العدد 5254 - الثلثاء 24 يناير 2017م الموافق 26 ربيع الثاني 1438هـ

مَنْ يُعِنْ يُعَنْ

جاسم الموالي feedback [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

حضر مجموعة من المتدربين من الأخوة السودانيين دورة تدريبية في البحرين قبل بضع سنوات، وروى لي أحدُهم هذه الحادثة عن رعاية الرؤساء مرؤوسيهم فقال:

كان الأستاذ كامل الباقر رئيسًا لجامعة الخرطوم، وكان هناك طفل يعمل كمزارع في حديقة الجامعة، ويُكَلَّفُ بين حين وآخر بتزويد مكتب رئيس الجامعة ببعض الزهور. لاحظ الباقر أن هذا الطفل لا يجيد القراءة، ولكنه يعرف قراءة الأرقام فقط. سأله لماذا لم تدخل المدرسة، فأجاب الطفل بأنه نشأ في عائلة فقيرة لا تستطيع تحمل نفقات إرساله للمدرسة. فسأله إذاً كيف تعلمت الأرقام، قال بمجرد الملاحظة وسؤال بعض أترابي. كما لاحظ الباقر بأن هذا الطفل تبدو عليه علامات النباهة في حديثه وتصرفاته.

أوعز الباقر لمدير مكتبه بأن يتكفل بتسجيل الطفل في مدارس محو الأمية والإشراف على سير دراسته، وتنبأ بأن هذا الطفل سيكون من المتفوقين.

بعد بضع سنوات من الدراسة أكمل الشاب المرحلة الابتدائية، والتحق بالمرحلة المتوسطة (منازل) بتشجيع من رئيس الجامعة، ثم الثانوية والتي أكملها بتفوق. احتفل رئيس الجامعة في مكتبه بتخرج الشاب وغيَّر وظيفته إلى وظيفة كاتب، ثم ألحقه بالدراسة الجامعية الأولى في جامعة الخرطوم فأتمها بامتياز، بعدها عَمِلَ مُعيدًا لمدة عام واحد، ثم حصل على بعثة من جامعة الخرطوم لدراسة الماجستير، ومِنْ ثَمَّ الدكتوراه في بريطانيا، حيث أكملها بامتياز مع مرتبة الشرف، ثم عاد ليعمل أستاذًا مساعدًا في جامعة الخرطوم، كل ذلك ببركة ورعاية الأستاذ كامل الباقر.

كان لتغير مستوى تعليم ذلكم الشاب، وكذلك تغيير مهنته أثرًا طيبًا على الشاب نفسه، وعلى أسرته، وعائلته وقريته ووطنه.

وبغض النظر عن الإشكالات التي قد تطرح عن مدى استمرار الباقر كرئيس للجامعة طوال هذه الفترة، والمعروف أن رئيس الجامعة عادة ما يُعيَّن لمدة عامين، وقد تجدد مرة أو مرتين وليس أكثر من ذلك. ويمكن الإجابة عن هذا الإشكال بأن الباقر ربما كان رئيسًا لأحد الأقسام في بداية الحادثة، ثم عميدًا لكليةٍ لفترة أخرى، وبعدها رئيسًا للجامعة.

وأيًا كان، وبعيدًا عن التفاصيل، فغرضنا من سرد الحادثة هو أخذ العبرة منها في الرعاية التعليمية، وأثرها على الفرد والأسرة والمجتمع والدولة والعالم.

ولقد روى لي متدربون آخرون من سلطنة عُمَان الشقيقة حادثة مماثلة عندهم في جامعة السلطان قابوس.

والسؤال، هل يتعذر على أحدنا تَبني عَمَلٍ مثل هذا؟

تخيَّل أن اسمك عقيل، فهل يسرك أن تسمع أحدهم يقول أنه عمل مع عقيل هذا، لمدة 10 سنوات، لكنه لم يتلقَ من عقيل هذا أي دعم أو رعاية أو تطوير. هل يسرك أن تسمع مثل هذا الكلام؟

ولا يفوتني أن أشيد بمشروع المرحوم الحاج حسن العالي في مجالي التعليم والإسكان، وأتمنى أن يحذو ذووه، والتجار الآخرون حذوه.

في الغرب اعتاد بعض الأساتذة الجامعيين تخصيص كرسي أكاديمي -على نفقته- لكفالة أحد الطلاب الجامعيين من الأسر الفقيرة ورعايته، حتى يُكمل برنامجه الجامعي، ويُنصحُ هذا الطالب بعد تخرجه وحصوله على عمل بأن يحاول أن يتكفل بنفقات طالب جامعي غيره، كما تلقى هو الدعم، وهذا تذكير لأساتذة الجامعات -الحكومية والأهلية والخاصة- عندنا في البحرين بأن يتبنوا هذا الاتجاه في رعاية الطلبة المحتاجين. وأعرف طبيبًا لديه كرسي جامعي دائم لمساعدة أحد أبناء قريته، فجزاه الله خيرًا.

وتسأل هل من الأفضل أن يكون هذا العمل علنيًا أم سريًا؟

ويجيبك القرآن الكريم بقوله:

(إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ).

وأيضًا: (إنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ وَأقامُوا الصَّلاةَ وَأنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُم سِرَّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ).

فما دامت النية خالصة، فالجهر بعمل الخير ممدوحٌ وأفضل منه إخفاء هذا العمل. وفي الحديث الشريف:

«إن أفضل ما يتوسّل به المتوسلون الايمان بالله... وصلة الرحم فإنها مَثْراة للمال، منساة في الأجل، وصدقة السر فإنها تطفئ غضب الله عز وجل، وصنايع المعروف فإنها تدفع ميتة السوء وتقي مصارع الهوان.

أما فضل صدقة العلانية فقد ورد أن: صدقة العلانية تدفع سبعين نوعًا من البلاء».

وورد أيضًا، وصَدَقةُ السِّرِّ فإنّها تُكَفِّرُ الخَطيئةَ، وصَدَقةُ العَلانيَةِ فإنّها تَدفَعُ مِيتةَ السَّوءِ.

فلندعم الطلبة سرًا -فذلك أفضل-، وجهرًا. والدعم جهرًا أفضل إذا كان في ذلك تشجيع للغير في تبني ذلك السلوك.

وقد تسأل ما دور التجار والأغنياء، وما دور الجمعيات الخيرية في هذا الشأن؟ وما دور الأخ الأكبر في رعاية إخوته وأخواته، وكفالتهم لإكمال دراستهم الجامعية؟

حدثني صديقٌ يُدعى أبا نبيل عن تجربته عندما كان رئيسًا للصندوق الخيري في قريته، أنه كان يوصي الطلبة الذين يساعدهم الصندوق وقتها في إكمال دراساتهم الجامعية - بعد تخرجهم وحصولهم على وظيفة- أن يكفلوا غيرهم ولو على سبيل القرض، فيقومون بتمويل طالب آخر ليكمل دراسته الجامعية -حتى وإن كان من أقاربهم-.

ولعل أبناء جيلي يتذكرون ما تعلمناه في المرحلة الابتدائية من قول الشاعر:

هذا هو المعروف يا أهلَ الفِطَنْ

الناسُ للناسِ ومَنْ يُعنْ يُعَنْ.

إقرأ أيضا لـ "جاسم الموالي"

العدد 5254 - الثلثاء 24 يناير 2017م الموافق 26 ربيع الثاني 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 11:42 م

      مساكين الطلبه يقهرون من الجامعه بعدم حصولهم على التخصص الذي يريدون دراسته رغم تحصيلهم العلمي المتفوق ويدرس الطالب مرغما في التخصص الذي فرض عليه ويتفوق فيه ويتخرخ وبعدها يقهر اما في وظيفه لاتناسب تخصصه الذي درسه وبراتب ظئيل أو أنه يكون بدون وظيفه هذا حالنا في مملكتنا

اقرأ ايضاً