العدد 5226 - الثلثاء 27 ديسمبر 2016م الموافق 27 ربيع الاول 1438هـ

لا لتطبيع العرب مع العدو الصهيوني

منى عباس فضل comments [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

لتُسمَ الأشياء بأسمائها؛ عملية الاختراقات التي ينفذها العدو الصهيوني باتت فاقعة ناصعة واضحة، تتم مباشرة أو بالوكالة عبر جماعاته التخريبية من المنظمات اليهودية الأميركية أو من خلال عناصر مأجورة ومدعومة من أنظمة القمع والاستبداد في مختلف الساحات المستهدفة من المجتمعات العربية، وبكل ما يتاح لهذا الكيان من أدوات سياسية وعسكرية وإعلامية وايديولوجية تروج له تحت يافطات المحبة والسلام وقبول الآخر، الذي هو أبعد ما يكون عنها في ممارساته العملية إزاء الشعب الفلسطيني.

لم تبلغ الجرأة والتمادي في الترحيب بهذه الجماعات التخريبية، واستقبال ممثلي كيان العدو الذي يتولي تنفيذ عملياته الإرهابية ضد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، وتدمير المسجد الأقصى والتوسع بإقامة المستوطنات، وإفساح المجال لهم بأن يسرحوا ويحتفلوا بأعيادهم ويمرحوا برقصاتهم وشمعدانهم في البيوت العربية وجاداتها العامة خلال السنوات الأخيرة، وكذلك بإقامة علاقات سرية مع إسرائيل، وعقد لقاءات بينهم وبين المسئولين العرب في الدول الأوروبية، أو على هامش المؤتمرات الخارجية وفي اجتماعات الأمم المتحدة واستقبالهم بصفة وفود اقتصادية وما إلى ذلك من بروز مواقف تستهل فتح الأبواب بأريحية أمام العدو والتطبيع معه على رغم إرادة الشعوب العربية ورفضها لهذه العلاقة المرفوضة والمشوهة، التي صار عليها الانحدار منذ إغلاق مكاتب مقاطعة إسرائيل في بعض البلدان العربية، ورفع الحظر عن بعض شركاتها ومنتجاتها في اختراق صارخ وتحدٍ للأسواق المحلية، عبر تسهيل دخول رؤوس أموالها، وتوريد بعض بضائعها وتنفيذ استشاراتها الأمنية والاستخباراتية؛ لم يكن ذلك ليحدث لولا الحالة التي يعتريها الوضع العربي من انقسام وتشرذم وصراعات وتردي تمر به الأمة العربية والإسلامية، فإسرائيل تعتبر ما يحدث في هذه المرحلة الكالحة من تاريخنا العربي المعاصر انتصاراً متحققاً لها يؤكد عدالة كل أفعالها وموبقاتها، لقد هللت لكل ما يجري وسعدت، معتبرة إياه في إطار الخطوات الإيجابية التي تصب في مجرى الاعتراف بها وبالكيان الصهيوني والتطبيع معه.

لم يكن لكل ما يحدث أن يأخذ مساره، ويجد له أنصاره ومريديه من أصابهم الشعور باليأس والإحباط والانكسار في عدم جدوى أية مواجهة مع الكيان الغاصب، وهم بالمناسبة يمثلون قلة فقدت شعورها الوطني والعروبي تجاه القضية الفلسطينية وغلبت مصالحها الاقتصادية، في ظل ما يحدث من استغلال بشع لحالة الردة والضعف والاحترابات الطائفية في المجتمعات العربية، وما يسود من ازدواجية في الولاءات والانتماءات الملتبسة، وعدم الاستقرار السياسي والتردي الذي تسببت فيه عوامل كثيرة متشابكة ومتداخلة ليس أقلها تقلص مساحات الحرية وضمورها، وحالة الاستبداد التي تكمم الأفواه، وتحجر على العقول العربية حريتها في التعبير عن رأيها فيما يخص مصيرها وقدرها، وتحديد أولوياتها في مناهضة المشاريع العدوانية والتفتيتية التي تعمل مباضعها على طول وعرض الأرض العربية، التي أصبحت مسرحاً تعيث في أرجائه إسرائيل بكل ما تملك من خبث وتآمر وتخريب ونهب في ظل غياب قضايا التحرر الوطني كأولوية نضالية.

إن كيان العدو الصهيوني لا يتورع وفي أية لحظة تاريخية، وعلى أية مساحة عربية صغرت أم كبرت، عن مواصلته الحثيثة لارتكاب أبشع الجرائم والتخريب في حق الشعب العربي عامة والفلسطيني خاصة، والمساهمة في تمزيق الأمة العربية، وعلى مدى تاريخها المعاصر في التعدي على الثوابت الوطنية، وعلى تاريخ الأمة العربية وثقافتها واستغلال مواردها، والمشاركة في تمزيقها على أسس طائفية وإثنية، وبث الدسائس والتضليل والتآمر والضرب في الخاصرة الموجعة التي تعاني منها الأمة، بسبب الصمت المريب تجاه مختلف أشكال التسويات والتطبيع مع الكيان الإجرامي العنصري الصهيوني الغاصب.

إن ما أفرزته هزائم النظام العربي، وفشل مشاريعه التنموية والنهضوية مضاف إليها غياب الحريات وقمع الديمقراطية، ومشكلات الفقر والبطالة والفساد، وحالة الاحتواء التي يمارسها هذا النظام لشخصيات وقيادات تجعلها تتماهى مع ما يطرحه من مواقف وسياسات تجاه التطبيع مع العدو، إلى جانب حالة التساهل والتراخي وركود نشاط الأحزاب السياسية العربية بسبب ممارسات القمع والاعتقال والإبعاد الذي تعاني منه، وإلحاق مؤسسات المجتمع المدني والأهلي الذي تراجع بعضها في ممارسة أدواره الوطنية، وفقد شعبيته وجماهيرتيه بسبب التحاقه بأهداف ومصالح النظام الرسمي العربي، وتغييب الحقوق المطلبية والسياسية للشعوب العربية، وسلب إرادتها وبما أحدثته المتغيرات السياسية من صدمة وشعور بدأ يتسرب عند البعض، في عدم جدوى المقاومة والممانعة ولاسيما بعد مرحلة «أوسلو» وما فرضته من اتفاقات مع الاحتلال الإسرائيلي التي أدت إلى انقسام في الآراء والمواقف بشأن مقاومة الاحتلال وعملية التسوية والسلام.

فكل هذه الظروف وتلك أفسحت المجال بهذا الشكل أو ذاك للكيان الصهيوني باستباحته الساحات العربية الإعلامية، وبث رسائل الخداع والتآمر لتسهيل التطبيع تدريجاً، أو عبر بعض مؤسسات المجتمع المدني التي أشرنا إليها بما تعانيه من اهتزاز في ثوابتها الوطنية بشأن طبيعة العدو الصهيوني، ومشاريعه الكارثية لهذه الأمة وبشكل متتابع ومستمر، فضلاً عن حالة الالتباس أصلاً في وجود بعضها وولاءاتها كمؤسسات ذات طابع اجتماعي أو اقتصادي أو سياسي أو ثقافي، ذلك على رغم أن الشارع العربي قد عبر باستمرار عن مواقفه الرافضة تجاه هذا التوجه الذي يتم من خلال اللقاءات والزيارات الاستفزازية، التي تشكل شكلاً من أشكال التطبيع التدريجي المسموم مع إسرائيل، ومغازلة للوبي الصهيوني في واشنطن على حساب حقوق الشعب الفلسطيني وقيام الدولة الفلسطينية.

يبقى أن الاحتلال الإسرائيلي لايزال يشكّل معضلة أساسية من المعضلات التي تواجه مجتمعاتنا العربية وشعوبها الرازحة تحت الاستغلال الغربي الأميركي للأراضي والموارد الطبيعية، وما يمليه من سياسات ومشاريع تصب في صالح تثبيت كيان العدو الصهيوني على حساب فلسطين وحقوق شعبها، وهذا بالطبع يتطلب تصدياً جاداً ومسئولاً بكل الوسائل الممكنة، والتسلح بالوعي بخصوص مكامن الخطر الصهيوني الذي يخترق بلداننا، ويموه ويتحين الفرض للانقضاض على ما تبقى من كرامتنا وحقوقنا كشعوب، أيضاً يتطلب رؤية موحدة ومتكاملة تجاه رفض عملية التطبيع ومقاومتها، فالشعوب العربية قالتها ولاتزال تقولها بالفم الملآن: «نحن نرفض التطبيع مع العدو الصهيوني» ونقطة على السطر.

إقرأ أيضا لـ "منى عباس فضل"

العدد 5226 - الثلثاء 27 ديسمبر 2016م الموافق 27 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً