العدد 5243 - الجمعة 13 يناير 2017م الموافق 15 ربيع الثاني 1438هـ

الوزارة التائهة هناك

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

منصب وزير الخارجية في الولايات المتحدة الأميركية يختلف عن أيّ منصب مماثل له في التسمية. ليس هناك دولة ما حين يريد الرئيس الاستقالة أن يُقدِّمها لوزير خارجيته كما يحصل في الولايات المتحدة. وليس هناك دولة في هذا العالم يُرتَّب فيها وزير الخارجية ضمن جوقة المراكز الأربعة: الرئيس ونائبه ورئيسا مجلَسَيْ النواب والشيوخ ووزير الخارجية إلاّ في الولايات المتحدة.

هذه القوة مُنِحَت لـ وزارة الخارجية الأميركية منذ 228 عاماً عندما فُوِّضَت «رئاسياً» بما تمتلكه اليوم دون أن يكون للتعديلات الدستورية المتوالية منذ العام 1791 ولغاية العام 1992 أيّ أثر سوى تعزيزها، ومن تعيين الكونغرس لسفرائها. لذلك، تمتلك الوزارة من القوة التي تجعل بريطانيا حليفتها الأساس إلى جانب بنغلاديش في عدم منح القادمين منها حقاً ما للهجرة التعددية.

ولكل مَنْ يتابع السياسات الأميركية يرى حجم التقارير التي تُصدرها هذه الوزارة وفي مجالات شتى حول دول تختارها، من بينها دول حليفة. كما نرى حجم الإحاطة التي تمتلكها تعليقاً على ما يجري في العالم. فهي تعطي آراء مختلفة ومتباينة بشأن دول كبيرة وفي ذات الوقت بشأن دول فاشلة؛ بل وحتى بشأن جزر متناثرة في المحيطات، وتحذر رعاياها من أعمال إرهابية وخلافها حين تريد في كل بقعة من هذا العالم.

أمام هذه الصورة تبدو أزيد من 190 دولة تترقب أنشطة هذه الوزارة، والزيارات التي يقوم بها وزيرها بين الفينة والأخرى بطائرته البوينغ الضخمة. وفي الوقت الذي ينتظر فيه العالم الوزير رقم 69 لهذه الوزارة تبدو الأمور غامضة ومقلقة في آن واحد «للأميركيين» أولاً وللخارج «ثانياً» بعد كل هذه الجلبة والجدل المصاحب لفوز ترامب الذي ما يزال يجادل في الإعلام وكأنه ما يزال مرشحاً لم يفز. بالطبع مَنْ رشّحه دونالد ترامب لمنصب وزير الخارجية هو ريكس تيلرسون، الرئيس التنفيذي لشركة إكسون موبيل، لكن الحديث هو حول ما إذا كان تيلرسون قد اختار فريقه الذي سيخاطب به العالم بطريقة احترافية ومتجانسة. فالوزير يدير أكبر جهاز تنفيذي للإدارة، ما يعني أن بيروقراطيته تقتضي المواءمة ما بين وحدة الأهداف والتوجهات، وإلاّ أصبح الأمر معقداً.

لفتني مقال لـ جيمس مان في الـ نيويورك تايمز بشأن فريق ترامب للسياسة الخارجية. أهمية المكتوب تنبع من أهمية الكاتب. فـ مان يعمل في مدرسة جونز هوبكنز للدراسات الدولية المتقدمة. وكان له مؤلَّفات مهمة بشأن مستشاري بوش الذين قدموا له نصائح «الحرب» وكذلك عن جزء من تاريخ رونالد ريغان السياسي. المقال ناقد ويجعل أي سياسي أو متابع يتأمل فيما يفعله ترامب.

كانت بداية الانتقادات التي وُجِّهت لـ ترامب هو أن عيّن شخصاً (ريكس تيلرسون) لا يملك خبرة في مجال السياسة الخارجية، بل في مجالات صناعية كونه رجل أعمال وفي ذات الوقت مديراً لخامس أكبر شركة أميركية. لكن الانتقاد الآخر والذي يُعتبر أعمق هو علاقات تيلرسون القوية مع روسيا لأسباب تجارية. فـعدم الخبرة مع علاقة جيدة مع عدو «صريح» للولايات المتحدة أمران بالِغا الخطورة كما يعتقد خصومه.

والذي يبدو أن فريق الخارجية بأكمله سيكون على هذه الشاكلة. ويرى جيمس مان أن هذا الفريق يختلف عن أيّ فريق جمهوري. فجميع تلك الفرق السابقة للخارجية تكوّنت من أشخاص متمرّسين عملوا في إدارات سابقة، بعكس الحال مع فريق ترامب الذي أيضاً لا يملك خبرة جيدة. وحتى التعويل على الشخصيات العسكرية فيه هو أمر بعيد عن الواقع كون هؤلاء مرتبطين بمسائل عسكرية وليس الإجابة عن «أسئلة السياسة الخارجية النظرية والأكثر تجريداً» كما قال. هناك روسيا وإيران والصين كأهم دول خصمة، وهناك كم هائل من الحلفاء الذي لوّح ترامب بإعادة تعريف العلاقة معهم. كيف سيتم التعامل مع كل هذا المشهد في ظل فريق عديم الخبرة وفي ذات الأوان متباعد الرؤى! ففي الوقت الذي كان يُلوِّح فيه ترامب بأنه سيمزق الاتفاق النووي الإيراني، جاء بالجنرال جيمس ماتيس كي يكون زيراً للدفاع، وهو الذي كان مؤيداً بشدة للاتفاق مع إيران! بل إن الجنرال مايكل فلين الذي رشّحه ترامب ليكون مستشاره القومي هاجم «زميله المفترض» ماتيس في الموضوع الإيراني وفاح خبر مشاحناتهما على الملأ. ونحن نعلم أن اجتماعات الإدارة الأميركية عادة ما تتكوّن من: الرئيس ونائبه ومستشاره للأمن القومي ومدير وكالة الاستخبارات ووزير الدفاع وأيضاً وزير الخارجية، الذي سيجد نفسه وسط بيئة غريبة تشاطرها الكونغرس ورجال الأعمال والجيش! ليصبح السؤال: كيف يمكن للقرار أن يتبلور في ظل هذا التناقض القائم؟!

يُقارب مان هذا الحال بأحوال فريق ريغان الذي استبدل وزير خارجية جديد بمن كان يعمل معه بعد سنة ونصف فقط. ولم يغادر البيت الأبيض إلاّ بعد أن غيَّر مستشارَيْن للأمن القومي وبقي معه الثالث كتحصيل حاصل. وحتى مَنْ جاء إلى الخارجية وهو جورج شولتز كان دائم الخلاف مع وزير الدفاع كاسبار واينبيرجر كما يقول.

أما ترامب وعلاوة على ذلك التناقض في إدارته فسيتعامل مع الحال بعقلية رجل الأعمال الذي يجعل المحيطين به «يتناطحون» ثم يختار الفائز ويناصره. وهذا الأسلوب لا ينسجم مع السياسة الخاضعة لقواعد لعبة يمكنها أن تتغيّر لكن ليس بصورة عبثية. لذلك تبدو صورة وزارة الخارجية الأميركية القادمة غامضة وتبعث على القلق وهي تدير أكبر بلد في العالم له علاقة بمنطقتنا.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 5243 - الجمعة 13 يناير 2017م الموافق 15 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً