العدد 5215 - الجمعة 16 ديسمبر 2016م الموافق 16 ربيع الاول 1438هـ

قصة قصيرة...ليلة الخلاص

زينب سعيد سلمان - قاصة بحرينية 

تحديث: 12 مايو 2017

بمجرد بلوغه الشهر السادس وعدم قناعته بما يدر له من لبن، والذي أوشك أصلاً أن يجف.. أيقنت أننا قد بلغنا أوج حالات اليأس والجوع، لم أفكر حينها إلا في طريقة للتخلص منه، فكيف لي وأنا المعيلة الوحيدة لهم أن أضيف فماً خامساً للأفواه التي أكدّ في سبيل توفير فتات خبز لها بعد أن قضى والدهم دهساً تحت عجلات مركبة سارق يهمّ بالهرب من قبضة الأمن، فسرق هذه المرة كفيلاً من أسرته!
استجمعت شجاعة لم ألفها بي ورحت أناقش رفيقة لي بالمعمل، حكيت لها وبلغة مبتلة بالدموع كيف إنه لا أقدر إلا أن أضحي به كيما تستمر أخواته في العيش. بادئ الأمر لم تقتنع ورفضت مساندتي لبلوغ مبتغاي، إلا أنه وبإصراري وبمجرد بياني لها أن خلاصي منه قد يعني أيضاً حياة أفضل له بمكان آخر، كان كفيلاً لأن تشفع لي وتؤازرني.
"اسمعي خديجة هذا عنوان أحد دور العبادة الذي يغصّ بالمتهجدين حتى مطلع الفجر، لا تخشي على فلذة كبدك إن صار محمولاً بين تلك الأكتاف التي لطالما عانقت السماء طلباً للعفو والمغفرة.
راقت لي الفكرة واطمأن لها قلبي، دسست قصاصة الورقة في جيب سترتي وعدت إلى المغزل خاصتي لأواصل العمل.
في منتصف ليل الخميس الجمعة، وبالتحديد بعد أن أجزمت ب أن بناتي غططن في سبات عميق، لففت قطعة مني بين طيات قماش بالٍ، تسللت خارج المنزل وقصدت المسجد المنشود، كانت الطرقات خالية تماماً يسودها سكون الليل، أبحرت في خلج نفسي أفتش عن ذاتي القديم... أما إحساسي فبدا كإحساس لئيم.
انسلخت من حزمة مشاعري، ووضعت مولودي والذكر الوحيد، ذاك المنتظر من بعد أربع إناث على أعلى عتبات المسجد متهيئة بأنني أحميه، وهممت بالهرب دون أن يلمح طيفي أحد.
بعد برهة فُتِحَ باب المسجد وشعرت بوجود جسد طويل يهرول ناحيتي ويحمل بيده عصا استلها ربما ليغرسها في خاصرتي، حاولت الخلاص منه ولكن ما من مفر... اجتمع كل من كان هناك وحملوني إلى قاعة كبيرة لا يشوب جدرانها وسقفها الأبيض لون آخر، بشر بأعمار وأجناس مختلفة معي، لم يمض كثيراً من الوقت حتى دخلت علينا فتاة عشرينية تتسربل بثوب أبيض طويل متسلحة بشيء كنت أجهله حينها، اقتربت مني متفحصة. صرخت بهم وكأني أريد أن يبعدوها عني.
بعد فترة ليست بوجيزة، وبعين كادت أن تخرج حدقتها هلعاً نظرت إلى اسمي مدوناً في ذيل أحد الملفات، لأجد نفسي فيما بعد بين بشر آخرين وبمحلة أخرى.
-  من فضلكم يا سادة... أرجو أن تنسوا كل ما قصته لكم أمي وتركزوا فقط على ما قصصته عليكم فيما بعد، لأنني ببساطة الراوي العليم الوحيد في هذه القصة، نعم أمي حاولت الخلاص مني للأبد ولكن محاولتها باءت بالفشل الذريع وها أنا عدت لها بعد عشرين عاماً، ولديّ على مصداقية كلامي دليل يكمن في تلك القلادة التي كانت تتدلى من عنقها، فسحبتها بكلتا كفيّ دون أن تشعر لشدة ارتباكها أثناء ليلة الخلاص الدامسة، حسناً. أرجوكم حدقوا، هذه هي الصورة التي نقشت حفراً في بطن القلادة، إنها صورة لأبي... وكأنها بفعلتها تخلصت منا نحن الاثنين.
-  ستغدو قاصاً جيدا يا فتى.
- نعم ها أنا رويت لكم ما حدث فعلاً، وإلا كيف لامرأة بسيطة مثل أمي أن تروي قصة كهذه تتداخل فيها الأزمنة والأمكنة، ويصعب على متلقٍ واعٍ مثلكم أن يعرف أيّنا كان بطل القصة؟

"صفق له بحرارة كل من كان في الملتقى الأدبي".





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 10:45 ص

      عذرا و لكن لم أفهم مقاطع : " نظرت الى اسمي مدونا في ذيل أحد الملفات" و " دخلت علينا فتاة عشرينية " رغم أنني قرأت القصة عدة مرات... أرجو التوضيح.

اقرأ ايضاً