العدد 5206 - الأربعاء 07 ديسمبر 2016م الموافق 07 ربيع الاول 1438هـ

«تاريخ الصور» لهوكني وغايفورد... من الكهف إلى «الآيفون»

حوار من خلال جولة موضوعية للصور في العالم...

ديفيد هوكني
ديفيد هوكني

يكتسب كتاب كل من: الرسام الطليعي البريطاني ديفيد هوكني، والناقد الفني مارتن غايفورد، المتخصِّص في إبراز أفضل الأعمال في ماضي الفنانين المعاصرين، والذي حمل عنوان «تاريخ الصور»، أهميته من كونه يتخذ من الحوار منطلقاً إلى جولة موضوعية لقراءة واستعراض الصور في العالم.

العنوان الذي اختاره بروس واتسون، لمراجعته في صحيفة «واشنطن بوست»، بتاريخ 23 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016، جامع وملفت، وإن جاء من وحي الحوارات ومتن الكتاب نفسه. العنوان اتخذ الصيغة الآتية: «(تاريخ الصور)... من الكهف إلى الآيفون»، والذي يتتبَّع فيه كل من هوكني وغايفورد أعمال فنَّانين انطباعيين، عروجاً إلى اكتشاف الكاميرا، وما عُرف بين مؤرخي الصورة بـ «الداجيرية»، نسبة إلى مخترعها لويس داجير.

كان للكاميرا ردَّ فعل مربكاً، ومفرحاً في الوقت نفسه، لأن منها بدأ التأريخ للبشر والمكان، وما يرتبط بهما من تفاصيل، ذلك هو المفرح. المُربك في الأمر أن المصوِّرين وقفوا على حِيَل بعض الرسَّامين الذين قاموا بنسخ الصور ونقلها إلى اللوحة. لم تخْل المسألة من إشكالات قانونية في فرنسا تحديداً. لذا برز التساؤل وقتها، كما هو اليوم: هل كان التصوير فناً؟

يبدأ واتسون مراجعته من صيف العام 1839، وهو العام الذي عُرفت به «الداجيرية» الأولى (1) نسبة إلى مخترعها لويس داجير (2)، حيث قاد ذلك الاكتشاف إلى حالة من الجنون اجتاحت كل أنحاء باريس. العناصر التي تدخل في خلق الصورة: المواد الكيميائية، العدسات والقُمْرة المُعتمة، كل ذلك صار مُتداولاً وتم بيعه في المحلات التجارية. وبامتداد مدينة النور (باريس)، تم رؤية الرجال وهم يحاولون تسوية صناديق ضخمة على حوامل الكاميرات. «الجميع يريد نسْخ المشهد الذي تقترحه نافذته»، وكما يتذكَّر شخص باريسي، كانت «أفقر الصور تُسبِّب له فرحاً لا يمكن وصفه».

تاريخ طويل من الشغف

أسَرَتِ الصورُ والنماذج ثنائية الأبعاد الإنسانيةَ، منذ أن رسم أول فنان ثوراً على ضوء المشاعل؛ ولكن تاريخ الفن النموذجي عُرف بواسطة التخطيط لقفزات أحرزها الرسم وتصوير الجداريات التي حوتها النماذج الجصِّية. الفنان ديفيد هوكني والناقد الفني مارتن غايفورد كانا يسعيان إلى تحقيق هدف كبير في هذا المجال، من خلال كتابهما الضخم والجميل «تاريخ الصور»، والذي يستكشف علاقة شغفنا الطويل بالصور من خلال جميع وسائل الإعلام وعلى امتداد آلاف السنين.

يبدأ تاريخ الصور، كما يقول هوكني: «في الكهوف، وينتهي في هذه اللحظة، مع الآيباد». يتتبَّع هوكني وغايفورد التاريخ في حوار، مماثل لذلك الذي ضمَّه كتابهما الذي صدر في العام 2011، وحمل عنوان «رسالة أكبر» (3). ويبرهن الفنان البريطاني الشهير مرة أخرى في منحى يشبه الاستنباط في الفكر، الأمر نفسه مع اللوحة وقد استوت على القماش. الناقد الفني، غايفورد، يظل بالنسبة إلى الجمهور، بمثابة دليل لطيف، في توجيهه للحوار من خلال جولة موضوعية للصور في العالم، بعضها كلاسيكي، ولكن أكثرها قليل الشهرة.

قراءة كتاب «تاريخ الصور» هو مثل القيام بجولة في مُتحف كبير رفقة دردشة بين فنان وناقد. يبدو الحوار مُوجَّهاً في بعض الأحيان، وخاصة عندما يُعيد هوكني قوْلبة «نظريته البصرية»، تلك المتعلقة بالفنانين ومن بينهم جان فان إيك (4) الذي عمد إلى استخدام العدسات في أعماله، مساهماً بقدر كبير في نشر طريقة التصوير الزيتي في أوروبا. ولكن أغلب الحوار في الكتاب يتضح بشكل تام على صفحة كاملة من الورق المصقول، ويتسم بالإبداع وإثارة الدهشة.

هل يمكن أن نثق بالصور؟

من أين سنجد صوراً تبدأ من جيوتو (5) تُقارن برسوم ديزني؟ وما أنجزه كارافاجيو (6) تُقارن بـ «أضواء هوليوود»؟ وكهف أفلاطون (7) أو ما يعرف بأسطورة الكهف، يمكن أن تُقارن بالتلفزيون؟ في بعض الأحيان، هوكني وغايفورد يبدوان وكأنهما موسوعتان من الصور، تضم شخصيات متناقضة منفصلة لقرون من تاريخ الفن.

من جهة أخرى، بعض من ذلك التاريخ في الكتاب، يتضمَّن فصلاً كاملاً لفن عصر النهضة، والذي سيكون مألوفاً لأي من مُرتادي المتاحف، وينشِّط المؤلفان جولتهما تلك من خلال مناقشة القواسم المشتركة بين الصور ورؤية مبدعيها الفريدة. تركِّز فصول من الكتاب على الظلال وصور المرآة، الصور المتحركة، والصور المعروضة، وأخيراً، مستقبل الصور. ويُضمِّن هوكني بعض أعماله في الكتاب بما في ذلك الصور الحية المذهلة، التي تم التقاطها من خلال الجهاز اللوحي (آيباد) والكولاج (8) الذي أنجزه في بواكير ظهور جهاز الفاكس. الصور، كما يدوِّن ملاحظته هي «زاوية شخصية على أرض الواقع».

على رغم أن هوكني يعرف تاريخ فنِّه، يعمل الخبير بالفن، مارتن غايفورد؛ بوصفه ناقداً، على إضفاء توابل على الحوار، بتلك الخطوات الجريئة التي لا عودة منها، في التعامل مع ما يشبه الموكب الطويل من الصور. في افتتاح فصل عن «التصوير الفوتوغرافي، الحقيقة والرسم» يروي غايفورد معركة قانونية في العام 1862 استمرت بين الرسامين والمصوِّرين الفرنسيين. ويبدو أن الرسامين قد عمدوا إلى نسخ الصور على قماش، ما أدَّى بالمصوِّرين إلى رفع دعوى لخرق حقوق التأليف والنشر. لكن قانون حق المؤلف الفرنسي تم تطبيقه فقط على الفن التشكيلي. هل كان التصوير فناً؟ احتجَّ الرسامون بأن التصوير الفوتوغرافي لم يكن أكثر من «سلسلة تامة من التلاعب الآلي».

يقول هوكني: «الصور هي وسيلة لتمثيل العالم»، ينسجم غايفورد مع تلك الرؤية. ولكن حين يتحوَّل الحديث إلى الصور المُعاصرة، فإن صورة عالمنا تبدو مترنِّحة، وتتكشَّف أمام أعين الخبراء. فجأة، كشفت الصور الأكثر شهرة عن جذور عميقة. أغلفة مجمَّعة للبيتلز ألبوم فرقة «Sgt. Pepper» تتم مقارنتها بمجموعة من صور الانطباعيين من عمل فانتن لاتور (9). ونحن نعلم أنه قبل ظهور الفوتوشوب بفترة طويلة، تلاعب المصوِّرون بالصور في غرفة تحميض الأفلام، أو حتى في الفضاء الذي يتم فيه التقاط الصور. هل يمكن أن نثق بالتصوير بعد الآن؟ يسأل هوكني وغايفورد.

ضوءان

يُذكر أن ديفيد هوكني من مواليد العام 1937. درس في أكاديمية برادفورد للفنون، ليلتحق بعد ذلك بالأكاديمية الملكية البريطانية للفنون في الفترة ما بين 1959 و 1962، لينتظر 30 عاماً ليقع عليه الاختيار عضواً في الأكاديمية العام 1992. أطلق في العام 1963 معرضه الأول في لوس أنجليس التي انتقل إليها. نشر كتابان عن ذكرياته في عدد من البلدان التي زارها ومن بينها مصر: «ديفيد هوكني» (1977) و «هكذا رأيتها» (1993). حاز وسام الاستحقاق، وهو وسام الشرف الأعلى في بريطانيا.

