العدد 52 - الأحد 27 أكتوبر 2002م الموافق 20 شعبان 1423هـ

قناص واشنطن ... ومسرح موسكو

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ماذا يجمع بين القناص جيمس محمد وزميله جيمس مالغو في واشنطن وقائد المجموعة الشيشانية موفسار باراييف في موسكو؟

لا شيء تقريبا. فالقناص ينتمي إلى اقلية اميركية من السود الافارقة، وقائد المجموعة الشيشانية ينتمي إلى اقلية روسية من المسلمين. والفارق بينهما اكبر من تلك المسافة التي تفصل واشنطن عن موسكو.

مع ذلك هناك من يحاول ان يقيم رابطا بينهما. وربط المسافة يسهل عملية الهجوم على الاسلام والمسلمين. وهي عملية مستمرة منذ اكثر من عقد كتبت خلالها مئات البحوث والدراسات وكلها انصب على اظهار فكرة ان الاسلام عقيدة تشجع العنف. وان العنف مسألة ثقافية وليست نتاج «فعل اشخاص يائسين» انسدت امامهم سبل التقدم الاجتماعي أو الحرية السياسية. ما يجمع بين قناص واشنطن ومجموعة الشيشان في موسكو ليس المسافة، فهي بعيدة، بل المناسبة وهي استكمال الهجوم على الاسلام والمسلمين تحت عنوان فرعي جديد: مجزرة مسرح موسكو. والمسرح بحاجة إلى مخرج وابطال ورواية وجمهور وكلها توافرت حين اقدمت المجموعة الشيشانية على ارتكاب فعلتها. والنهاية الدرامية للمسرحية ستطلق الكثير من مشاعر الكراهية ضد شعب كتب عليه القتال من دون توقف قبل اكثر من عقد من الزمن. قناص واشنطن اقل مسرحية لكنه اقرب إلى فيلم بوليسي اميركي فيه الكثير من الاثارة والقلق والتوتر وينتهي عادة بانتصار الخير على الشر وسعادة الناس والرئيس من النهاية التي انقذت الابرياء من الوحوش. إذا هناك بعض الشبه الثقافي بين الفيلم الاميركي في واشنطن والمسرحية الدرامية في موسكو وهي اعادة انتاج سيناريو الحرب (الهجوم) على الاسلام والمسلمين تحت عنوان مشترك: ثقافة العنف.

العنف، كما يحاول البعض ان يقول، هو مسألة ثقافة وليست له صلة بالسياسة أو القهر الاجتماعي. هذا البعض يقول ان معظم شعوب العالم مقهورة سياسيا واجتماعيا إلا ان معظم العنف ينطلق من الشعوب الاسلامية من افغانستان إلى الشيشان ومن السودان إلى لبنان. ويستنتج هذا البعض: إذا الاسلام وراء ثقافة العنف، فهو الذي يبررها وهو يغذيها بعناصر القوة ويرفدها بالايمان ويشبعها بالتعصب. هذا البعض يرى نصف الحقيقة ويتجاهل النصف الآخر.

فالبعض هذا لا يريد ان يرى جوانب اخرى من المسألة، أو النصف الآخر منها. النصف الآخر هو المهم وربما الاهم في قراءة تعقيدات الموقف. لأنه يعبر عن الازدواج أو القلق الداخلي الذي يولد العنف.

اسم القناص هو جيمس محمد. النصف الاول يشير إلى ان الشخص مسيحي وهو يعارض أو لاينسجم مع النصف الثاني من الاسم: محمد.

هذا الازدواج الاسمي يضاف إليه الازدواج بين اللون والثقافة. النصف الاول هو من الافارقة والثاني اميركي الجنسية. فجيمس محمد هو: مسيحي، اسود اميركي، ومسلم. ومسلم اخيرا، لأن اسلامه كما يبدو ليس موروثا بل هو حديث العهد به وسبق له ان حارب في حرب الخليج الثانية مع القوات الاميركية ضد العراق. فهو ايضا مقاتل وتدرب سابقا في الجيش الاميركي. وايضا يمكن تفصيل اسم قائد المجموعة الشيشانية موفسار باراييف وتفكيكه إلى اجزاء وصولا إلى «ييف» الروسية. وهي تضاف على كل الاسماء للدلالة على الانتماء إلى هوية عامة ومشتركة. وهذه الهوية المشتركة في نهاية كل اسم ليست بالضرورة تعبر فعلا عن هوية مشتركة. فهي ايضا تعاني من القلق والتوتر والازدواج كحال جيمس محمد في واشنطن. إذا هناك مشكلة لا صلة للإسلام بها. المشكلة ليست في الدين وانما في الثقافة الخاصة. فالقناص هو نتاج ثقافة اميركية قامت على قهر الغالبية للاقلية داخليا على رغم ان الدستور يساوي بين فئات المجتمع. وقائد المجموعة هو نتاج سياسة التدمير والاقتلاع التي مارسها الكرملين ضد المسلمين منذ القرن التاسع عشر في مختلف عهوده. فالشيشان وغيرهم تعرضوا لعمليات إبادة عسكرية في ايام روسيا القيصرية ثم روسيا السوفياتية (ستالين دمر 16 ألف مسجد في مناطق الجمهوريات المسلمة) واخيرا في عهد روسيا الجمهورية. فالقهر مترافقا مع إلغاء الهوية (في حال روسيا) أو التمييز بسبب الهوية وبشرة اللون (في حال اميركا) كلها عوامل اساسية تولد تاريخيا عناصر العنف أو تبرر سياسيا ثقافة العنف. فالعنف في روسيا ليس جديدا والمسألة الشيشانية تضرب جذورها إلى عهد القياصرة وايام الامام شامل الذي جاهد دفاعا عن امته وملته. والعنف في اميركا ليس جديدا ومسألة التمييز العنصري كانت ولاتزال شعار مجموعات آل «واسب» التي تتعارض مع جوهر الدستور الاميركي. فالشيشاني ينتمي إلى هوية ممسوحة والافريقي ينتمي إلى هوية مقتلعة.

ماذا يجمع بين قناص واشنطن وقائد مجموعة مسرح موسكو؟ لاشيء تقريبا سوى القهر واليأس

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 52 - الأحد 27 أكتوبر 2002م الموافق 20 شعبان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً