العدد 5228 - الخميس 29 ديسمبر 2016م الموافق 29 ربيع الاول 1438هـ

«الايكونوميست» تدعو لإصلاح نظريات الإدارة المعاصرة

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

في عددها الصادر بتاريخ 17 ديسمبر/ كانون الأول 2016، دعت مجلة «الايكونوميست» إلى إصلاح نظريات الادارة المعاصرة، وقالت إن الإصلاح المنشود يجب أن لا يقل عن مستوى الإصلاح الديني (للكنيسة المسيحية الكاثوليكية) الذي قاده مارتن لوثر قبل 500 عام.

وقالت المجلة ان نظريات علم الإدارة تقدّس «الرأسمالية»، بنفس الطريقة التي كان رجال الكنيسة في الأيام الخوالي يقدّسون «الإقطاع»، وأن «كليات إدارة الأعمال» تشبه «الكاتدرائيات الكنسية»، والاستشاريون يوعدون مدراء الشركات بموجات من الطروحات لحل المشكلات الادارية، تماماً كما كان الرهبان يبيعون صكوك الغفران لمن يحضر كنائسهم. كما أن الاستشاريين يستخدمون لغةً خاصةً مملوءةً بالطلاسم، تماماً كما كان رجال الكنيسة الكاثوليكية يستخدمون اللاتينية عندما يتحدّثون إلى الناس (الذين لم يكونوا يفهموا اللاتينية)، وذلك لإضفاء القدسية على كلامهم. وكما أن رجال الكنيسة فقدوا اتصالهم بالعالم المحيط بهم قبل 500 سنة، فإن علماء الإدارة أيضاً فقدوا اتصالهم بالمحيط الواقعي الذي يحيط بعالم المال والاعمال.

بعد هذه المقدمة القاسية، قالت «الايكونوميست» إن هناك أربعة أفكارٍ أساسية تعتمد عليها نظريات الإدارة المعاصرة، وإنه آن الأوان لنقد هذه الأفكار، سعيا الى اصلاح منهجي لعلم الادارة.

الفكرة الأولى لنظريات الإدارة المعاصرة تقول إن مؤسسات الأعمال تمر بمرحلةٍ تُعتبر الأكثر تنافسيةً من أي وقت مضى، وهذه الفكرة تترك انطباعاً بأن العالم الذي نعيشه مفرطٌ في التنافس، ولكن الأرقام تناقض هذا الكلام. فاتجاه مؤسسات الأعمال حالياً ليس نحو المزيد من المنافسة، وإنما للمزيد من الاندماج، وقد شهدت السنوات الماضية، ومنذ العام 2008، عمليات اندماج واستحواذ بمتوسط 30000 صفقةٍ سنوياً، بنسبة 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

ويقول تقرير صدر في العام 2016 من قبل مجلس المستشارين الاقتصاديين (الأميركي) إن الشركات التي اتجهت نحو الاندماج حققت أرباحاً قياسية. وكانت شركات التقنية في وادي السيليكون (في الولايات المتحدة) في تسعينيات القرن العشرين تنشأ باستمرار، أما حالياً فإن الوادي يقع تحت قبضة عددٍ قليلٍ من الشركات الرقمية الكبيرة، بما يشبه الإقطاعية.

الفكرة الثانية لنظريات الإدارة المعاصرة تقول، إننا نعيش في عصر ريادة الأعمال، غير أن الأدلة تروي قصةً مختلفة. ففي أميركا انخفض معدل خلق الأعمال التجارية وتأسيس الشركات، منذ أواخر السبعينيات في القرن العشرين... بل انه وفي السنوات الأخيرة أُغلق المزيد من الشركات الوليدة اكثر مما تم تأسيسه. وأما في أوروبا، فإن معظم الشركات الناشئة تبقى صغيرة، ويرجع ذلك جزئياً للنظم الضريبية التي تعاقب المؤسسات التي توظف أكثر من مستوى معين من العمال. كما أن أصحاب الأعمال أيضاً، يهتمون أكثر بالتوازن بين العمل والحياة، بدلاً من الاهتمام أكثر بالأرباح. وهناك عددٌ كبيرٌ من أصحاب الأعمال الذين يخفّفون روح المبادرة بعد مواجهة الفشل، ويركّزون بعد فشلهم على توفير معيشة لفترة شيخوختهم.

الفكرة الثالثة لنظريات الإدارة المعاصرة تقول، إن وتيرة العمل تتسارع باستمرار. من الصحيح أن شركات الانترنت تحصل على مئات الملايين من الزبائن بسرعة وفي غضون سنوات قليلة، ولكن هذا أقل تأثيراً من الشركات السابقة في هذا المجال. ومقارنةً مع صناعة السيارات التي بدأها هنري فورد في 1913، فإن أكثر من نصف الأسر الأميركية استطاعت أن تمتلك سيارات خاصة خلال عقدين من البدء بذلك التصنيع. ولكن بعد ذلك، فإن وتيرة الأعمال التجارية تتباطأ، والشركات - حاليا - في الغالب تضيع أشهراً أو سنواتٍ في فحص القرارات مع مختلف الإدارات (التدقيق والقانونية والخصوصية، وهلم جرا)، أو في التعامل مع البيروقراطية الحكومية الآخذة في التوسع. كما أن الانترنت يأخذ من اليد الواحدة ما يعطيه لليد الأخرى. إنه من السهل والسريع جداً الحصول على معلومات، والتشاور مع الجميع (بما في ذلك المورّدين والزبائن)، ولكن المؤسسات تتباطأ بسبب التردّد في كثيرٍ من الأحيان إلى ما لا نهاية.

الفكرة الرابعة لنظريات الإدارة المعاصرة تقول، إن العولمة أمر لا مفر منه ولا رجعة فيه، وإنها نتاجٌ للقوى التكنولوجية الآخذة في الازدياد. وهناك سلسلة من الكتب في هذا المجال، لعل واحداً من أهمها الكتاب الذي صدر في العام 2005 لتوماس فريدمان بعنوان «العالم مسطح». كما أن إعلانات كبرى، كتلك التي تبناها مصرف «اتش إس بي سي» تتحدّث عن أن العولمة حقيقةٌ لا مفر منها. ولكن نظرة إلى التاريخ توضح أن هذا الكلام مجرد هراء. فالعالم كان بين 1880 و1914 معولماً كما هو اليوم، ومع ذلك وقعت البلدان ضحيةً للحروب. كما أن المؤشرات حالياً توضّح أن العولمة تتراجع حالياً. ففوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر / تشرين الثاني 2016 جاء على خلفية دعوته إلى القومية الأميركية (الولايات المتحدة اولا)، وهو الآن يفتل عضلاته ويهدّد الصين. أما بريطانيا فقد صوّتت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي. كما أن الشركات متعددة الجنسيات الأكثر بعداً في النظر، وقد بدأت تستعد لمستقبلٍ تسود فيه ثقافة القومية على نحو متزايد.

وأشارت «الايكونوميست» إلى أن هذه الأفكار تطورت وتوسعت في علم الإدارة بشكل أكثر في الفترة الواقعة بين 1980 و2008، وهي فترةٌ تسيّدت فيها قيم الليبرالية، وكان السياسيون الوسطيون على استعدادٍ للتوقيع على قواعد عالمية، لأن ذلك لم يكن يعني الكثير بالنسبة لهم. ولكن عالم اليوم يختلف كثيراً، كما أن نمو الإنتاجية يبقى في مستوى كئيب في الغرب، والشركات تتجه أكثر نحو الاندماج بمعدل كبير، وريادة الأعمال تعاني من التأتأة، والشعبوية القومية في ازدياد (على حساب العولمة)... وباختصار فانه يجري حالياً تمزيق القواعد القديمة لمؤسسات الأعمال التجارية.

ولكل هذا وذاك، فإن على منظّري علم الإدارة - بحسب المجلة -مراجعة أسس نظرياتهم، وإلا فإنهم قد يصبحون باعةً متجوّلين يعرضون بضاعةً من الأفكار الميتة بأسعار مرتفعة.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 5228 - الخميس 29 ديسمبر 2016م الموافق 29 ربيع الاول 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 1:42 ص

      الصحيح في المسألة هو إننا بحاجة إلى مجدد .. يقال: في كل علم وفي كل مئة سنة هناك حاجة لمن يأتي ويجدد هذا العلم من أسسه كلها، الكلام الأبرز في كل هذا الكلام هو التأكيد على إن علم الإدارة بوابته الرئيسية والأساس هي علم الإجتماع

    • زائر 2 | 2:13 ص

      مقال رائع، تمنيت لو أنه حصل على عنوان مختلف ليبين عمق ما فيه

    • زائر 1 | 4:32 ص

      مقال رائع يستحق القراءه

اقرأ ايضاً