العدد 5197 - الإثنين 28 نوفمبر 2016م الموافق 28 صفر 1438هـ

مقاطع من «تصحيح خطأ الموت»

«في طريق القطار الطويل، من باريس إلى كوبنهاغن، كانت رحلتي مشوبة بالألم الجسدي، فامتناعي عن استخدام الطائرة بسبب الخوف من الطيران لم يخفِّف من أهوال رحلة الأرض. عند الطريق البحري، الذي يفصل بين ألمانيا والدنمارك، كنت أفكِّر في كل رحلات السوريين التي تتالت في منتصف العام 2015 في شكل يتجاوز مفهوم النكبة الفلسطينية، ويتخطَّاه في الرِّهاب والتنكيل. إنها رحلة تتجاوز القتل إلى الموت، وما يُقصُّ من مُجريات الرحلات ما هو إلا مزحة عابرة».

«البحر بلعني، وبلع ذاكرتي، البحر أكلنا نحن السوريين كحَسَك السمك، والأرض كلها كانت تُشاهد. خاطبني أحد الركَّاب من المقاعد المُجاورة باللكنة العامية السورية: القطار سيدخل السفينة، ثم سنصعد إلى طوابق السفينة العليا، وسنبحر نحو أربعين دقيقة في البحر حتى نصل إلى الدنمارك. شكرته. همس لي: أحاول تخفيف خوفك. أنا فلسطيني سوري لاجئ في الدنمارك».

«لمحت طفلاً رضيعاً قد نام على كتف أمه. قالت لي الأم إنه وُلد تحت القصف، واجتاز بحر اليونان دون أن يُدرك ما يجري حوله، وأنه كان يضحك من مشهد الماء؛ إذ اعتقد أنه في نزهة. نعم يا صغيري، نحن في نزهة، نهدهد خلالها الدول لننام فنسرق حدودها ليمر الغرباء، ونحن الغرباء ونشبه الغجر».

«القطارات الدنماركية السخية مهيَّأة لنقل اللاجئين السوريين إلى مالمو السويدية، البلد الضئيل عدد السكَّان. في الدنمارك لم يكن مُرحَّباً بهم. لكن ناشطين دنماركيين مخلصين للثورة السورية ساعدوا على إتمام الرحلة دونما ضغوط في العبور. لذا توجَّه السوريون إلى بَرٍّ آخر، بقلوب ملوَّثة بالطحالب، وبعيون يقِظَة من أي طعنة ظَهْر. أيها البحر، أنا هيكل بلاستيكي طافٍ، إلى نهاية الألم، في المضيِّ، وفي العودة، صوب مقبرة غرونيل الباريسية».





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً