العدد 5237 - السبت 07 يناير 2017م الموافق 09 ربيع الثاني 1438هـ

أين نحن من هذه الابتكارات؟

جعفر الصائغ

باحث اقتصادي بحريني

جان كوم كرواتي الأصل، هاجر ووالدته إلى الولايات المتحدة الأميركية وهو في سن السادسة عشرة، هارباً من الوضع السياسي المعقد والمعيشة الصعبة في بلاده.

عاش مع فقراء كاليفورنيا في منزل يفتقر إلى أبسط الخدمات، مثل التكييف والماء الساخن والكهرباء والهاتف. عانى الحرمان والفقر المدقع بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. لا وظيفة، لا دخل، ولا شهادات أكاديمية.

كان يقف في الطابور الطويل في انتظار دوره لاستلام كوبونات الإعانة الحكومية. عملت والدته مربية أطفال، بينما عمل هو كنَّاساً ينظف أرضية محل للبقالة مقابل مبالغ زهيدة لتغطية نفقاتهم.

لم يأخذه الفقر إلى اليأس والكسل والاتكالية والانحراف. لم يكن مصيره الاستسلام للواقع الذي هو فيه، ولم تحوّله كوبونات الإعانة إلى إنسان فاشل غير إنتاجي يكره العمل، وغير مهتم بتطوير نفسه (مثل هذه الإعانات جعلت دولاً ومجتمعات إلى دول فقيرة فاشلة)، فلم يدمن المعونات والمساعدات الحكومية، بل على العكس تماماً، زرع في نفسه التحدّي لمواجهة الفقر الذي أذله وأبعده عن وطنه وهو في عنفوان شبابه، فقد قال للفقر كفى ظلماً وعذاباً، وحان وقت الفراق.

بدأ يحلم بحياةٍ أفضل، وبمهنة أو وظيفة لائقة تخرجه من الذل الذي هو فيه، ويهزم بها الفقر والحرمان، فوضع لنفسه رؤية وأهدافاً، وبدأ في التفكير في كيفية تحقيقها.

ذهب أولاً يبحث عن مواهبه وقدراته، فاهتم بقراءة كتب تقنية المعلومات، فتعلّم بنفسه علم أنظمة الحاسوب وبرامجه، وبسبب عدم قدرته على شرائها كان يستعير الكتب المستعملة ليقرأها ثم يعيدها. التحق بالجامعة إلا أنه وبسبب تكاليف الدراسة الباهظة اضطر إلى أن يعمل بدوام جزئي في إحدى الشركات.

استطاع أن ينمّي معرفته وقدراته في برامج الاتصالات المجانية، وبفضل ذلك بدأ التفكير في تأسيس برنامج يمنح الناس تواصلاً مجانياً.

وبالفعل وبالتعاون مع صديقه براين، تمكّن من ابتكار برنامج سمّاه لاحقا بـ»واتساب» (WhatsApp) حيث نجح في تطبيقه على أجهزة الاتصالات الشخصية، وتمكّن من تسويقه والحصول على مبالغ شهرية تقدر بآلاف الدولارات. وبدأ بتطوير التطبيق بشكل أوسع خارج أميركا، وحقق نجاحاً مبهراً في ذلك، وسرعان ما اشتهر البرنامج في جميع بقاع الكرة الأرضيّة.

إنه وبفضل شعبية هذا البرنامج، حقّق كوم صعوداً سريعاً، واستطاع البرنامج أن يخدم أكثر من 600 مليون مستخدم حول العالم في الشهر، ومع بداية العام الماضي وصل عدد مستخدمي التطبيق إلى نحو نصف مليار مستخدم. نعم! نجح كوم أن يجعل العالم كله يدمن على برنامجه بينما رفض هو الإدمان على الفقر.

في العام 2014 قرّر كوم وصديقه بيع ملكية البرنامج إلى شركة فيسبوك مقابل 19 بليون دولار، وهو ما يعادل 150 في المئة من ميزانية الإمارات العربية المتحدة، ما جعل كوم أحد أثرياء الولايات المتحدة الأميركية.

بهذا الإبداع، كوم لم يهزم الفقر فحسب؛ بل أعطى دروساً لا تنسى لكل من يعتقد أن الفقر أو فقدان الوظيفة عقبةٌ لا يمكن التغلب عليها. كوم أعطى دروساً لأمم ودول رضخت للفقر واعتمدت على المساعدات المالية.

إن مثل هذه الابتكارات التي غيَّرَت العالم ولعبت دوراً مهماً في تطور وتقدم البشرية، تجعلني أدرك تماماً أن ضعفنا الاقتصادي والمشاكل الاجتماعية التي نواجهها مثل البطالة، والفقر، وانخفاض الإنتاجية، هي نتيجة طبيعية لنظامنا التعليمي الذي أخفق في اللحاق بالمستوى الذي وصلت إليه البلدان المتقدمة في التعليم والتنمية البشرية.

لقد أدى إخفاقنا في التعليم إلى خلق بيئة اقتصادية استثمارية غير محفزة على العمل والابتكار. كما أن اعتمادنا المفرط على النفط جعل اهتمامنا بالإبداع أمراً ثانوياً، فلم يعد الإبداع والابتكار عنصرين أساسيين في العملية التنموية ونظامنا الاقتصادي، فليس هناك ضرورة لترسيخ ثقافة الإبداع والابتكار لدى طلابنا في جميع المراحل التعليمية.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الصائغ"

العدد 5237 - السبت 07 يناير 2017م الموافق 09 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 7:51 ص

      نعم التقدم يحتاج له مثابرة وجهود لااعرف الكلل واخلاص مع الذات ، لكننا مهما بلغنا فلن ننتج او نبلور موقف عزيز من اي ناحيه مثل الامم الاخرى ، وذلك لسبب الا وهو الفساد المستشري في الحكومات العربية وبعد الرؤية الطموحه والتعفن السياسي الخاضع للاهواء الشاذه والشخصيه البحته

    • زائر 2 | 2:24 ص

      عندما يقرا المرء قصص كهذه بتخيل عميق لاحداثها، يستطيع من خلال التخيل الاحساس بما مر به بطل القصة، وبديهي يصل القارئ الى نتيجة واحدة الا وهي: ان البشر يمتلكون اقوى قوة على الارض، وهي قوة "الاختيار".

    • زائر 1 | 9:03 م

      البيئة والثقافة العامة تنتج ما تفرزه. عندما يصل اجنبي إلينافإنه بتعلم عبارتين بسرعة لأنهمامتداولتان ومغروستان في الاذهان ومنذ قرون.
      الأولي ان شاء الله وتعني عمليا قوة اخري سوف تقوم بالمهمة.
      الثانية: خللي يوللي وتعني الاهمال.
      اي عقولنا مبرمجة ليقوم شخصا اخر بأعمالنا و الإهمال مرافق لكل تصرفاتنا و اعمالنا.
      لذلك بنينا مجتماعات بأيادي غيرنا. هربنا من العمل و التفكيرووكلناكل شيئ علي الأجنبي.
      اما تجليلناوتكبيرنا توجه نحو صاحب القوة و المال وهربنا العقول ليهاجروا و نتباهي بأصولهم ولم نرعاها.

اقرأ ايضاً