العدد 5267 - الإثنين 06 فبراير 2017م الموافق 09 جمادى الأولى 1438هـ

الاتحاد الأوروبي يدشن برنامجاً هائلاً للدعم النقدي للاجئين في تركيا: هرب من المسئولية أم شريان حياة؟

بعد فرارها من حلب، وانتقالها إلى العاصمة التركية أنقرة في عام 2015، لم يكن أمام سهام، وهي أرملة وأم لخمسة أطفال، سوى عدد قليل من الخيارات من بينها السماح لابنها الأكبر، يوسف الذي يبلغ عمره 11 عاماً، بقبول وظيفة في مصنع لحقائب اليد.

يحصل يوسف على راتب شهري قدره 400 ليرة تركية (أي ما يعادل حوالي 100 يورو)، من العمل لمدة 13 ساعة لستة أيام في الأسبوع. ظلت سهام، حتى وقت قريب، تجمع المعونات التي تستطيع الحصول عليها من المؤسسات الخيرية المحلية إضافة إلى ما يحصل عليه يوسف من وظيفته لدفع الإيجار وإطعام أطفالها، حسبما نقلت شبكة "إيرين".

وتوضيحاً لذلك، قالت سهام، وهي تجلس في غرفة المعيشة الضيقة: "في بعض الأحيان، لا يكون لدينا ما يكفي حتى لدفع ثمن رغيف الخبز".

كما واجهت سهام احتمال إخراج طفليها الأصغر سناً، اللذين تتراوح أعمارهما بين 9 و10 أعوام من المدرسة من أجل العمل أيضاً.

لكنها قد لا تضطر إلى ذلك الآن.

ففي وقت سابق من هذا الشهر، أصبحت سهام واحدة من أول المستفيدين من برنامج يموله الاتحاد الأوروبي يهدف إلى تقديم المساعدة النقدية إلى مليون لاجئ من الأكثر ضعفاً الذين يعيشون في تركيا. ومن المتوقع أن يتم إدراج 500,000 لاجئ على الأقل في البرنامج بحلول نهاية شهر أبريل و500,000 لاجئ آخر بنهاية عام 2017.

وإذا ما نجح هذا البرنامج، فسيكون أضخم برنامج مساعدات نقدية من نوعه يتم تحت رعاية الاتحاد الأوروبي.

والجدير بالذكر أنه يجري تدشين شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة (ESSN) بدفعة أولية قيمتها 348 مليون يورو بتمويل من صندوق الاتحاد الأوروبي للاجئين في تركيا، وهو صندوق تبلغ قيمته الإجمالية ثلاثة مليارات يورو لتقديم الدعم على مدار عامين. وكان الاتحاد الأوروبي قد تعهد بتقديم هذه المعونة مقابل تعاون تركيا في ردع اللاجئين من الانتقال إلى أوروبا كجزء من اتفاق وقع بين الاتحاد الأوروبي وتركيا ودخل حيز التنفيذ في مارس 2016.

وقد لاقى هذا الاتفاق انتقادات من قبل جماعات حقوق الإنسان باعتباره يمثل محاولة مثيرة للسخرية لتعهيد ما يسمى بأزمة اللاجئين التي يواجهها الاتحاد الأوروبي لطرف خارجي، في وقت يغض فيه الاتحاد الأوروبي الطرف عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها حكومة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان. لكن شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة يمكن أن توفر شريان حياة للاجئين مثل سهام.

طريقة عمل البرنامج

ويتم تسليم اللاجئين المؤهلين بطاقات خصم من الرصيد، يتم إعادة شحنها شهرياً، ويمكن استخدامها في المحلات التجارية لشراء المواد الغذائية والضروريات الأخرى، أو في أجهزة الصراف الآلي لسحب النقود. ويعتمد مقدار المال المتوفر في كل بطاقة على حجم الأسرة، حيث يحصل كل فرد في الأسرة على 100 ليرة تركية (أي ما يعادل 25 يورو) كمعونة شهرية. وكونها تُعيل أسرة مكونة من ستة أفراد، من المقرر أن تحصل سهام على بطاقة سحب آلي تحتوي على 600 ليرة تركية (أي ما يعادل 150 يورو) في الشهر.

ونظراً لأن إجمالي فواتير الإيجار والخدمات التي تدفعها سهام يبلغ 350 ليرة شهرياً، فسوف يتوفر لديها بعض النقود الإضافية للإنفاق على الأشياء التي ترى أنها الأهم للاحتياجات الأسرية.

