العدد 5203 - الأحد 04 ديسمبر 2016م الموافق 04 ربيع الاول 1438هـ

فيلم «قصيدة إلى والدي»... رائعة تاريخية لا تُمجِّد أحداً

تفتتح به السفارة الكورية «لياليها السينمائية» بمجمَّع السيف...

ملصق الفيلم
ملصق الفيلم

الوسط - منصورة عبدالأمير 

تحديث: 12 مايو 2017

أكثر الأفلام خطورة، صعوبة وإثارة للجدل، هي الأفلام التاريخية، وخصوصاً تلك التي تسرد تاريخاً معاصراً، أبطاله وشهوده أحياء يرزقون، يمكنهم طعن رواية الفيلم والتشكيك في سرده أو الاعتراض على أي من مزاعمه ورواياته.

تكمن الخطورة في كون الأفلام التاريخية تمثل رؤية كاتبها الخاصة حول حدث معيَّن، وفي قدرة السينما عموماً على اضفاء صدقية خاصة على ما تعرضه؛ ما يعني إمكانية تثبيت وجهة النظر هذه والتي قد لا تكون مقبولة من كثير من الأطراف، على أنها حقيقة تاريخية غير مشكّك فيها، بل ربما ناقضت حقيقة يعرفها البعض وثابتة لديهم، لتأتي الأفلام ولتنقض ما هو ثابت. وما يزيد الأمر كارثة أن يعتمد أحدهم هذا النص السينمائي كمرجعية له حال توثيقه لحدث تاريخي معيَّن.

لكن للأفلام التاريخية هذه أيضاً، فائدة أخرى، حين تكون أداة لتعليم الأجيال عن جزء مهم من تاريخ من سبقوها، حين تصبح أداة فخر وطنية ووسيلة لنقل صورة مشرِّفة عن شعب أو أمة ما. ولتحقق الأفلام التاريخية ذلك عليها أن تحقق كثيراً من الشروط، وأهم تلك الشروط هي أن تكون هذه الأفلام مصنوعة بشكل يليق بالتاريخ موضع الاستعراض أو السرد في الفيلم.

الفيلم الكوري الجنوبي «ٌقصيدة إلى والدي» (Ode to My Father) الذي تدشن به السفارة الكورية في البحرين برنامج ليالي السينما الكورية 2016، مساء الأربعاء المقبل (7 ديسمبر/ كانون الأول 2016)، هو أحد تلك الأفلام، التي تنقل صورة مقرَّبة لما مرت به كوريا الجنوبية خلال فترة تزيد على الخمسين عاماً، وهو ما أدَّى إلى أن تتحوَّل اليوم إلى ما نعرفه جميعاً باسم جمهورية كوريا الجنوبية.

الفيلم أثار شيئاً، ليس بقليل، من الجدل؛ إذ شكَّك بعض النقاد الكوريون في توجُّه صانعيه، واتهموهم بأنهم يمينيون، ووجده البعض مُمجِّدا لفترة «غير مشرِّفة» لجزء من تاريخ كوريا الجنوبية المعاصر، وذهب بعضهم بعيداً فوجده فيلماً يسعى لاستدرار دموع مشاهديه بشكل مبتذل.

صانعوا الفيلم ردوا على كل تلك الانتقادات بأنهم لم يقصدوا سوى أن يسردوا تاريخ جمهورية كوريا الجنوبية المعاصر دون رتوش، وأن يشيدوا بجهود أولئك الذين بنوا كوريا الجنوبية اليوم، بتضحياتهم وآلامهم ودموعهم ودمائهم. مخرج الفيلم ذهب هو الآخر بعيداً، كما فعل ناقدوه، وقال إنه تعمَّد ألاَّ يُضمِّن فيلمه أي وجهات نظر أو آراء سياسية وإنه يهدي الفيلم إلى والديه وإلى جيلهما الذي ضحَّى من أجل أجيال اليوم. قال إنه قدَّم فيلماً اجتماعياً عائلياً يمكن أن يشاهده جميع أفراد الأسرة من مختلف الأجيال، وإنه يهدي الفيلم بشكل شخصي إلى والديه، بل إنه استخدم اسم والديه الحقيقيين للشخصيات الرئيسية في الفيلم (ديوك سو وزوجته يونغ جايا)».

ويسرد الفيلم تاريخ كوريا الجنوبية المعاصر، ابتداء من الخمسينات، وصولاً حتى الوقت الحالي، وذلك عبر قصة عائلة صغيرة محورها الابن الأكبر للعائلة الذي يبدو وكأنه يرمز للجيل الذي بنى كوريا الجنوبية كما يعرفها الجميع اليوم.

ويعود بنا الفيلم الى العام 1950 وإلى يوم اخلاء منطقة هانغنام خلال الحرب الكورية، لنجد بطل الفيلم ديوك سو صبياً صغيراً يهرب مع عائلته عبر سفينة تابعة إلى البحرية الأميركية. وربما تعد مشاهد الهروب هذه من أروع ما تضمنه الفيلم من مشاهد؛ إذ فيها الكثير من التفاصيل، وتضع الأسس الأولى لما سيلي من أحداث وقصص في الفيلم.

بعدها يأخذنا الفيلم إلى عقد الستينات، وديوك سو عائل لأسرته في منطقة بوسان، ثم مسافر إلى أوروبا للعمل في أحد المناجم. هنا يعرج الفيلم على فترة مهمة في التاريخ الحديث لكوريا الجنوبية، حين كان شباب وشابات كوريا الجنوبية الخارجة للتو من حرب كان من المفترض ان تدمرها، ليبنوا أنفسهم وبلادهم من جديد، وليتحملوا جراء ذلك معاناة ومشقة لا توصف.

ومن الستينات يأخذنا الفيلم إلى حقبة السبعينات وإلى حرب بورما، وإلى معاناة بعض الكوريين أثناء هذه الحرب، حيث يتغرب ديوك سو مرة أخرى من أجل جمع أموال كافية لشراء متجر عمته المتوفاة وللتجهيز لزواج أخته.

بعدها يطلعنا الفيلم على مرحلة أخرى مهمة في تاريخ كوريا الجنوبية الحديث وهي التي تأتي حين تبدأ الجمهورية أخيراً في التقاط أنفاسها، وربما في مداواة بعض جراح الماضي، عبر مشروع يهدف للم شمل الأسر التي فرقتها الحرب قبل عقود. في هذه المرحلة يسعى ديوك سو للوصول إلى والده وشقيقته اللذين فقدا أثناء هروب العائلة من هانغنام.

أخيراً يعود بنا الفيلم إلى الوقت الحاضر، لنعيش مع ديوك سو تفاصيل حياته ومشاكله اليوم، ولنستمع إليه فيما يتأمل ماضيه، ويتطلع إلى مستقبل أفضل له ولأبنائه ولأحفاده.

الفيلم وإن كان طويلاً (ساعتان ونصف الساعة)، إلا أن براعة صانعيه في تقديم جرعة سينمائية متكاملة عبره، تجعل من مشاهدته متعة؛ إذ إنه يتضمن جميع العناصر التي يمكن أن تجذب المشاهد، من قصة جميلة تلامس القلب، إلى مزيجه المتكامل من الضحك والإثارة وربما القليل من الدموع، وصولاً إلى الأداء الجيد، والصورة الساحرة، وانتهاء بالعبرة والدرس.

فيلم «قصيدة إلى والدي» هو فيلم اجتماعي، تاريخي، كوميدي، رومانسي، بجرعة لا بأس بها من السياسة. استعرض تاريخ بلاده، وقدم احترامه للجيل الذي صنع كوريا الجنوبية كما هي اليوم، وهو حين فعل ذلك لم يلجأ للتمجيد أو التملق لأي نظام أو جهة سياسية بل عرض صورة الشعب الكوري الذي عانى ويلات الحروب وآلامها، لكنه كافح وسعى لأن ينهض من جديد، فأثمر سعيه ذاك عن كوريا اليوم التي أثبتت وجودها ولا تزال تزاحم لتجد مكانها في الصفوف الأولى. وهو بذلك (أي الفيلم) يحقق نقطة قد تكون كثير من الأفلام من دول أخرى قد عجزت عنها، وهي القدرة على الفصل بين استعراض تاريخ بناء الأمم وتمجيد وتملق الحكومات والأنظمة السياسية.

يشار إلى أن برنامج ليالي السينما الكورية 2016، هو برنامج سنوي تنظمه السفارة الكورية في البحرين على مدى شهر كامل، وذلك بواقع عرض أسبوعي.

وينطلق البرنامج هذا العام في سينما مجمَّع السيف (قاعة 13) يوم الأربعاء المقبل بعرض الفيلم موضوع الاستعراض، فيما تتواصل العروض في كل أربعاء من شهر ديسمبر بعرض أفلام: The Pirates (14 ديسمبر)، A Violent Prosecutor (21 ديسمبر)، وأخيراً The Beauty Inside (28 ديسمبر). وتبدأ العروض في السابعة والنصف مساءاً، علماً بأن الدخول مجاني.

صورة جماعية لأبطال الفيلم
صورة جماعية لأبطال الفيلم




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً