العدد 5255 - الأربعاء 25 يناير 2017م الموافق 27 ربيع الثاني 1438هـ

قصة قصيرة... طيران

لطيفة راشد حمد - قاصة بحرينية 

تحديث: 12 مايو 2017

أنتِ سجادتي التي نسجتها بخيوط الشوق المتواري داخل غياهب قلبي، أرجوكِ لا تحرميني مسككِ الذي يقذف في قلبي كل شعورٍ خدر، أنتِ طفلتي التي كَبَّرتُها بيدي عندما اجتثثتها كشجرة عنيدة قد زُرعت داخل رحم هواجس القلب المنفطر، فديتُ حروف اسمكِ، فالكاف يعني كُلي فداءٌ لكِ، التاء ومعناه تألقي في سماء أحلامي يا حُلوتي، الألف يعني أُحبكِ يا شمعةً أحرقت قلبي حُباً، الباء ومعناه بلسماً لجراحي وجودكِ في حياتي، أما التاء المربوطة فتعني أميرةٌ هي أنتِ.

"تُعلن شبكة الكتابة العربية عن مسابقة القصة القصيرة، على الراغبين بالمشاركة كتابة قصة لا تقل عن العشرة صفحات كحدٍ أدنى وعشرين صفحة كحدٍ أقصى وطبعها في كتاب، كما يجب على المشارك كتابة كل معلوماته الشخصية داخل الكتاب مع إرفاق صورة شخصية له، سنقوم باستلام كتبكم بدءاً من اليوم وإلى شهر من الآن".

كادت عيناي تتسابقان للخروج عندما قرأتُ هذا الخبر، فعشقي للكتابة يحرك كل سكون حل ضيفاً على جسدي ما إن أسمع عنها، استرقتُ نظرة إلى الساعة المُعلقة، إنها التاسعةُ صباحاً، منذ ذلك الوقت أعلنت يدي عن بدئها مغازلة الحبيبة، امتصت الكتابة أقصى طاقاتي، في كل يوم كانت يدي تنقش ست ساعات متواصلة، إلى أن ختمت كتابة القصة في عشرة أيام.

قمتُ بعد ذلك بطباعة القصة في كتاب وأرسلته إلى لجنة المسابقة، خلال فترة الكتابة أحسستُ أن قلبي سيعلن التوقف عن العمل لفرط التعب، وأن يدي ستُقَطع إلى أشلاء صغيرة.

بعد شهر فتحت شبكة الكتابة العربية ومباشرةً التقت عيناي بأسماء عشرة كتب مصفوفة، قرأت العنوان فشهق قلبي كمحتضر على مشارف الموت، إنهم الفائزون في المسابقة! ماذا عني أنا؟ صرت أُفتش عن اسمي بينهم كجائعٍ اشتاق الطعام ولم يأكل منذ أيام، لكني لم أجده، فجأة شعرتُ أن كل أجهزتي استقالت عن العمل وقد سُرقت منها الحياة.

في اليوم التالي ذهبتُ لاستلام كتابي المُغلف فشلاً من عند اللجنة، استقبلني أحدهم، أعطاني الكتاب وقال متهكماً: هه، أنصحك أن تُلقي به في القمامة، وحتى القمامة ستستفرغه إن فعلت. قال هذا وانفجر ضاحكاً.

أخذتُ الكتاب من بين يديه، ركضتُ ودموعي تسبقني إلى أقرب شاطئ، تسلقتُ أعلى التلة وتأملت البحر من الأسفل، ألقيتُ بالكتاب على الأرض، كل الجهود التي بذلتها في سبيل كتابة هذه القصة اضمحلت وباءت القصة بالفشل والنقد القاسي، يا أيتها الموجات تلاطمي أكثر فأكثر ليصل عبق شذاكِ إليَ ويتداخل والدم فيَ لينتشلني من حياتي الحقيرة.

ليتني يا بحري أُصبح كائناً من كائناتك لا هم لي سوى الإبحار والارتشاف من مياهك المالحة، ترى هل يمكن للخيال أن يصبح حقيقة؟ أو أن العكس صحيح؟ 

أيها البحر اسحبني إليك واجعلني جزءاً من مياهك الغالية أطفو وأرتمي في حضنك الدافئ، تتداخل الأفكار في رأسي، أفكر أخيراً أن أُنهي حياتي بإلقاء نفسي في البحر، كان بيني وبين السقوط من أعلى سنتمتر واحد فقط إلى أن سمعتُ صوتاً غريباً بالقرب مني، ارتعبت، ترى هل هم الشرطة أتوا للقبض علي بتهمة محاولة الانتحار؟ اتجهت حدقتا عيني بحذر إلى مصدر الصوت فإذا بي أرى العجب، فرخاً طائراً يحاول الطيران لكنه لا ينجح، يطير قليلاً ويسقط متألماً، ويكرر المحاولة عشرات المرات، لا يهمه الألم بقدر ما يهمه تحقيق حلم التحليق.

بعد عدة محاولات يُحلق الطائر في حضن السماء، التفتُ إلى نفسي، انتشلتُ الكتاب من بين حبات الرمل الناعمة وقبلته، انطلقت إلى الأمام " فأنا الطائر الذي سيطير يوماً ما".





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً