العدد 5218 - الإثنين 19 ديسمبر 2016م الموافق 19 ربيع الاول 1438هـ

التشاؤم والتفاؤل في معالجات قضايا السواحل

شبر إبراهيم الوداعي

باحث بحريني

التناقض في رؤى ومواقف الأفراد في شأن معالجة قضايا السواحل، وعدم قناعة بعض القراء في ضرورة البحث عن مخارج الحلول في بناء خطة عمل وطنية تحدد المؤشرات الإستراتيجية، وأسس بناء خريطة الطريق في إعادة تأهيل بيئات المناطق الساحلية، وصون ما تبقى من السواحل كمعلم بيئي ومقوم إستراتيجي في منظومة الحقوق التاريخية والروحية والبيئية للأجيال الحالية والمقبلة، تتجسد في المفاهيم غير الواعية لأهمية وضرورة إبراز هذه القضايا فيما جرى معالجته في سلسلة مقالاتنا بشأن واقع السواحل كمشروع وطني، وذلك الموقف يتعارض بشكل جوهري مع موقف نشطاء العمل المدني البيئي، الذين يؤكدون إصرارهم في مواصلة وتفعيل الجهود في إبراز الأهمية الإستراتيجية للسواحل، والتشديد على ضرورة الاهتمام بالبيئات الساحلية، والتأكيد على أهمية جعلها في مقدمة أهداف خطط العمل البيئي، وتعزيز وجودها كمقوم رئيس في سلم أولويات خريطة الطريق الوطنية في إستراتيجية أهداف التنمية المستدامة.

التعليقات التي سجلها عدد من القراء، تسجل محدداتها تباينا جوهريا في فهم طبيعة المعالجة، وتحدد فواصل مستوى الوعي الاجتماعي في فهم ضرورة ابراز قضايا السواحل كمشروع وطني، ومطلب إستراتيجي للحفاظ على قيمة وجودها، واستدامتها كحق للأجيال الحالية والمقبلة، ويمكن إبراز جوهر ذلك التباين في الاتجاه المتشائم الذي يرى عناصره ليس هناك سواحل يمكن إضاعة الوقت في مناقشة واقعها وطرح القضايا بشأنها، ويقابل ذلك الموقف الاتجاه الواقعي في فهم أهمية معالجة قضايا السواحل، إذ يشير إلى حقيقة وجود السواحل قبل أن تتعرض إلى التدهور والاضمحلال، ويدعوا إلى معالجة المشكلة والبحث عن مخارج واقعية يمكن أن تساهم في بناء حلول عملية لمشكلة السواحل، ويتفق مع ذلك الموقف الاتجاه الإيجابي الذي يقر بحقيقة واقع وجود السواحل، ويرى أنها تشكل متنفساً للمجتمع ينبغي الاهتمام بتأهيل بيئاتها، وصون بقائها واستدامتها.

المقاربة الواعية لواقع مشكلة السواحل تدحض المواقف المتشائمة، وتؤكد حقيقة وجودها وحضورها المتميز في ثقافة السياحة البيئية للمجتمع المحلي، وذلك الواقع يشير إلى ضرورة تبني وقفة مُؤسَسَة لصون ما تبقى من السواحل، ويمكن للمجتمع المحلي أن يتبنى مبادرات فاعلة، يمكن أن تساهم في تحسين واقع السواحل، الناشط الشاب في مبادرة البحرين وطن يجمعنا بدر النعيمي يشير إلى أن «هناك تجارب ناجحة لحراكات مجتمعية في البحرين، استطاعت أن تستعيد الحق في الساحل، من خلال الصبر والعزيمة والتخطيط والشراكة الفعلية بين المجتمع المحلي والمؤسسات الأهلية، وقضية ساحل دمستان خير مثال على ذلك، إذ كان الساحل قبل بضع سنوات مغلقا أمام العامة، إلى أن نظم الأهالي بالتعاون مع المؤسسات الاهلية أنشطة متنوعة استمرت أكثر من 15 عاما، رفعوا خلالها مطالبهم في امتلاك الساحل، وتمكنوا من تحقيق مطلبهم، وصار الساحل موقعا للأنشطة الاجتماعية يستمتع الأهالي بمن فيهم العوائل والصيادون والبحارة بأجوائه الطبيعية في الراحة والاستجمام، وتعزيزا لذلك الانجاز جرى الحرص في توفير متطلبات الراحة مثل ألعاب الأطفال، وإنشاء كبائن وميناء متواضع لقوارب الصيد، وعلى رغم أن الساحل مجرد قطعة أرض صغيرة محاصر من كل الاتجاهات وسط جدران وأراض خاصة، وطريق الوصول إلى الساحل يتطلب السير ما بين أراض خاصة ومزارع، فإن أهالي دمستان متمسكين بساحلهم المتواضع، وأن لا يرتقي بمستوى الطموح ويتولى الأهالي مهمة تنظيف وصيانة الساحل ومرفقاته، وأعتقد ينبغي الاقتداء بتجربة دمستان لأنها فعلاً تشكل بصيرة أمل في الساحة».

ليس هناك شك في أن المواقف والمبادرات الاجتماعية المنظمة والواعية والمؤسسة في أهدافها ومناهج خطط عملها التنفيذي في الشأن التنموي والبيئي، تحظى باهتمام ومؤازرة متخذي القرار والجهات المختصة، وبالتأسيس على ذلك من الطبيعي أن تفضي الجهود المجتمعية الواعية والمُؤسَسَة في أهدافها وآليات عملها إلى نتائج إيجابية، لذلك نشاطر الرؤية التي تؤكد ضرورة وجود موقفٍ واعٍ ومُؤسَسَ للمجتمع الأهلي في تنظيم حراك مجتمعي، يتبنى عملية تخطيط وإدارة وتنظيم الفعاليات المجتمعية في الحفاظ على ما تبقى من السواحل والتعاون مع المؤسسات المختصة والمعنية في صون المعالم البيئية والخدمية للسواحل، والحفاظ على الممتلكات العامة التي يجري إنشاؤها وتوفيرها للترفيه الاجتماعي، ونرى أن الرؤية التي يتبناها الناشط الاجتماعي بدر النعيمي موقف ينبغي الأخذ به، وفي السياق ذاته يمكن الإشارة إلى المنجز الإيجابي للحراك المطلبي المنظم لأهالي قريتي المالكية وباربار في بداية القرن الحالي، والتي تمكن المجتمع المحلي بفعلها في الاحتفاظ بملكيته للساحل، ومواصلة العمل في تبني المشاريع المجتمعية الموجهة في تأهيل وتطوير الشريط الساحلي للقريتين، والحرص في المطالبة بتوفير المتطلبات الخدمية والترفيهية التي يمكن أن تؤمن ظروف ملائمة للراحة والترفيه الاجتماعي.

السواحل إرث مجتمعي وتاريخي، وحق يكفله القانون والدستور، وفي سياق الحوار الاجتماعي بشأن السواحل قدم عدد من الشخصيات المجتمعية مرئياتهم والتأكيد على الأهمية الاستراتيجية للسواحل في موروثنا الوطني والموقف القانوني والدستوري في بلادنا، ويمكن الاشارة في هذا السياق إلى رؤية التربوي ورجل الدين سيدهيثم المحافظة الذي يشير إلى ان «البحرين جزيرة والسواحل أهم جزء في جغرافية البحرين، وتعتبر المتنفس لمحاورة الطبيعة والاستمتاع بجلسات مشاعرية تفتح آفاق العقل، وتجدد نشاط القلب وتريح النفس فينعكس ذلك على سلامة البدن، فهي ليست بأقل شأن من حقوق المواطن الاجتماعية والسياسية التي نهتم بالحصول عليها لتحقيق الراحة والأمن والسلامة». وفي ذات السياق، يرى الباحث في الشئون الدستورية علي البحار»إن الحق في التمتع ببيئة نظيفة مكفول دولياً ودستورياً للجميع، ويجب أن يدافع كل شخص أو جهة أهلية أو رسمية من موقعه المناسب عن هذا الحق لصون هذا الحق من أي اعتداء. وما لا شك فيه أن معالجة قضية السواحل كمتنفس للناس، تندرج ضمن حماية هذا الحق، ونشجع كتاباتكم في هذا الشأن لنشر ثقافة الوعي والحق في البيئة».

السواحل حقيقة ثابتة، وإن تأكيد ثوابت الحق في بقائها وتوفير مؤسسات استدامتها مسئولية مجتمعية وواجب وطني وإنساني، وينبغي ألا يجري التخلي عن المطالبة بتوفير مقومات استدامتها. وفي السياق ذاته، ينبغي أيضاً العمل في تفعيل مختلف أشكال الأنشطة والفعاليات المجتمعية، وبناء وتعزيز واقع الشراكة المجتمعية والمؤسسية التي يمكن أن تساهم في تحفيز مؤسسات القطاع الخاص في تمويل الأنشطة والمشاريع التنموية، وخطط تطوير السواحل، وتعزز فاعلية القطاع الحكومي المختص في تحريك سواكن مشاريع تنمية وتطوير السواحل، والدفع باتجاه تنظيم جهود المجتمع في تولي مهام الرقابة والمتابعة، ودعم جهود المؤسسات المختصة في صون المعالم الخدمية والبيئية للسواحل.

إقرأ أيضا لـ "شبر إبراهيم الوداعي"

العدد 5218 - الإثنين 19 ديسمبر 2016م الموافق 19 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:44 ص

      الحل ان تردم البحر وراء الملاك و ثم تعمل جسر التفافي للوصول

    • زائر 1 | 12:03 ص

      ما تبقى من سواحل البحرين هو أقل من 5% فقط!!!
      يا سيد اسأل الله ان يؤجرك على عظيم عملك ولا أريد تثبيطك لكن واقع الحال مرّ ومزري وانت ونحن نعرف اننا نتحدث عن أمر مفقود رحمه الله وعلينا ان نقرأ له الفاتحة.
      أي سواحل تتحدث عنها وقرى ساحلية اصبحت بلا حتى منفذ بسيط بمساحة شارع يطلّ على البحر.
      يا سيد كلامك يثير الألم والمواجع ولسنا من المثبّطة بل على العكس نحن نشدّ على ايدي كل من يعمل
      لكن اعطني ربع سواحل زمان ثم طالبني بالاهتمام بها

اقرأ ايضاً