العدد 5199 - الأربعاء 30 نوفمبر 2016م الموافق 29 صفر 1438هـ

هل تراني؟

القصة الفائزة بالجائزة الأولى عن فئة الكتَّاب البحرينيين

جنان منصور الصفار - قاصة بحرينية 

تحديث: 12 مايو 2017

في تلك الليلة كنت على وشك الموت خوفاً عند كل زفرة رعدٍ تطلقها السماء. كم أكره طقوس ما قبل سقوط المطر ولكن منظره كان يروقُ لي عندما تلامس قطراته الباردة جسمي الدافئ.

ماذا لو كنت أعيش تلك اللحظة بالقرب من أبي الذي رحلَ بعيداً في ظروفٍ غامضة ولم أراهُ قط. تمنيت أن يكون بجانبي ويضمني بشدة إلى أحضانه التي طالما تمنيت أن استرقها منه.

حبست أنفاسي شاهقة بعدما ساد الصمت. صوتٌ أشبه بصوت زوج أمي النشاز. دنوت من النافذة التقط موجاته الصوتية غير مستقرة وصوت خطواته القادمة نحو الممر الذي سيأخذ القادم منه إلى نهاية غرفتي المقابلة لغرفة أمي وزوجها اللئيم. وحدنا من يسكنه لا أحد سوانا, أخذت أطرقُ رأسي متمتمةً لا أحد سوانا, ما بالي تعطلت أفكاري؟ أغلقت الحاسوب المحمول خاصتي عازفةٌ عن تكملة ما بدأت به لكتابة روايتي الجديدة. صرخت من أعماق قلبي تباً لكَ أيها المسنُ المريب قادمة... قادمة، أجبته بأعلى صوتي مستجابةً لما يريد. كالمعتاد حبة بندول ووعاءٍ غزير كي يستفرغ فيه ما تبقى من بحيرة الكحول تلك التي طالما تمنيت أن يحدث تفاعلاً مميتاً مفاجئاً مع كبسولاته الخاصة بالسكري والضغط ناتجاً عن سكته قلبية لا أمل لنبض قلبهِ من جديد.

بدأت تخرج من فمهِ الأسود المحترق كلماته التي دائماً ما تتردد على مسامعي حين لقياه «آنا كم مرة قايل لج ياعديمة العقل إذا خلصتي شغلج ذلفي عن ويهي»؟ في كل مرةٍ أسمعُ فيها تلك الكلمات ألوذُ بالصمت بسبب وجود أمي التي لا تحب أن تشتعل النيران فيحترق قلبي رامياً بي خارج المنزل كما حدث في الليلة الماضية. ولكن في هذه الليلة كان الوضع مختلفاً عن سائر الأيام. وقفت أمامه واضعةً يدي بجانب خصري» ومنو قال لك آنا أشتغل خدامة عندك»! كنت أعلم أن البركان كاد أن ينفجر, رمقني بطرف عينه وقف وقفة محارب استعداداً لمهاجمتي. شدني من شعري ضارباً رأسي في جداره المتهرِّئ الذي كاد أن يتهدم. سقطتُ صريعة ما فعلته بنفسي. قضيت تلك الليلة خارج المنزل, لم تجْدِ نفعاً توسلات أمي ووعودها الدائمةُ له بفعل ما يريد. جلست تحت زخات المطر مختبئةً واضعة رأسي بين ركبتي وكأنما سلحفاة شاءت أن تختبئ في صدفتها الهادئة المظلمة بعيداً عن ضوضاء الحياة. رفعت رأسي بعدما جاءتني فتاة تسألني هل هذا هو منزل مريم عادل عيسى؟ تفاجئت كثيراً من سؤالها. فمنذ زمنٍ طويل لم يأتِ أحد إلى منزلنا بسبب أفعال زوج أمي المستمرة نحوهم. وقفت أمسح دموعي بكلتا يدي الملطختين بالدماء. أجبتها بنعم ولكن من أنتِ وما سبب قدومك؟

سألتني إن كانت هناك فتاة تدعى ملاك. حين سماعي لأسمي, بدأت أتخيل أن الفتاة الواقفة أمامي ستتحول إلى أرنب وألحق به فأصبح مثل أليس في بلاد العجائب ولكن لا مجال للعودة من جديد. وجهت أصبعي نحو المنزل, أمي في الداخل وأنا هي ملاك. رحَلت بعيداً حتى تعود بعد ثوانٍ برجل طويل القامة أبيض البشرة نحيل الجسم أشقر الشعر ذي عينين زرقاوين. ملامحه كملامحي التي تميزني عن باقي فتيات الحي. ولكن عيناه متوقفة الحركة جعلت منها اختلافاً عني فالرجل لا يبصر! كان يمشي نحوي بخطواتٍ متثاقلة تارة تسنده الفتاة وتارة تسنده العصا التي يتوكأ عليها. فور وصوله قربي أخذ يشمني ويضمني بقوة هامساً في أذني كم لبثتُ بعيداً عنكِ ابنتي! حبس أنفاسه المثقلة بالنحيب. توقفت وقفة منكسر لا يقوى على فعل شي. طأطأت رأسي. غارت عيني بالدموع التي راقصتها قطرات المطر حينها. أبي! احتضنته بقوة هل تراني؟





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً