العدد 5231 - الأحد 01 يناير 2017م الموافق 03 ربيع الثاني 1438هـ

بالفيديو ... علي عبدالله خليفة لـ «الوسط»: تراث البحرين يضيع... العلة في حضور «النظرة الدونية» وغياب الاستراتيجية الوطنية

أقود المنظمة الدولية للفن الشعبي لـ 20 هدفاً... على «الفقراء» تركيزنا ومــــــــن المنامة انطلاقتنا

علي عبدالله خليفة طالب باستراتيجية وطنية للثقافة يكون من ضمنها حفظ الثقافة الشعبية لقرى البحرين ومدنها   - تصوير : محمد المخرق
علي عبدالله خليفة طالب باستراتيجية وطنية للثقافة يكون من ضمنها حفظ الثقافة الشعبية لقرى البحرين ومدنها - تصوير : محمد المخرق

حذَّر الشاعر البحريني علي عبدالله خليفة، الذي اختير مؤخراً رئيساً للمنظمة الدولية للفن الشعبي التابعة إلى اليونسكو، من استمرار ضياع التراث الشعبي لمملكة البحرين.

وفي حوار موسع مع «الوسط»، أرجع خليفة ذلك، إلى ما أسماه بـ «النظرة الدونية التي أحيط بها منتوج الثقافة الشعبية، وطبيعة منتجيها من المؤدين والعمال المشتغلين في المهن والصناعات التقليدية».

خروجاً من ذلك، طالب خليفة بوضع استراتيجية وطنية للثقافة يكون من ضمنها حفظ وحماية الثقافة الشعبية لقرى البحرين ومدنها، وعقب «علينا أن نسارع إلى جمع ما تبقى منها، وأوصي بضرورة تناول ذلك تناولا علميا تخصصيا، وأن تجمع المادة وتحفظ وتوثق بعيداً عن الأنانية وبعيداً عن الأسماء».

من جانب آخر، وعلى صعيد خطة عمله لقيادة المنظمة الدولية للفن الشعبي للسنوات الأربع المقبلة، وهي القيادة التي جاءت بعد ترشيحه من قبل دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة، وبعد أخذه الإذن من جلالة الملك، أوضح خليفة «ترجمت الخطة إلى ثماني لغات، وتضمنت عشرين هدفاً عامّاً، مع تطوير الهيكل التنظيمي، ولائحة النظام الداخلي، وإنشاء خمس مفوضيات، وابتداع سبل جديدة للدعم المالي، مع العمل على زيادة دعم الاتحاد الأوروبي، ودعم مجلس شيوخ المنظمة إلى جانب دعم الرعاة الدوليين».

وتابع «بجانب ذلك سيتم التركيز على الدول الفقيرة التي لم تنل حقها من الدعم، حيث سنعمل على تعزيز دور فرق الفنون الاستعراضية الخاصة بهذه الدول التي تفتقر إلى الاهتمام بتراثها الشعبي وإبرازها في الواجهة وصولاً إلى مرحلة التنافس».

ونوه خليفة بدور مملكة البحرين التي ستحتضن موقع المنظمة، وأردف «أتمنى أن تضع المنظمة ومن موقعها في البحرين، نفسها في وهج جديد، وتجعل ذاتها في قمة النشاط وقمة التألق، وعلى رغم شعوري بثقل المسئولية فإنني أيضاً على ثقة بأن البحرين على قدر التحدي، وستجعل مملكتنا من المنظمة شيئاً مختلفاً عما كانت عليه، ومن الآن يمكنني القول واثقاً: إن المنامة ستكون العاصمة المتميزة في قيادة المنظمة».

وفيما يأتي نص اللقاء:

لنسأل بداية عن مفهوم التراث الثقافي غير المادي.

- الثقافة الشعبية أشبه بالمظلة التي تضم أربعة محاور رئيسية تنتظمها أربع بيئات اجتماعية: بيئة صحراوية أو بدوية، وبيئة بحرية، وبيئة قروية ساحلية أو جبلية، ورابعة هي بيئة المدن. وكل محور من المحاور الأربعة هو عبارة عن باب واسع يشمل في طياته تفاصيل عدة.

أول هذه المحاور الأدب الشعبي، وهو كل ما يتم تناقله مشافهة ويشمل الأمثال، الحكايات، اللهجة، القصائد والمواويل، الأزجال، المعاضلات اللغوية والحكم، وكل النصوص التي يتم تداولها عن طريق المشافهة، ولذلك أسمته اليونسكو اختصارا (ich) وهي اختصار لـ: Intangible Cultural Heritage، وهو التراث الثقافي غير المادي، ومعنى ذلك أنه تراثٌ لا تدخل فيه الأجسام المادية الملموسة من أي شكل كان. ومادة هذا المحور غزيرة جدّاً، وما عليك إلا أن تقيس حجم ما لدينا من أمثال وأشعار وأزجال وحكايات.

والمحور الثاني هو الموسيقى والأغاني والرقص الشعبي، وتفاديا لحساسية مفردة الرقص في مجتمعاتنا استعيض عنها بتعبير الأداء الحركي، وهذا يشمل مزيجاً بين المادة الشفوية النصية (الغناء والأداء بالصوت)، وبين الآلة الموسيقية إلى جانب ما تشتمل عليه بعض الرقصات من سيوف وخناجر وعصي وأدوات أخرى، وهذا المحور غزير أيضاً، ويعتبر من أقدم المحاور منذ أن بدأ الإنسان يعي ويتحدث، ويشمل ذلك حتى (التصفيرة) ليبدأ الإنسان في نفخ الأدوات لإحداث النغمات وتصنيعها.

أما المحور الثالث فهو العادات والتقاليد والمعتقدات الشعبية، وبسبب الحساسية الدينية فيما يخص المعتقد على رغم عمومية المصطلح (يشمل الخرافات أيضاً)، فقد أصبح مسمى هذا المحور العادات والتقاليد والمعارف الشعبية، وتدخل في هذا المحور كل معرفة إنسانية، بما في ذلك كيفية تنبيت النخل بوصفها معرفة تدرس وتتناقل من الجد إلى الحفيد، والمعرفة كذلك بالأبراج والأفلاك وعلم النجوم ومواقيت الفصول كأن يقال «هب البارح»، أو أن «البطين» سيأتينا في التاريخ الفلاني، وبالتالي نجد أن هنالك مواضيع عديدة في المعارف الشعبية اكتسبها الإنسان عن طريق التجربة والخبرة وانتقال المعرفة، وهذا المحور واسع جدّاً ومتنوع، فلدينا على سبيل المثال القرقاعون أو القرقيعان، وفي مصر تجد شيئاً آخر، كذلك لدينا «المسحر» وفي مصر كذلك لكن بطريقة مختلفة، وهناك عادات وتقاليد قروية وأخرى بدوية صحراوية تحيط بالإنسان منذ الولادة مروراً بالشباب والزواج وصولاً إلى انتهاء حياته بالموت وهو ما يعرف بدورة حياة الإنسان.

وأخيراً يأتي المحور الرابع ممثلا في الثقافة المادية والحرف والصناعات التقليدية، كالفخار والنسيج وصناعة الأكل الذي يعتبر فنّاً يعلَّم، وإجمالا نتحدث عن معرفة وصناعات تقليدية بأدواتها كافة، ويشمل ذلك بناء المساكن، وتشييد المعابر، وصناعة النسيج والحلوى، وخياطة الملابس، وصناعة السفن والحدادة، وسف خوص النخيل، وغيرها.

هذه المحاور الأربعة تتفرع منها عدة أبواب، ولكل باب دراسة، فالموسيقى مثلاً تحتاج إلى عالم في موسيقى الشعوب (اثنو ميوزيكولوجي)، وفي العادات والتقاليد بحاجة إلى انثروبولوجي أوعالم فولكلور أوعالم اجتماع، وكل منهم يدرس العادات والتقاليد بحسب منهجه. ومع مرور السنوات تطور مفهوم التراث الشعبي، ففي البداية شاع استخدام مصطلح «فولكلور»، ويعني (حكمة الشعب)، ومع مرور الزمن تطورت المفاهيم نتيجة تطور العلم والرؤية الخاصة بتناول المادة التراثية فأصبح يعرف بـ «التراث الشعبي»، ثم «المأثورات الشعبية»، والآن هو «الثقافة الشعبية» بمدلولاتها الأشمل، لتقوم «اليونسكو» بفرز التراث الثقافي غير المادي لوحده عن بقية عناصر التراث الأخرى؛ وذلك لكي تفرق بينه وبين الآثار، أو بينه وبين دراسة علم الآلات الموسيقية والمعدات التتقليدية في الصناعة الشعبية، على سبيل المثال.

هل لك أن تضعنا في صورة قيمة هذا التراث الذي يشتمل ربما على معتقدات قد تكون غير صالحة؟

- لو جئنا إلى الثقافة العربية، فإن أساسها عبارة عن مادة تراثية متناقلة عبر أجيال، وبالتالي فإن الثقافة الشعبية هي مكونٌ أساس من مكونات الثقافة العربية، والتي هي هويتنا. والسؤال عن فائدة هذه المادية في تكوين الهوية هو سؤال مهم، فإذا قلنا إنها «حكمة الشعب»، فعلينا التعرف عليها، وبالتأكيد ليس كل ما في التراث صالح لزماننا، وقد تخطاها بمراحل، لكننا نظل بحاجة إلى معرفة من أين اكتسب الآخرون حكمتهم، فالأمثال تتناقض في بعضها، ولكل مثل حكمة معينة تتصل بتجربة ما، يمكن نقل الجيد منها إلى الأجيال القادمة، لكن من واجبنا أن نجمعها، وأن نحفظها ونؤرشفها، ونوثقها، وإذا جاءت أجيالنا المقبلة بعد قرون ستسأل لماذا كان الناس يهزجون على السواحل على سبيل المثال بـ «توب توب يا بحر»، فيكون الجواب لدينا حاضراً كمادة علمية موثقة.

أما الفائدة منها، فنتعرف أولاً على حكمة هذا الشعب، ونتعرف على ماضيه، ومزاجه، ومستوى إبداعاته، وجذوره، فحين تُعرِّف ابنك بهويته البحرينية وتعمل على تعزيزها لديه، فهو ليس من أي بلد آخر وليس نتاج ثقافة أخرى، لكنه بحريني، فما الذي يعزز فيه ذلك؟ انه انتماؤه لهذا التراث وقيمته التي تنعكس على سلوك هذا المواطن، وعلى سبيل المثال أيضاً لدينا الآن بنات وأبناء يسافرون إلى أبعد البلدان بغرض الدراسة، فيذهبون وهم يحملون كل ما أخذوه من البيت ومحيطه، والبيوت مختلفة، فهناك بيت يعزز قيماً تضمن للطالب حين يتجه إلى بلاد غير بلاده عدم الضياع، حيث (الأساسيات) الدينية والمعرفية قوية، فيما نجد طالباً آخر يذهب فتنقطع أخباره، وهذا حصل بالفعل للبعض ممن تزوجوا هناك، وانقطعت صلتهم ببلدانهم لأسباب عديدة، منها ضعف الانتماء إلى الأهل والوطن.

هذا يعني أن للانفصال عن هذا التراث، تداعياتٍ وخيمة على الهوية؟

- لِنظرةٍ قاصِرةٍ تنمُّ عن عدم الفهم، يعتقد بعض المثقفين أن الاهتمام بالثقافة الشعبية به نظرة لتمجيد واستعادة الماضي، وهذا غير صحيح مطلقاً. فالاهتمام بالثقافة الشعبية هو اهتمام بمكون أساس من مكونات ثقافتنا الوطنية، وهو رافد غني بالإبداعات والأنشطة الإنسانية، التي تدلُّ على الحيوية والفاعلية. ولا شك أن الانفصال عن أي مكون من مكونات ثقافتنا الوطنية أو العربية له تداعيات وخيمة على الفرد وعلى المجتمع بأسره.

هذا المكونُ المهم من مكونات الهوية يترسخ لدى المرء منذ الطفولة عن طريق الأم والأب والجد والجدة، وفي الأغلب تكون النقلة من الجد والجدة للحفيد؛ وذلك لأنهما الأقرب للمادة التراثية من الأب والأم، وهذا يفسر العلاقة الحميمة دائماً بين الجد والحفيد إلى درجة أنَّ الحفيد يسمع من الجد أكثر مما يسمع من الأب، ويسمع من الجدة أكثر مما يسمع من الأم، وعبر هذا التواتر تنتقل المادة من جيل إلى آخر، وهذا ما يمنح المرء الحصانة والقدرة على التمييز بين الصالح والطالح حتى في لحظة الاغتراب، إلا أن هذه العلاقة الحميمة التي يحاط بها الطفل قد طالها التغيير نتيجة تطور أدوات العصر، وتغير أساليبه، بحيث أصبحت مصادر الطفل غير مصادره التقليدية، وأصبح بذلك بعيدا عما يجب أن يقدم إليه؛ لتأكيد الهوية بدلاً من هذا المزيج الغريب المرعب الذي يستقيه يوميّاً من وسائل التواصل الاجتماعي وغيرها من الألعاب والأفلام والسلوكيات.

إنَّ جمع مواد التراث الشعبي وحفظها موثقة للدرس والتحليل، قد يتيحان للمبدعين استلهام المادة التراثية لإنتاج أعمال إبداعية في المسرح والشعر والرواية والغناء، وكثير من التجليات، فشطر من موال وجملة موسيقية من ألحان محمد بن فارس كمغن تجعلك أمام مادة تراثية يمكن استخدامها بشتى الصور، ولذلك نصت القوانين الدولية على أن المادة التراثية مشاعة وحق عام بشرط ألا تشوه وألا تستغل استغلالاً غير مشروع، كأن توضع في دعاية تجارية، فهذا لا يجوز، فهناك اتفاقية دولية لحماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة، كما أنَّ هناك اتفاقية دولية لحماية التراث الشعبي، والتي تنص على حق المؤلف في مؤلفه حتى 50 سنة، وبعد ذلك يصبح هذا الحق مشاعاً إلا في أيام حياته، فيُستفاد من المادة في التربية والتعليم والخدمة الوطنية العامة.

نصل إلى تبوئكم رئاسة المنظمة الدولية للفن الشعبي، حدثنا عن تفاصيل ذلك، وطريق وصولكم إلى هذا المنصب.

- أمضيت في دولة قطر عشر سنوات (منذ 1978)، وسبب تواجدي هناك، كان لتأسيس قسم للدراسات والبحوث، والهدف منه تحقيق ديوان لشاعر قطري، فطرحت على الإخوة في قطر وزير الإعلام عيسى غانم الكواري والأديب السوداني الطيب صالح فكرة توحيد جهود دول الخليج لجمع التراث الشعبي، وكانت السعودية في وقتها تضم جهاز تلفزيون الخليج قبل تأسيس دول مجلس التعاون، فيما كان مقر مؤسسة الإنتاج البرامجي في دولة الكويت، أما وكالة أنباء الخليج فقد كانت في البحرين (تحوّلت بعد ذلك إلى وكالة أنباء البحرين)، أما أبوظبي فاحتضنت مركزاً للتدريب، فيما كانت قطر الوحيدة من دون مؤسسة خليجية مشتركة، ماحدا بي طرح فكرة توحيد جهود دول الخليج خلال مؤتمر وزراء الإعلام العام 1979، فرحب الإخوة القطريون بذلك وطلب مني تقديم تفاصيل الفكرة في مذكرة تعرض على المؤتمر.

وعلى رغم أن موضوعات التراث كانت بعيدة عن التناول آنذاك، إلا أن تواجد العراق مثل دعماً للفكرة، فتحصلنا على الموافقة. وفي تلك الأثناء وبسبب حداثة الفكرة كانت بعض الدول الخليجية مترددة في الجمع بين العمل الإعلامي والعمل العلمي التخصصي، لكن حين فصلت في الفكرة عبر حضور إعلامي قوي بحيث إن المركز هو كيان علمي يعنى بجمع المادة التراثية الواقعة تحت مظلة الإعلام ذلك الوقت، وبسبب هذا الحضور أرسل معهد سميثسونين، أحد أكبر المعاهد عالميا، إلينا خطابا بين فيه رغبتهم في إرسال 21 عالماً متخصصاً في التراث؛ وذلك للمساعدة في جمعه وحفظه، وأذكر في ذلك الوقت أن وزير الإعلام القطري عيسى الكواري والطيب صالح، اعتبرا ذلك فرصة، لكني فضلت عدم مجيء أحد، وأن نتولى نحن جمع تراثنا، وبسبب هذا الرفض عمل معهد سميثسونين على بث حركة أخبار قوية جدا مفادها الحديث عن حركة عناية جديدة بالتراث في الخليج العربي.

في تلك الأثناء كانت المنظمة الدولية للفن الشعبي تؤسَّس وتناهت إلى أسماعهم فكرة تأسيس المركز الخليجي، فتواصل معي المؤسس الرئيسي وهو ألكسندر فايكل، نمساوي الجنسية، وتمت دعوتي إلى المشاركة في تأسيس المنظمة، وبالفعل شاركت في الاجتماع الثاني للتأسيس، ومن هنا بدأت العلاقة بيني وبين المنظمة، وأصبحت ممثلاً لفرع البحرين.

أما ترشيحي لرئاسة المنظمة الدولية للفن الشعبي، فيعود إلى العام 2012، حين رشحت من قبل رئيس وفد النمسا خلال انعقاد المؤتمر التاسع للمنظمة بمدينة براغ. لحظتها تفاجأت بالطلب، وبسبب عدم الاستعداد أعتذرت عن عدم الترشح، وبعد مرور 4 سنوات تم تجديد ترشيحي هذه المرة من قبل دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة وأخذت الإذن من عاهل البلاد حضرة صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، بأن المنظمة سترشح البحرين لرئاسة المنظمة، فأبدى جلالته حفظه الله ترحيبه ودعمه.

وقبل أن أقبل بالترشح، كنت حريصاً على توفير متطلبات النجاح، بما في ذلك الحصول على تسعة من كبار خبراء الثقافة الشعبية والتراث من دول الاتحاد الأوروبي؛ للمساعدة في وضع الخطة التي أتصور المضي من خلالها لرئاسة المنظمة، وبالفعل عقد الفريق عدة اجتماعات في المجر والنمسا وبلجيكا وهولندا للمناقشة، ورسم الخطة المطلوبة التي طبعت في كتيب بـ 8 لغات قدمناها إلى المؤتمر، وكانت مثاراً للإعجاب، حيث عملنا عليها باجتهاد لستة أشهر. ودخلت في المنافسة على الرئاسة مع الصين والفلبين.

هل يمكنك تعريفنا بالعناوين الرئيسية لخطة قيادتكم المنظمة للسنوات الأربع المقبلة؟

- تُرجمت الخطة إلى ثماني لغات: العربية، الإنجليزية، الفرنسية، الروسية، الإسبانية، الإيطالية، الألمانية والصينية، وطبعت في كتيب قُـدّم إلى الجمعية العمومية المنعقدة بمدينة برجامو الإيطالية (10 - 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2016)، وتناولت إعادة النظر في الرسالة والرؤية والأهداف الاستراتيجية، وقدمت تحليلاً رباعيا لمكامن القوة والضعف والفرص المتاحة والتهديدات المحتملة، واعتماد خطوات إجرائية للتغيير في غضون أمد زمني محدد بالعام 2020، وتضمنت عشرين هدفا عاما، كل هدف يلبي متطلبات التحليل الرباعي المشار إليه، مع تطوير الهيكل التنظيمي ولائحة النظام الداخلي، وإنشاء خمس مفوضيات، وابتداع سبل جديدة للدعم المالي، مع العمل على زيادة دعم الاتحاد الأوروبي، ودعم مجلس شيوخ المنظمة إلى جانب دعم الرعاة الدوليين.

كما اعتمدت الخطة التواصل بكافة أشكاله المبتكرة أساساً للتشغيل، مؤكدة أهمية تطوير الموقع الإلكتروني، وإنشاء قاعدة بيانات عريضة تجعل من تدفق وتبادل المعلومات والبيانات والأخبار بين القارات والدول والأقاليم وفروع المنظمة بكل بلد من بلدان العالم أمراً متاحاً ويسيراً وبدون أية تكاليف. وبجانب ذلك سيتم التركيز على الدول الفقيرة التي لم تنل حقها من الدعم، على اعتبار أن البارز في الواجهة هي الدول الكبرى، فيما تفتقر الدول الصغيرة إلى الإمكانيات، وبدورنا نريد تعزيز دور فرق الفنون الاستعراضية الخاصة بالدول الفقيرة التي تفتقر إلى الاهتمام بتراثها الشعبي، وإبرازها في الواجهة وصولاً إلى مرحلة التنافس.

ما هو نوع الدعم الذي يمكن أن يوجه إلى الدول الفقيرة؟

- دعمنا للدول الأعضاء دعم لوجستي، فالدول هي التي تتقدم إلينا بالطلب بدايةً، ثم تقوم المنظمة بدراسة الحالة، وتقديم المقترحات والبرامج والمستشارين والأفكار، ودفع الدول في الاتجاه الصحيح؛ للحفاظ على تراثها الشعبي.

وعربيّاً، ما هو مقدار استفادة الدول العربية من المنظمة على مدى العقود السابقة؟

- مصر والسودان استفادتا كثيراً وكذلك الأردن وموريتانيا، وبشكل عام فإن أحد أهداف خطة السنوات الأربع المقبلة للمنظمة يتمثل في تقوية المجموعة العربية في المنظمة، التي هي حاليا مجموعة ضعيفة ومفككة نتيجة الظروف السياسية الراهنة. وتأمل المنظمة أن تقدم الدعم العلمي في مجال تدريب معلمين لتدريس مادة الثقافة الشعبية كمادة إثرائية في مناهج التربية بالمدارس العربية، وأن تساعد على التخطيط للقيام ببحوث ميدانية لجمع وتدوين مواد التراث الشعبي، إلى جانب المساعدة في تنظيم وإغناء وتنويع المهرجانات الاحتفالية لفرق الفنون الشعبية والمساعدة في تأسيس فرق للفنون الشعبية بالدول التي تفتقر إلى مثل هذه الفرق، إلى جانب تشجيع الدول على تنظيم معارض للحرف والصناعات التقليدية، والعمل على تطوير وربط الحرف التقليدية بحركة التنمية الصناعية بالبلدان القادرة على ذلك.