أما مارتن غايفورد، فيُعدُّ أحد أبرز الخبراء والنقاد في تاريخ الفن، اشتغالاً على إبراز افضل ما أنجزه المبدعون في ماضيهم. تتخذ بعض كتاباته استكشاف الانفعالات النفسية لعدد من الفنانين، من بينهم جون كونستابل؛ علاوة على لوسيان فرويد، وفي كتابه «المنزل الأصفر»، قدم تحليلاً للعلاقة المضطربة بين فان جوخ وغوغان في الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول، وديسمبر/كانون الأول 1888.

هوامش لابد منها

1. الداجيرية؛ أو الداجيروتيب، نوع مبكّر جداً من التصوير، اخترعه الكيميائي الفرنسي لويس داجير العام 1839 بعد سنوات من البحث والتجارب. «تُستعمل، في هذا النوع من التصوير، ألواح معدنية مفضضة، وتعرض لبخار اليود ثم توضع هذه الألواح في الكاميرا للحصول على صور من الأشياء. وكانت الصور تظهر معكوسة تماماً (اليمين/ يسار واليسار/ يمين)» (ويكيبيديا).

2. ولد الفنان والكيميائي الفرنسي لويس داجير، العام 1787، في مدينة كورجي شمال فرنسا، وتوفي العام 1851. بدأ حياته رساماً، وفي الثلاثين من عمره اخترع طريقة لعرض اللوحات الفنية مستخدماً أسلوباً معيناً في الإضاءة، وعندما كان مشغولاً بهذا الفن حاول أن يجد طريقة لنقل مناظر الطبيعية بصورة آلية؛ أي تصويرها وليس رسمها. جاءت محاولاته الأولى من أجل اختراع كاميرا فاشلة تماماً، وفي سنة 1827 التقى برجل آخر وهو جوزيف نيبس. وكان يحاول اختراع كاميرا. وقد وفق في ذلك إلى حد ما. بعد ذلك بسنوات قرر الاثنان أن يعملا معاً.

3. «رسالة أكبر»، كتاب هوكني، ويعد أكبر المؤلفات المكرسة لفن الرسم على الإطلاق؛ إذ يزن نحو 35 كيلوغراماً.

4. وُلد الفنان البلجيكي جان فان آيك، العام 1390، وتوفي في 1441م. قام آيك بالجمع بين عدَّة تقنيات، ومن أبرزها التصوير الزيتي، حتى يُعطى للمواد المُصوَّرة قوة على الإيحاء، وواقعية أكثر.

5. وُلد الرسام والمهندس المعماري الإيطالي جيوتو دي بوندوني، في منطقة فيكيو بمقاطعة فلورنسا العام 1266م، وتوفي في 1337م. يُعتبر من كبار الفنانين الذين ساهموا في النهضة الإيطالية.

6. ميكيل أنجلو ميريزي، والملقب بكارافاجيو نسبة إلى مسقط رأسه، رسام إيطالي عاش في العام 1571م، وتوفي العام 1610م. أضفى جواً درامياً على مشاهد لوحاته الواقعية، من خلال لجوئه إلى استغلال تفاوت الضوء والظلال. كان له تأثير كبير على الفنانين الذين جاؤوا بعده، وأطلق اسمه على تيار فني شمل كامل أوروبا.

7. كهف أفلاطون، أو أسطورة الكهف مَثل ضربه أفلاطون في الباب السابع من كتاب «الجمهورية»، و «يرمز إلى أن النفس الانسانية في حالتها الحاضرة، أي خلال اتصالها بالبدن، أشبه شيء بسجين مقيد بالسلاسل، وضع في كهف، وخلفه نار ملتهبة تضيء الأشياء وتطرح ظلالها على جدار أقيم أمامه».

8. الكولاج فن بصري يعتمد على قص ولصق العديد من المواد معاً، وبالتالي تكوين شكل جديد.

9. وُلد الرسام الفرنسي هنري فانتان - لاتور، العام 1836، وتوفي العام 1904. كان أسلوبه يميل إلى المحافظة على تقاليد الرسم والاهتمام بالتركيب المدروس البعيد عن العفوية.

مارتن غايفورد
مارتن غايفورد




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً