العدد 5245 - الأحد 15 يناير 2017م الموافق 17 ربيع الثاني 1438هـ

مصريون يبدعون تحت شعار: "الحاجه أم الاختراع"

يعمل عادل عبدالمقصود في مجال التجارة وهو مساهم في إحدى الشركات التجارية، غير أن ارتفاع مستوى الأسعار في مصر مؤخراً دفعه للبحث عن مصدر رزق آخر، يتجلى في تربية الأسماك في حديقة بيته الصغير.

 



بعد تحرير سعر الصرف في 3 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، فقد الجنيه المصري من قيمته مقابل الدولار بنسبة أعلى من 100 بالمئة،  حيث كان سعره رسميا 9 جنيهات ليصل إلى أكثر من 18 جنيها حالياً، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع خاصة مع الزيادة في أسعار المحروقات والضرائب والجمارك ومعظم السلع، وهو ما دفع ببعض المصريين للبحث عن سبل لتقليل النفقات في مواجهة ارتفاعات الأسعار خاصة مع عضو عدم الزيادة في الأجور، فضلاً عن الحديث الدائم عن اقتراب موجة  أخرى من الارتفاعات في الأسعار وما تصفه الحكومة المصرية بإجراءات "الإصلاح الاقتصادي".

في شهر يوليو/ تموز الماضي بدأ عبدالمقصود (51 عاما) مشروع تربية الأسماك على مساحة 36 متراً في حديقة بيته وكلفه ذلك نحو 9 آلاف جنيه، "الأمر مكلف في البداية لكنه يوفر دخلا بعد ذلك" كما يقول لـ"دويتشه فيله".

ويضيف أن المشروع "لبى حاجيات الأسرة من السمك ووفر مالاً فضلاً عن عدم الاضطرار لشراء سمك مجهول المصدر وتتم تربيته في مياه الصرف".

ويقول لـ "دويتشه فيله": "إن لم نزرع فإننا لن نجد ما نأكله وسنضطر لمد يدنا مستقبلاً، وإذا فعل كل الناس ما فعلته أنا سيكون هناك اكتفاء ذاتي، وستصبح مصر مصدرة، لأنه مشروع تجاري مربح".

زاد الإقبال في الأشهر الأخيرة على مشاريع الاستزراع السمكي (تربية الأسماك) في البيوت وفوق أسطح المنازل نظراً لحاجة الناس إلى مصادر أخرى.

مؤخراً ظهرت أيضا تطبيقات على الهواتف المحمولة في مصر لشراء البذور التي يمكن زراعتها وتسويق المنتجات التي يزرعها بعض المواطنين، حيث إنها تجتذب كل يوم المزيد من الاهتمام بسبب زراعتها من دون مبيدات.

الخبير بمركز البحوث الزراعية، أحمد توفيق يشرف على عدة مشاريع متطورة من الأكوابونيك وهي طريقة تربية الأسماك بجانب بعض المحاصيل الزراعية من خلال الاستفادة بفضلات الأسماك في تغطية التربة بشكل لا يسمح بتسمم الأسماك بسبب فضلاتها.

 

 

ويشرف توفيق أيضاً على مبادرة أكاديمية البحث العلمي لإعداد ونشر نماذج أعمال الزراعة التكاملية للمزارعين ورواد الأعمال والتي يتم تنفيذها على أسطح البيوت أو مزارع تجارية، ويقول إن هذا المشروع المتكامل يكلف نحو 80 ألف جنيه لمساحة مئة متر فقط، ويدر مكسباً أكثر من 8 آلاف ونصف شهرياً.

إنه مبلغ كبير نسبياً، لكن في بعض الحالات يشارك أفراد الأسرة في توفير المبلغ والقيام بمثل هذه المشاريع.

 

مشروع صغير لتوفير مكونات السلطات

 

يعمل يسري محمد مدرساً، إلا أن ارتفاع الأسعار في مصر مؤخراً دفعه إلى الاستفادة من خبرته الضئيلة في الزراعة لبدء مشروع صغير على سطح بيته لسد بعض حاجيات أسرته.

بدأ يسري في جمع معلومات عن الزراعة كما سأل تخصصين حول تطوير مشروعه، وتساءل "لماذا لا أقوم بتربية السمك على سطح البيت ويصبح لدي مشروعي الخاص؟".

يقول يسري لـ "دويتشه فيله" "بدأت في تنفيذ التجربة في شهر أغسطس/ آب الماضي بعد أن بدأت الأسعار في الارتفاع بشكل مبالغ فيه واكتشفت أنها أمور سهلة وتوفر أشياء كثيرة ولا تأخذ وقتاً ومجهوداً كبيراَ وفي نفس الوقت نحصل على خضروات طازجة أولاً بأول من دون أي مبيدات، وأعتزم تطوير المشروع حتى يكون مربحاً".

ولم تكن فكرة الزراعة على الأسطح في مصر بجديدة إذ بدأت مع الألفية الجديدة من القرن الحالي، لكن ارتفاع الأسعار أدى إلى الاهتمام بالفكرة في الأشهر الأخيرة بشكل أكبر، كما يقول المتخصص في الاقتصاد الزراعي، أحمد حنفي والذي أطلق في شهر فبراير/ شباط الماضي "الحملة القومية لزراعة مليون سطح أخضر في مصر" وأنشأ صفحة لها على الـ "فيسبوك" وصل عدد متابعيها إلى أكثر من 85 ألف.

وتنشر الصفحة معلومات عن الطرق البسيطة للاستفادة من شرفات الشقق وأسطح المنازل من خلال زراعتها لتوفير منتجات السلطة بشكل عام مثل الجرجير والخس والبصل والطاطم، ويشرف عليها عدد من المتطوعين المستعدين للإجابة على تساؤلات المتفاعلين مع الصفحة حول طرق الزراعة أو متابعة ما يتم تنفيذه، كما تنشر نماذج مصورة أرسلها مواطنون لهم بعد تنفيذ الارشادات.

 


ويقول حنفي لـ"دويتشه فيله" إن الحملة في بداية مراحلها الأولى من خلال نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي وتنظيم دورات توعية مجانية في الكليات والمدارس والنوادي ومنظمات المجتمع المدني للتعريف بزراعة الأسطح وأهميتها اقتصاديا وبيئيا وحتى نفسيا واجتماعيا. وهناك متطوعون يساعدون الراغبين في تنفيذ الأفكار، وهو ما يؤدي أحيانا إلى توفير فرص عمل لبعض المتطوعين.

ويلاحظ حنفي إن الدولة لم تهتم بالحملة ولا بالتواصل معها منذ أن بدأت قبل 10 أشهر، رغم الإفادة الاقتصادية والبيئية.

 

الاستفادة من جريد النخيل

 

مؤخرا نجح فريق بحثي مصري، أغلب أعضائه من المهندسين الشباب، في تحويل جريد النخيل إلى مجموعة متنوعة من المنتجات البديلة للخشب مثل ألواح الأرضيات (الباركيه) والأدوات المنزلية، بأدوات مصرية كاملة تحول الجريد لأشكال معينة قاموا بتصميمها وتنفيذها.

ويقوم (مشروع جريد) على استخدام منتجات ثانوية من النخيل مثل الجريد في إنتاج منتجات خشبية. ويشكل المشروع نموذجا لاستخدام المخلفات الزراعية بطريقة مبتكرة، بدلا من استخدامها في تصنيع منتجات أخف أو حرقها بديلا للوقود.

بعد تحرير سعر صرف الجنيه المصري مقابل الدولار أصبح استيراد الخشب مسألة صعبة الأمر الذي تسبب في ارتفاع أسعار المنتجات المصنوعة من الخشب وحدوث مشكلة في السوق.

 

"لماذا لا نعود للمقايضة؟"

 

ويقول الصحافي المتخصص في مجال الزراعة هيثم خيري لـ"دويتشه فيله": "نحن الذين نقرر ما إذا كنا ننظر إلى المخلفات الزراعية بلا قيمة أو أنه يمكن تحويلها إلى منتجات بإعادة تدويرها... فمصر كانت تحرق حتى سنوات قليلة جدا ملايين الأطنان من قش الأرز وكان ذلك يتسبب في ظهور السحابة السوداء، إلى أن بدأ البعض مؤخرا في الاستفادة منه بتحويله إلى سماد أو إدخاله في بعض المنتجات مثل حشو المراتب بدلاً من إحراقه".

وبشأن مدى فاعلية وفرص نجاح الأفكار المطروحة قال صبري "ليس هناك طريق آخر لنجاحها واستمرارها في ظل الظروف الاقتصادية التي تعيشها مصر... إنتاج الغذاء الذاتي ممكن، فهذه هي الفطرة والطبيعة. الإنسان البدائي كان يعيش على الزراعة، وهذا بالتوازي أيضا مع فكرة المقايضة".

ويوضح صبري أن "المقايضة قد تكون حلا عقلانيا الآن وليس غدا، بمعنى أنه لسنا مضطرين للتعامل بالعملة في كل شيء، لماذا لا نتعامل بتبادل المصالح والخدمات والسلع، فمثلا أنا أملك سيارة وأستطيع إيصال شخص معين لمكان عمله إذا كان ذلك مناسبا لي، مقابل تقديم دروس الرياضة مثلا لابني ".





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً