء صغيرا كان أم كبيرا يستدعي منه أن يطلب من أصحابه ومحبيه (رض) الاقتصاص منه أو طلب العفو، ولكن الدرس لايكون بليغا إلا إذا بدأ بنفسه الشريفة، يا رسول الله وحبيبه وصفيه يا من أرسلك ربك لتتمم مكارم الأخلاق وتحفظ للناس حقوقهم وكرامتهم وعزتهم في كل الأحوال والظروف، يا سيدي أن تعاملك بالعدل والمساواة والإنصاف ونبذك الظلم بكل أنواعه وأشكاله ومسمياته، لو أخذتها أمتك بكل حذافيرها لضمنت للمجتمعات الإسلامية والإنسانية، السعادة والسلم والآمان والرفاهية، ولكن يا سيدي الكثير من أمتك نسوا أو تناسوا مناهجك الأخلاقية والإنسانية، وراحوا يطبقون مناهج لا تعطيهم إلا مزيدا من البؤس والقلق النفسي، نسأل الله أن ينقذ أمتنا العربية الإسلامية من عنف وممارسات الإرهاب البغيض عاجلا.

إقرأ أيضا لـ "سلمان سالم"

العدد 5197 - الإثنين 28 نوفمبر 2016م الموافق 28 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 11:19 ص

      اكبر نكته فى عالم الاسلامى انهم يحبون رسول الله ويكرهون ابناء رسول الله والدليل التفجيرات لقتل زوار الحسين عليه السلام والي قاهرنى انه يوجد لدينا صحفيين ادافعون عن الدواعش ويكفرون الحشد الشعبى الذى اراح الناس من بطش الدواعش ياترى الى متى ستضلون عبيد للمال

    • زائر 4 | 4:14 ص

      الدين الإسلامي منذ الأزل تعرض لشتي أنواع الحروب واشرسها ضرب المعتقد بأيدي الإرهابيين أتباع المسخ الشيطاني لتشويه الإسلام المحمدي الأصيل أفعال لاتنتسب للإنسانية ولاتبت لاي ديانات آو معتقدات يظهرونها على أنها من دين محمد المبعوث رحمة للعالمين. الفكر التكفيري خنق روعة التسامح في الدين يجب اجتثاث الفكر التكفيري ومحاربتة

    • زائر 2 | 11:23 م

      مأجورين ومثابين ان شاء الله

      اللهم انا نشكو اليك فقد نبينا صلواتك علي وآله وغيبة ولينا وقلة عددنا وكثرة عدونا وتظاهر الزمان علينه فاعنا على ذلك بفتح منك تعجله ونصرا تعزه وسلطان حق تظهره اللهم فرج عن جميع المؤمنين بجاه نبيك الكريم

    • زائر 1 | 10:28 م

      عظم لنا ولكم الاجر يا مسلمين بمصابنا الجلل برحيل مولانا وسيدنا وحبيب قلوبنا وشفيعنا يوم الدين نبينا المصطفى أبا القاسم محمد صلي الله عليه وعلى أله وسلم سلام الله عليك يا رسول الله وعلى اهل بيتك الطيبين الطاهرين

اقرأ ايضاً