العدد 5197 - الإثنين 28 نوفمبر 2016م الموافق 28 صفر 1438هـ

العلاقات الدبلوماسية بين الدول ومصالح شعوبها

رضي السماك

كاتب بحريني

بقدر ما تنتاب المرء السوي ذا الأحاسيس الإنسانية الفطرية مشاعر الارتياح؛ لنجاة الزوّار البحرينيين من مجزرة محطة بترول الحلة بالعراق، التي ارتكبها تنظيم «داعش» الارهابي، بقدر ما يتألم بشدة لأرواح الأبرياء الذين ناف عددهم على الـ 120 قتيلاً، فضلاً عن عدد مُقارب من المصابين، أياً تكن جنسياتهم أو انتماءاتهم الدينية والسياسية. وكالعادة أضحت مثل هذه الأعمال الإجرامية الوحشية وأرقام قتلاها، كبرت أم صغرت، والتي لا يكاد، يمر أسبوع إلا ويرتكب «الدواعش» واحدة منها، مجرد كوارث روتينية لا تعني العالم العربي ولا المجتمع الدولي أي شيء، ولا تثير لديهما أي أحاسيس إنسانية مادام ضحاياها عراقيين أو زوّارا للعتبات المُقدسة. وعلى إثر تفجير الحلة ذاته طمأن وزير الخارجية الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة المواطنين بعدم وجود بحرينيين بين المصابين والقتلى، حسبما أبلغه سفيرنا بالعراق.

على أن ثمة حوادث لا تحصى على اختلاف أنواعها، تعرض لها مواطنونا فرادى أو جماعة، وكانت لوزير الخارجية ولسفاراتنا ودبلوماسيينا في الخارج أدوار مُشرفة في متابعتها عن كثب في العراق نفسه وبلدان أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر، الاتصالات التي قامت بها السفارة بالسلطات العليا في العراق لمنح البحرينيين تأشيرات في مطار النجف قبيل «أربعينية» هذا العام، وحادث النصب الذي تعرض له زوّار بحرينيون بأحد الفنادق في كربلاء العام الماضي، وتأمين عودة السياح البحرينيين في تركيا إلى وطنهم بُعيد الانقلاب العسكري الفاشل في يوليو/ تموز من هذا العام، والمتابعة الدؤوبة لفك أسر الطالب البحريني المخطوف في ماليزيا لدى عصابة إجرامية قبل أكثر من سنتين، وغيرها من الحوادث الفردية التي يتعرض لها المواطنون في الخارج ضحايا اعتدءات أو نصب واحتيال، وتقوم سفاراتنا بمتابعتها وحل مشاكلهم بما في ذلك تقديم مساعدات مالية إذا لزِم الأمر؛ لكن ما كان لكل تلك الأدوار والمساعدات أن تقوم بها الدبلوماسية البحرينية على الوجه الأكمل أو حتى بأي صورة من الصور، لولا وجود علاقات دبلوماسية تربطها بالدول التي تقع فيها مثل تلك الحوادث جماعيةً كانت أم شخصية، ككل دول العالم التي تربطها علاقات دبلوماسية ويتعرض مواطنوها لحوادث مشابهة.

ما أردنا أن نصل إليه من كل هذه المقدمة، ان الشعوب هي المستفيد الأول قبل حكوماتها من وجود علاقات دبلوماسية مع أي دولة في العالم بعيدة عنها أم جارة، وبخاصة البلدان التي تربطها بها مصالح حيوية متنوعة ودائمة، تتطلب وجود تلك العلاقات الدبلوماسية والمحافظة عليها بكُل السُبل الممكنة، والشعوب هي المتضرر الأول من غياب هذه العلاقات أو قطعها من ِقبل حكوماتها على مختلف الأصعدة الاقتصادية والثقافية والفنية والدينية وخلافها، وهذه الحقيقة إنما برهنت عليها بقوة تجارب تاريخية كثيرة لا تُحصى منذ نشوء العلاقات الدبلوماسية في تاريخنا الحديث ومرورا بآخر اتفاقية لتنظيمها في ڤينا 1962 وانتهاء بعصرنا الراهن.

وطوال هذا التاريخ لعلها قلة من دول العالم التي توخت الضرر البليغ الذي سيلحق بمصالح شعوبها من جراء إقدامها على قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة ما تربطها بها، ولاسيما في الحالات التي يقترن فيه القطع بتوتر شديد يظل مستمراً إن لم يزدد تفاقماً بعد القطع، بل ويكون في كثير من الحالات مقدمة من تحول الحرب الباردة بين الدولتين إلى حرب نارية فعلية تأكل أخضر ويابس البلدين حاصدة الأرواح والعمران لاتبقي ولا تذر.

إن أخف درجات القطع ضرراً هي تلك التي يتم من خلالها سحب السفير أو بعض الدبلوماسيين لمدة معينة كتعبير احتجاجي، أو التي على الأقل لا يصاحبها تصعيد متواصل من أحد الجانبين أو كليهما؛ توخياً لعدم تضرر شتى اشكال العلاقات التي تربط شعبيهما بمختلف مناحيها التجارية والثقافية والدينية وغيرها، وللأسف حالات نادرة هي التي لم تصحبها توترات شديدة تنعكس سلباً على مختلف أشكال العلاقات بين الدولتين، بما فيها العلاقات الرياضية. ومن المفارقات أنه لطالما ارتبط فيه مصطلح «دبلوماسي» في اللغة الحديثة بالحصافة والكياسة وارتبطت فيه مصطلح «الرياضة» بالتسامي فوق الأحقاد والضغائن والاختلافات الشديدة في المناقشات والمجادلات، سياسية كانت أو دينية أو خلافها.

والحال إن توخي ضبط النفس لأقصى الحدود الممكنة، للمحافظة على ديمومة العلاقات الدبلوماسية بين دولتين من الدول، مهما بلغت شدة الخلافات السياسية بينهما إنما يسهم في المحافظة على السلم والاستقرار ليس بين الدولتين فحسب؛ بل وفي السلم والاستقرار الاقليمي والعالمي. وفي أسوأ الحالات، ليت صانعي القرار يتوخون بقاء ولو «شعرة معاوية» بدلاً من تقطيع كل خيوط الروابط والجسور!

إقرأ أيضا لـ "رضي السماك"

العدد 5197 - الإثنين 28 نوفمبر 2016م الموافق 28 صفر 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً