العدد 5229 - الجمعة 30 ديسمبر 2016م الموافق 01 ربيع الثاني 1438هـ

يقولون لنا: عالَمكم أفضل

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كَتَبَ خوان كارلوس بيريز سالازار تقريراً عن «عالَمِنا». هو يفترض بأنه وعلى رغم حالات القتل والتفجير والحروب الدائرة من حولنا إلاّ أن العالَم اليوم أفضل بكثير عن عالَم الأمس! وهو يستند فيما يقوله على مفكرين كثيرين من بينهم ستيفن بينكر الذي نشر كتاباً قبل عقد ونصف والذي تبنّى فيه هذه الفكرة.

أنصار هذا الرأي كـ خوان كارلوس وستيفن بينكر يستندون إلى ارتفاع متوسط الأعمار لسكان العالم وانتشار القيم الديمقراطية في الدول مع إمكانية انحسار الفقر بعد 14 عاماً من الآن كما يُتَوقّع له. ثم يُرقّمون ما يقولونه كالتالي: كان المتوسط العالمي للأعمار مع بداية القرن العشرين لا يزيد عن الـ 38 عاماً، أما اليوم فهو يلامس الـ 70 عاماً أيّ أن الرقم قد تضاعف وأكثر.

ويضيفون أنه وفي العام 1900 كانت نسبة وفيات الأطفال هي 19.5 في المئة، أما اليوم فهي فقط 3.69 في المئة، بسبب الاكتشافات الهائلة للأدوية والأمصال التي حدَّت من الأمراض القاتلة والمزمنة مثل البنسلين الذي لديه القدرة على الفتك بالبكتيريا الجالبة للمرض. وقد أعلنت أميركا اللاتينية قبل فترة أنها باتت المنطقة الأولى التي استطاعت القضاء على الحصبة القاتلة، وباتت غواتيمالا رابع بلد هناك يقضي على داء العمى النهري، وغيرها من النماذج التي يُستَدل عليها.

أما فيما خصّ الفقر فإنهم يقولون بأن 68.7 في المئة من نفوس العالم كانوا يعانون من الفقر المدقع مع بدايات القرن الماضي، أما اليوم فهي لا تزيد عن 16.9 في المئة أو في أسوأ الأحوال 20 في المئة. وقد قال البنك الدولي على لسان رئيسه جيم يونغ كيم قبل فترة بأن القضاء على الفقر المدقع بين سكان العالم قد يكون ممكناً مع حلول العام 2030.

أما على المستوى السياسي فقد قلّت الأنظمة المستبدة، بعد أن كانت الديمقراطية في ثلاثينات القرن العشرين مقيّدة ومحدودة، تحوطها الشيوعية والفاشية. فقبل 36 عاماً كان 90 في المئة من الدول ترزح تحت حكم عسكري أما اليوم فإن 90 في المئة من الدول تعيش تحت حكم ديمقراطي.

حسناً، هذه أرقام جيدة لكنها أيضاً قابلة للمناقشة ويمكن التعاطي معها بـ «شَكِّيّة». لذلك نقول أنه من الخطأ أن يتم إسقاط أحكام بهذه الطريقة على أمرين مختلفين، يفصل بينهما الزمن وفعله ومجمل التطورات التاريخية الجارية، وكأننا نقارن بين قيمة عملتين واحدة تم تداولها في أسواق القرن التاسع عشر والثانية يتم تداولها في قرننا الحالي.

فعندما يموت 19.5 في المئة من الأطفال في حقبة ما، وتقل هذه النسبة إلى 3.69 في المئة اليوم فظروف ذلك معروفة، وهي تتعلق بمسألة الاستكشافات الطبية، وبالتالي فهي مرتبطة بالتطور الطبيعي للإنسانية والعقول البشرية، لذلك الحساب لا يكون هنا بقدر ما يكون في النسب المطروحة.

فمثلاً حين تقول لي 19.5 في المئة فيجب عليك أن تذكر بأن أنفس العالم في تلك الفترة (1900) كان لا يزيد عن 23.6 في المئة من أعداده اليوم، والتي تجاوزت الـ 7 مليارات إنسان! هذا يعني أن نسبة وفيات الأطفال اليوم وبحسب النسبة المذكورة هي 259 مليون طفل، وبالتالي فإن التناقص بين النسبتيْن ليس مهولاً إلى الحدّ الذي يُتبَاهى به.

كذلك عندما يُقال لنا بأن نسبة الفقر كانت 68.7 في المئة واليوم هي لا تزيد عن 16.9 في المئة أو 20 في المئة، فيجب أن يُقال لنا كم حجم الثروات المكتشفة في تلك الفتر مقارنة مع اليوم، إلى المستوى الذي جعل 700 ألف إنسان في يومنا هذا يستحوذون على ما يملكه 6 مليارات و999 مليون و300 ألف من بني جلدتهم!

وعندما يتحدثون لنا أن 90 في المئة من الدول باتت تعيش تحت حكم ديمقراطي، وهو ما أدى إلى انحسار العنف والحروب، وبات عدد القتلى اليوم لا يزيد عن 3 في المئة مقارنة مع 15 في المئة في السابق فعليهم أن يجيبوا كذلك، كيف أصبح 90 في المئة من المدنيين قتلى اليوم مقارنة مع 10 في المئة في السابق، ولماذا تخوض أنظمة «ديمقراطية» كـ الولايات المتحدة الأميركية حروباً غير منقطعة ضد الآخرين؟!

كذلك، عليهم أن يسترجعوا ما قاله المفكر الألماني نوربرت إلياس (1897م – 1990) من أن تناقص مسألة العنف لا يعود إلى التطور الحالي فقط بل إلى 3 حقب سبقت يومنا، تتعلق ببداية تشكيل الدول ثم دمج أراضي الإقطاعيين في ممالك مركزية خلال العصور الوسطى، وثالثاً عصر التنوير، وبالتالي فنحن نقطف ثمار ما بناه السابقون وما أفضى إليه التطور التاريخي للبشرية.

كذلك، يجب أن يُقال ويُفهَم اليوم أن التطور يفترض أن يُصاحبه سلوك يتناسب وذلك التطور. فحين يجنح العالَم صوب الديمقراطية فيجب أن نرى مفاعيل ذلك على الأرض بما يماهي تلك النسبة التي يقولون لنا أنها في حدود الـ 90 في المئة، وإلاّ أصبح الحال على ما هو عليه. هذا أمر مهم جداً.

نحن لا نقول أن عالَم اليوم هو عالَم لا أمل فيه، لكن ليس من العدالة أن يُقارَن مع القرون التي سبقته دون مراعاة لحالات التطور المتباينة، وفي نفس الوقت، عدم مقايسة ما نشهده من تطور مع ما يجري من مآسي لنا.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5229 - الجمعة 30 ديسمبر 2016م الموافق 01 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 2:41 م

      حتى لو لو الوفيات أقل بس الآن انشرت امراض لم نسمع بها
      من عمر مبكر يصاب الفرد بأمراض العصر من يكري وضغط و سمنة مفرطة وووو
      حسب رأيي

    • زائر 3 | 8:47 ص

      على صعيد العالم العربي نحن أسوء بكثير ونواصل التقدم للخلف!

    • زائر 1 | 12:59 ص

      كل شيء وله ثمنه في رايي المتواضع

اقرأ ايضاً