هذا الاشتغال المتنوع، في إدارة منظمة دولية بهذا الحجم تعمل على الساحة العالمية، ألا ترى أنه سيشغل جُلَّ وقتكم، ويصرفكم عن إبداع الشعر؟

- هناك آلية تنظيمية عريقة لإدارة المنظمة جربت على مدى سنوات، وليس رئيس المنظمة وحيدا يتولى إدارة المنظمة، وإنما هو على رأس فريق من الاختصاصيين والخبراء الإداريين، فللرئيس اثنان من نواب الرئيس، إلى جانب أمين عام وأمين عام مساعد وأمين مالي، وإداريا تقسم المنظمة العالم إلى قارات، ولكل قارة رئيس، والقارة تقسم إلى أقاليم، ولكل إقليم مدير تنفيذي، والأقاليم تقسم إلى فروع بكل بلد يشرف عليها مسئول محلي. أما الشعر فهو سيد كل المواقف، حاضر معي أينما حللت، ينحي جانبا كل شيء عندما يريد. وبمناسبة الحديث عن الشعر، أعد لإصدار مجموعة شعرية جديدة بالفصحى خلال الشهور الثلاثة الأولى من العام الجديد، وهي تختلف عن كل ما كتبته من شعر.

حدثنا عن مستوى الاستفادة البحرينية من المنظمة؟

- طوال عملي مع المنظمة، كنت ألتزم بتقديم تقرير لمؤتمرها السنوي يختص بحركة ما أنجز في ميدان التراث في البحرين، وكنتُ أركز في التقارير على أن البحرين هذا البلد الصغير في منطقة الخليج، بوتقة انصهار حضاري في منطقة متوسطة جغرافيّاً بين الشرق والغرب، استقبلت هجرات من إفريقيا ومن فارس ومن السواحل، عبر هذه الهجرات تم استقبال العديد من الفنون الوافدة، وإعادة صهرها وتوظيفها، وبموازاة ذلك، بينت للعالم على مدى السنوات أن هذا الشعب (البحريني) بدل أن يرفض هذه الفنون استقبل هؤلاء الناس واستقبل فنونهم وقبل بها، لكن أجرى عليها تحويراً يلائم مزاجه، فمثلاً رقصة الطنبورة التي أساسها جنائزي حيث ترقص في إفريقيا وقت الحزن والموت، كان مزاج شعب البحرين لا يجمع بين الرقص والموت، فللموت قداسته وحزنه، فحوَّل وظيفة هذا الفن ليجعل منه فنًّا للفرح والأعراس، بحيث تم تحوير الكلمات السواحلية الحزينة إلى كلمات أغان جميلة واستخدمها للرقص واستخدم الجربة والليوة...الخ. إن بعضاً من آثار العادات الوثنية مازالت موجودة في التعامل مع آلة الطنبورة إلا أنها ظلت محصورة فيما تبقى من الفئات التي قدمت إلى البحرين وهي آخذة في التلاشي.

لقد تم إبراز البحرين كدولة تنوير تستند إلى تاريخ وحضارة عريقة، وأُبرز شعبها الكريم كعنصر إنساني نبيل منفتح على كل ما بالكون من أفكار وفنون، متحلياً بقدرة هائلة على التفاهم من أجل السلم العالمي مما هيأ البحرين لأن تكون العام 2007 مقرا للمكتب الإقليمي للمنظمة الذي تولى بنجاح إدارة فروع المنظمة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وتسهم المنظمة منذ العام 2008 في تقديم خدمة لوجستية كبيرة من خلال تعاونها مع مجلة «الثقافة الشعبية»، إذ أوصلت أعداد المجلة إلى 161 بلداً، الأعضاء في المنظمة، مما فتح آفاقا جديدة أمام مجلة عربية بحرينية، لأن تكون بهذا الانتشار على الكرة الأرضية. كما شاركت المنظمة في تعاضد مع الثقافة الشعبية لتقديم استشارات علمية إلى إدارة المناهج بوزارة التربية والتعليم لإعداد المنهج الإثرائي في المدارس الثانوية بمملكة البحرين، وهو إنجاز يُعدُّ الأول من نوعه لمملكة البحرين في الوطن العربي.

تحدثت عن بداياتك مع المنظمة، فكيف هي مع الاهتمام بالتراث؟

- منذ منتصف ستينات القرن الماضي كان اهتمامي بالتراث البحريني، وكان لي شرف مرافقة البروفيسور الدنماركي بول أولسون، المتخصص في علم موسيقى الشعوب، والذي جاء إلى البحرين قاصداً الدور الشعبية، وتسجيل التراث الغنائي لبحارة صيد اللؤلؤ، فأتاحت لي فرصة مرافقته تعلم أساليب الجمع الميداني، وكيفية التسجيل، وما لفت نظري، وكنت وقتها طالباً في المرحلة الثانوية، هو كيفية جمع المادة، فتفتحت عيني على أنَّ هذا التراث الذي أعشقه له قيمة عالمية، والناس يقصدونه من بلد إلى آخر.

بعد ذلك قدم إلى البحرين البروفيسور سايمون جارجي، وهو عميد الدراسات العربية والاسلامية في جامعة جنيف، وعلى يده تعلمت الكثير، وأستطيع القول إن هذين الشخصين (عجناني وخبزاني) بالمادة التراثية وأشعلا لدي الانتباه إلى أهميتها، وأن جمعي العشوائي لهذه المادة ليس صحيحاً، وبالقراءة والاطلاع على المؤلفات العربية في هذا الميدان تعمق لدي الدرس، وتأكدت القناعة بأن هذا التراث يجب أن يجمع ويوثق بأساليب وطرق ومناهج علمية متخصصة. وقد أجريت العديد من الأبحاث الميدانية في الخليج والجزيرة العربية لجمع نصوص الموال ودراسة فنون الغناء الشعبي والتعرف على أصول ومنابع الشعر النبطي.

وكيف كان الحال قبل المرحلة الثانوية؟

- النواة جاءت من البيت، فوالدتي من حفظة (الموال)، حتى يمكنني وصفها بالـ «ذخيرة في حفظ الموال»، فقد كانت تحفظ كمّاً هائلاً من المواويل، وكنت أستقبل هذه المادة وأحفظها منذ طفولتي، ولم يقتصر الأمر على الوالدة، فهناك الخال والأهل جميعهم من حفظة الشعر.

بالتأكيد نتحدث هنا عن البيئة المحرقية؟

- نعم، لبيئة المحرق تأثير دون شك، كان الشعر موجوداً في البيت الذي نشأت فيه، لم يكن أصحابه شعراء لكنهم كانوا حفظة للشعر، والشعر له منزلة كبيرة عندهم، فحين يجلسون للدردشة يتطارحون الشعر ويتناقلونه، وكنت مستمعا جيدا. ومن هنا بدأ شغفي الشعري، إلى الحد الذي كانت فيه ذاكرتي مشحونة بهذه الروايات الشعرية، ومن هنا بدأ اهتمامي وبدأت أقصد الفرق الشعبية والدور الشعبية للتعرف على رواة الشعر وممارسي الفنون، ومن هنا كانت البداية.

الحديث عن سيرة علي عبدالله خليفة مع التراث، يظهر (محظوظيته) بالبيئة المحيطة؟

- نعم، فالظروف الصعبة خدمتني كثيرا وكذلك الصدف، وقد هيأها الله سبحانه وتعالى لي، فحتى في المدرسة، فمن درسوني اللغة العربية كانوا أساتذة من فقهاء اللغة العربية وأشدهم صرامة وغيرة على اللغة العربية الفصحى، وكنت قبلها لدى كتاب السيدة الجليلة لطيفة بنت عبدالله بن سليم التي اجتهدت في تحفيظي القرآن الكريم. وأتذكر في مدرسة الهداية الخليفية (المرحلة الابتدائية) عبدالله الطائي، الأديب العماني الكبير وصاحب الشخصية المهيبة، وكان وقتها معلما بالمدرسة، كيف تجرأت أمامه لتقديم ورقة تتضمن محاولة شعرية أولى، فقرأها ثم أعادها إلي بابتسامة دون تعليق. فاعتقدت أنها لم تعجبه، وبعد سنوات نشر في آخر صفحة من كتاب له عن أدباء الخليج أنه التقى طالباً في ساحة مدرسة الهداية الخليفية أثناء عمله بالتدريس في البحرين، قدم إليه ورقة بها محاولة شعرية وذكر اسمه فلاناً بن فلان استشف منها روح الشعر، وتوقع أن يكون له مستقبل كشاعر.

حسناً سنُعرِّج بصورة مفصلة أكثر على تأثيرات البيئة المحرقية، والتي يصفها البعض بعاصمة الفن البحريني.

- المحرق في ذلك الوقت، كانت مركزاً لصناعة الغوص لاستخراج اللؤلؤ، وهذه الصناعة متصلة بفنون الغناء الشعبي، أغاني العمل (أغاني البحارة)، كذلك لم يكن يكفي البحارة الغناء على ظهر السفينة، وانما عمروا لهم أماكن يجتمعون فيها، ويغنون ويمارسون الغناء، وليس فقط غناء العمل، وإنما الغناء الشعبي بصفة عامة كذلك.

المحرق كانت بؤرة نشاط فني غنائي، بدليل أن عبدالله الفرج، الشاعر الكويتي الشهير، والذي عاش في الهند وبعد ذلك ورث ثروة هائلة عن أبيه لكنه أضاعها، جاء إلى البحرين في مطلع القرن العشرين، وسكن في المحرق تحديداً في دار فنية يمارس فيها العزف على العود، وعبدالله الفرج من كبار شعراء النبط ومبدعي الموال، ومن الملحنين الكبار، ولأنه ملحن وعازف عود من الدرجة الأولى وفي نفس الوقت شاعر نبطي وشاعر موال، فقد تمكن من خلق جو غير عادي، وجاء بعده (أو قبله) محمد بن لعبون، الشاعر النبطي العملاق القادم من الجزيرة العربية، فقد جاء إلى البحرين، وأقام فيها وتمكن من خلق جو فني تألق فيه العزف على الطار وفنون السامري واللعبوني، وقد احتضنت البحرين هذه الفنون وأعطتها نكهتها البحرينية الخاصة.

والمحرق التي كانت عاصمة البحرين السياسية في البداية، امتازت بدور فني جعل منها بؤرة نشاط فني واجتماعي، وكان هناك نوع من الفرح في البحرين، وكانت المحرق تشكل الناس الذين يأتون للوناسة وتذوق الفنون الأصيلة في الدور الشعبية والأماكن و(الكشتات). فرق فنية موجودة بلا عدد بما في ذلك الفرق الشعبية النسائية والرجالية وفنانو العزف على العود وفن الصوت، فكانت المحرق البوتقة التي انصهرت فيها الكثير من فنون أقوام وأجناس عديدة.

هذا التراث المحرقي، النابع من (صانعة الفرح)، هل حفظ؟

- هذا تراث بحريني وليس تراث المحرق وحدها، فإلى جانب المحرق كانت هناك الدور الشعبية في الحد وقلالي والرفاع والبديع وغيرها من مدن وقرى البحرين. للأسف، بعضه سجل وبعضه ضاع، وما تبقى منه اليوم يتعرض للضياع، والى اليوم ليس بوسعنا عمل شيء، فقد فات الأوان لولا بعض الجهود الفردية هنا وهناك.

فعلى سبيل المثال في مجلة «الثقافة الشعبية» نقوم بدور متواضع في هذا المجال وبإمكانيات محدودة منذ 9 سنوات، لكن دورنا محدود وعلى قدر الامكانيات، وعلى رغم ذلك أؤكد دور العمل الفردي التطوعي الذي قام به باحثون من أمثال الراحل الشيخ محمد علي الناصري، مبارك عمرو العماري، عيسى جاسم، عبدالرحمن سعود مسامح، أحمد الفردان، حسين محمد الجمري، جاسم الحربان، محمد جمال وغيرهم، لكنها تبقى جهودا تقدم بقدر الإمكان في حين أن المهمة بحاجة إلى عمل علمي منظم تماماً كما فعلت سلطنةعمان على سبيل المثال.

لدينا في البحرين أجهزة معنية بالثقافة، لم لا تخطُ هذه الخطوة؟

- هذا شأن محلي، يخص حكومة مملكة البحرين وشعب البحرين، والمنظمة على استعداد لتقديم أية استشارات وبأية صيغة من صيغ التعاون، حين يطلب منها ذلك، أسوة ببقية الدول الأعضاء في المنظمة. وفي العادة تضع الدول المتقدمة استراتيجية وطنية للثقافة يكون من ضمنها حفظ وحماية الثقافة الشعبية.

لو حاولنا تشبيك هذه الجزئية مع عمل المنظمة الدولية للفن الشعبي، والتي تعمل على مد اليد إلى الدول، فهل يمكن أن يكون للبحرين نصيب من ذلك، تحديداً عبر وضع الاستراتيجية الثقافية الغائبة؟

- هناك قضايا وطنية ومحلية بحتة تخص الدول، فليس بوسعنا في المنظمة وضع استراتيجية ثقافية لدولة ما، فمثل هذه الاستراتيجيات تضعها مجتمعة الأطياف الثقافية والفنية والفكرية والتربوية المتعددة في كل بلد، بحيث تعبر هذه الاستراتيجية عن واقع وطموح محدد يتصل بالرؤية السياسية والاجتماعية والاقتصادية. وليس في مقدور المنظمة إلا المساعدة بتقديم الاستشارة في مجال التخصص اذا طلب منها ذلك. فعلى سبيل المثال هناك دول لديها فنون ذاهبة مهددة بالاندثار، وطلبت منا المساعدة في كيفية المحافظة عليها، وبالفعل كونا فريق عمل ميدانيّاً ذهب وقدم استشارات ثبتت نجاعتها. ولذا نقول إنه في حال تقدمت أية دولة لنا بطلب فنحن على أتم الاستعداد لتقديم المساعدة.

هل كان للعمل مع المنظمة الدولية للفن الشعبي تأثير على الداخل البحريني فيما يتعلق بالحفاظ على التراث؟

- العمل الحقيقي المتواصل في هذا الميدان يعزى إلى الجهود الفردية المتفرقة لباحثين وجامعين ميدانيين وممارسين لمجالات الفنون المختلفة، إلى جانب بعض الإنجازات الرسمية التي تبنت طباعة بعض الكتب المعنية بالثقافة الشعبية، والجهود الفردية منذ البداية جهود تطوعية للغيورين على هذه المادة العاملين على حفظها، وليس هذا الأمر مقتصراً على البحرين وإنما على كل الدول العربية، فالجهود الرسمية مبعثرة وغير جادة في الوقت الذي تضيع فيه المادة التراثية. ومرد ذلك في الأساس، إلى تلك النظرة الدونية التي أحيط بها منتوج الثقافة الشعبية وطبيعة منتجيها من المؤدين والعمال المشتغلين في المهن والصناعات التقليدية، حيث نظرة المجتمع بصفة عامة نظرة قاصرة تقلل من قيمة المنتج ونتاجه التقليدي.

وبدعم من جلالة الملك المفدى، وعلى مدى تسع سنوات، تمكنا من الاستمرار في إصدار مجلة «الثقافة الشعبية»، وهي مجلة علمية محكمة تشجع على جمع مواد التراث الشعبي ونشر الدراسات العلمية حولها والعمل على تغيير النظرة إلى طبيعة هذه المادة وتأكيد قيمتها الثقافية كمكون أساس لثقافتنا الوطنية. وقد نجحنا في إيصال هذه المجلة بست لغات إلى 161 بلدا بالتعاون مع المنظمة الدولية للفن الشعبي.

وهل لايزال هذا الفهم الخاطئ للتراث يأخذ مساحته، اليوم؟

- لا شك أن هذا الفهم الخاطئ تغير بعض الشيء، نتيجة جهود علماء وباحثين ومثقفين، لكنه لايزال موجودا لدى أوساط عديدة تكنه ولا تبديه. ثم إن التراث الشعبي عامل من عوامل تعرية المجتمعات وإظهار عيوبها الاجتماعية ومعتقداتها ورواسبها المتخلفة. ومن ما هو إيجابي أن بعض الجامعات العربية والخليجية التي كانت ترفض حتى مجرد الحديث عن الثقافة الشعبية صارت تدرس هذه المادة وتقبل البحوث التي تتناولها لنيل الدرجات الأكاديمية العليا، وهذا تطور إيجابي مهم.

هل تود أن توجه رسالة بهذا الشأن، ربما الى هيئة البحرين للثقافة والآثار؟

- مع كل الاحترام والتقدير، لا أوجه رسالة إلى أي طرف فقط أتحدث بشكل عام، هذه المادة يجب أن تجمع، وعلينا أن نسارع لجمع ما تبقى منها، وأوصي بضرورة تناول ذلك تناولا علميا تخصصيا، وأن تجمع المادة وتحفظ وتوثق بعيداً عن الأنانية، وبعيدا عن الأسماء، فنحن أمام عمل وطني يخص رافداً من روافد ثقافتنا الوطنية والعربية.

تحدثت عن مادة تراثية بحرينية «متجذرة وغنية، فهلا دللتنا على شواهد ذلك؟

- الشواهد كثيرة، وتطول الحياة الشعبية بشكل عام شاملة التراث الثقافي المادي وغير المادي في محاوره الأربعة التي أوردتُّها في بداية الحديث، ومنها الحكايات والأمثال والمواويل والأزجال، والتراث الغنائي ومنه رقصة المراداة وفن العرضة وفنون الصوت والسامري والخماري وأغاني الفرق النسائية والرحالية وأغاني الغوص للؤلؤ والحرف والصناعات التقليدية ومنها صناعة السفن التي لا تزال صامدة، وان كانت تحتضر، والكثير من الحرف اليدوية كـ (سف خوص النخيل) وصناعة القراقير وغيرها مما لا يسع المجال هنا لذكره، وحماية كل ذلك بحاجة إلى رعاية ورؤية علمية وفنية، وإلى إرادة سياسية تنحو إلى قرار ملزم.

وماذا عن نصيب الفن الشعبي تحديداً الغناء من كل ذلك، وقد نخص بالذكر هنا المحرق؟

- ليست المحرق وحدها من يمتلك هذا الرصيد، وإن كانت هذه المدينة العريقة بؤرة النشاط الفني لفترة من الفترات، لدى البحرين أهم رافدين في الغناء الشعبي هما فن الصوت وفن الفجري، ولدينا تراث نهامين عظام، إلى جانب تراث روافد غنية أخرى كفنون العرضة والسامري والخماري والبستات ورقصة المراداة هذا إلى جانب أغاني ترقيص الأطفال وأهازيج الألعاب الشعبية وغيرها كثير مما لا يسع المجال لذكره هنا.

فن الصوت لايزال باقياً وموجوداً لدى فئة من الشباب، لايزالون يتوارثونه، لكنهم بحاجة لرعاية مفقودة، وبالتالي لاتزال هناك فنون باقية وتؤدى، كفن الليوة وفن الجربة وفن الصوت والفجري، والباقي من الدور الشعبية قليل نتيجة نقص الرعاية، ومن المهم دعم الشباب الناشطين في ممارسة هذه الفنون عبر إقامة المسابقات، وعبر تنمية قدرات المواهب الشابة الجديدة ومنحهم الدافع والأمل، وتفريغهم لأداء هذه الفنون وتوظيف إبداعاتهم بإقامة مناسبات لأداء هذه الفنون أمام الجمهور بدل تقديمها في غرف مغلقة لجمهور محدود جدّاً.

على ذكر المحرق، هناك في قلالي سالم العلان، الشخصية الغنائية البارزة، والتي تمثل جزءاً من تراث البحرين الذي يحتاج إلى التخليد، من بين ذلك ما يقترحه البعض من تقديم مسلسل تلفزيوني يختص بسيرته، ما تعليقك؟

- النهام سالم العلان إحدى علامات الإبداع في تاريخ فنون الغناء البحري، ومن بعده ضعف أداء هذا الفن، ومجالات استلهام سير هؤلاء الرجال مفتوحة لتقريب الصورة إلى الأجيال المعاصرة، وأتمنى لو تم تناول سيرة هذا الفنان وفنانين آخرين لمعت أسماؤهم وارتبطت بفنون تراثية عريقة.

ماذا عن دور القطاع الأهلي تحديداً في حفظ التراث الشعبي، وأعني مؤسسات المجتمع المدني ذات الأنشطة الثقافية؟

- أرى أن هذه المؤسسات تعمل كلَّ ما بوسعها بشكل عام، حيث التراث جزئية صغيرة من جزئيات أنشطتها، إذ ليس لديها اهتمام خاص بهذا المجال الذي يحتاج إلى خطط عمل وكلفة تشغيل. وعلى سبيل المثال لا توجد لدى مملكة البحرين فرقة أهلية أو فرقة وطنية للفنون الشعبية أسوة بفرق الفنون الاستعراضية العالمية الموجودة في كل بلدان العالم، والتي تشارك في المهرجانات الدولية حاملة اسم بلدانها، وإن وجدت مثل هذه الفرق في البحرين فهي لا تملك امكانيات السفر وتكاليف المشاركات في المهرجانات العالمية، وهذا قصور واضح أتمنى يوما ما أن يلتفت إليه وأن تتم معالجته.

لو تحدثنا عن البحرين، التي تأتي المحرق كجزء منها، وجزء آخر هو المنامة وثالث هو القرى...، فأمامنا هذا التنوع في كل ما يتعلق بتراثنا الثقافي غير ماديٍّ تحديداً، كيف ترى قيمة ما تمتلكه البحرين في هذا الصدد؟

- ما أراه أن البحرين من أغنى الدول عمقاً رغم صغرها، وذلك لأنها كانت مرتكزاً لإبداع وتطوير العديد من الفنون، وهي شعلة من شعل النشاط البشري غير العادي، فإن جئت للحرف والصناعات تجد التنوع، وإن جئت للفنون تجد التنوع، وإن جئت لمجال الأدب الشعبي تجد الشعراء ومبدعي الموال والأزجال، وإن جئت لمجال العادات والتقاليد فتراها مترسخة وموجودة بمختلف تنوع الأطياف البشرية، بما يعني أن المادة التراثية متجذرة وغنية، ومن الخسران الوطني أن تضيع وتتبدد.

هل من كلمة أخيرة تود قولها؟

- ما أتمناه أن أوفق في قيادة المنظمة الدولية للفن الشعبي، والعمل على تحقيق الجزء الأكبر من خطتنا الطموحة، والتي هي بحاجة إلى فكر ووقت وإرادة قوية، كما أنها بحاجة إلى دعم. لدينا داعمون دوليون من مختلف أنحاء العالم بعضهم شركات وبنوك ومؤسسات، وأتمنى أن المنظمة ومن موقعها في البحرين أن تضع نفسها في وهج جديد، وتجعل ذاتها في قمة النشاط وقمة التألق، وعلى رغم شعوري بثقل المسئولية فإنني أيضاً على ثقة بأن البحرين على قدر التحدي، وستجعل مملكتنا من المنظمة شيئًا مختلفًا عما كانت عليه، ومن الآن يمكنني القول واثقاً: إن المنامة ستكون العاصمة المتميزة في قيادة المنظمة.

العدد 5231 - الأحد 01 يناير 2017م الموافق 03 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

شاهد أيضا