وتوضيحاً لذلك، قالت: "أعتقد أن هذا النوع من الدعم أفضل من غيره ... لأن كل شخص هو الأقدر على معرفة ما هي أهم احتياجاته، كما أن الاحتياجات تتغير".

وتجدر الإشارة إلى أن برامج المعونة النقدية للاجئين بدأت تنتشر في جميع أنحاء العالم، لاسيما في الشرق الأوسط حيث يعيش غالبية الذين نزحوا بسبب الحرب في سوريا في المدن بدلاً من المخيمات.

غير أن شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة تختلف عن البرامج المماثلة، مثل البرنامج الأصغر حجماً الذي تنفذه المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان لأول مرة، ليس فقط من حيث الحجم ولكن من حيث الدور البارز الذي تقوم به الحكومة التركية أيضاً.

ويؤكد الاتحاد الأوروبي على أن مشروعاته الإنسانية "تنفذها منظمات إنسانية، وليس حكومات"، وأن "برنامج الأغذية العالمي" والهلال الأحمر التركي يقودان تنفيذ هذا المشروع. ولكن عملية إدراج اللاجئين تتم إلى حد كبير في المراكز التي تديرها الحكومة، ويجب تسجيل اللاجئين من خلال المديرية العامة لإدارة الهجرة في تركيا أولاً.

وفي حين كان يتعين في الماضي تسجيل اللاجئين من خلال وكالات المعونة الفردية والإدارات الحكومية للوفاء باحتياجات محددة، مثل الإسكان أو المساعدات الغذائية، تهدف شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة إلى أن تتطابق مع نظام الرعاية الاجتماعية القائم في تركيا، حسبما أوضحت جين لويس، رئيس مكتب المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية والحماية المدنية (إيكو) في أنقرة.

وفي هذا الصدد، قالت لويس لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "هذا ليس برنامجاً لنا فحسب، بل نموذج. إنه طريقة جديدة للعمل في مجال المساعدات الإنسانية، ونحن نسعى لاستخدام طريقة مختلفة للتواصل مع الحكومات [المضيفة] بهذا الشأن... نحن ندرس سبل تكرار هذا البرنامج في لبنان ومعرفة ما إذا كان يمكننا القيام بذلك في اليونان. إنه مثل مختبر لأفضل الممارسات".

مشكلات؟

وفي ظل أن اللاجئين السوريين وغير السوريين مؤهلون للحصول على بطاقة السحب الآلي، يتم الآن تسجيل العديد من اللاجئين غير المسجلين سابقاً مع الحكومة، وقد تسبب ارتفاع الطلب إلى بعض التأخير في عملية التسجيل.

ولم يتم الإعلان عن معايير الأهلية للاستفادة من هذا البرنامج بسبب مخاوف المسؤولين الأتراك من أن يقوم مقدمو الطلبات بتقديم معلومات مزورة للحصول على المساعدات. ولكن لويس تقول أن البرنامج سيستهدف على الأرجح الأمهات العازبات والمعوقين وكبار السن وأولئك الذين لا يستطيعون إعالة أنفسهم. وبمجرد التسجيل، سيتم تشجيع اللاجئين على تحديث بياناتهم بانتظام وقد يتأهلون للاستفادة منه في مرحلة لاحقة.

وأوضحت لويس أن "أي شخص تقدم بطلب سوف يصبح مؤهلاً إذا تغيرت المعايير ... نحن نحاول إدراج عدد كبير من الأشخاص في البرنامج، ثم سننظر في الحالات الأكثر حساسية بمجرد ظهورها".

ولا يزال الافتقار إلى معايير محددة يُعرّض الحكومة التركية والاتحاد الأوروبي إلى انتقادات بسبب غياب الشفافية عن هذا البرنامج.

وترى غلوسوم أغاوغلو، العضو في لجنة اللاجئين والهجرة، والمجلس التنفيذي لحزب الشعب الديمقراطي المعارض في تركيا أن إبقاء عملية الاختيار مبهمة يمكن أن يؤدي إلى التمييز.

وقالت أغاوغلو أن الحكومة التركية فضلت السوريين السُنة والتركمان في الماضي، بينما رفضت أو وضعت عراقيل أمام إمكانية الوصول إلى الخدمات الاجتماعية والمساعدة في تسجيل اللاجئين من أصول كردية في سوريا.

وتعليقاً على ذلك، قالت لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "لقد فعلت ذلك في الماضي، وتفعل ذلك مرة أخرى مع برنامج البطاقات".

وأضافت أغاوغلو أن مثل هذا البرنامج الواسع النطاق يتطلب متابعة من قبل طرف ثالث قوي، وهو الأمر الذي تفتقر إليه شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة.

والعقبة الملموسة بشكل أكبر للانضمام إلى البرنامج هي اشتراط أن يكون لدى مقدمي الطلبات عنوان ثابت. وهذا من شأنه أن يؤدي إلى استبعاد العديد من اللاجئين الذين يعملون بشكل موسمي في الزراعة ويعيشون في مبان مؤقتة ومخيمات في شتى أنحاء البلاد.

كما أن الشرط الذي يقضي بأن يتم تسجيل اللاجئين بشكل شخصي في مراكز التسجيل – التي تقع معظمها في المدن –يعني أيضاً أن البرنامج سيقتصر في البداية على التجمعات السكانية الحضرية وأولئك الذين لديهم إمكانية للوصول إلى وسائل النقل.

الصورة الكلية

وتعود المخاوف الأوسع نطاقاً إزاء شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة إلى علاقته بالاتفاق بين الاتحاد الأوروبي وتركيا.

ويتعرض الاتحاد الأوروبي لضغوط من الحكومة التركية لتسريع توزيع حزمة مساعدات قدرها ثلاثة مليارات يورو التي وعد بها. وعلى الرغم من أنه تم حتى الآن تخصيص قرابة 2.2 مليار يورو، إلا أنه لم يتم صرف سوى 748 مليون فقط. واعترفت لويس أنه كان من الصعب فحص مشروعات المعونة وتخصيص التمويلات خلال مهلة السنتين المنصوص عليها في الاتفاق.

ويرى البعض أن شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة هي وسيلة للتملص من المسؤولية: وسيلة مريحة لصرف المعونة التي وعد بها الاتحاد الأوروبي ولكن من غير المحتمل أن يكون لها منافع طويلة الأجل للاجئين.

وتعليقاً على ذلك، قال ارديم فاردار، مدير منظمة يوفا، وهي منظمة غير حكومية في اسطنبول تركز على دعم اللاجئين في مجال التعليم والحقوق، والمعيشة المستدامة: "إنها طريقة سهلة للتملص من المسؤولية... فمن الصعب على المدى الطويل توفير فرص عمل للاجئين في هذا البلد. ومن الأسهل بالطبع إعطاء الناس المال".

ويرى فاردار أن شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة قد تكون مفيدة على المدى القصير، إلا أن هناك حاجة إلى مبادرات التكامل وبرامج التطوير الوظيفي من أجل تعزيز التماسك الاجتماعي الطويل المدى للاجئين الذين قد يمكثون في تركيا لعقود قادمة.

وأضاف فاردار أن مبلغ 100 ليرة للشخص الواحد قد يكون منحة مقبولة للأشخاص الذين يعيشون في أنقرة، لكن الإيجارات أعلى بكثير للاجئين في المدن الأكثر كثافة سكانية، مثل اسطنبول وغازي عنتاب.

وتوضيحاً لذلك، قال لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين): "في اسطنبول، لن تجد إيجاراً أقل من 400 أو 500 ليرة ... السبب الوحيد الذي يجعل اللاجئين يستطيعون تحمل تكاليف المعيشة في هذه المدن هو أن العديد من الأشخاص يتشاركون شقة واحدة".

وفي السياق ذاته، أفادت جويل عيد، المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي في تركيا، أنه كان من المقرر أن تكون الإعانة الشهرية أكثر من 100 ليرة، ولكن وزارة شؤون الأسرة والسياسة الاجتماعية في تركيا كانت غير مرتاحة لإعطاء اللاجئين إعانة أعلى من تلك التي يحصل عليها مواطنوها بموجب نظام الرعاية الاجتماعية في الدولة.

مع ذلك، لم يمر البرنامج دون أن يلاحظه الأتراك الذين يعيشون تحت خط الفقر. فبعد التحدث إلى شبكة الأنباء الإنسانية، وعند مغادرة سهام لشقتها في منطقة أوندر، أحد الأحياء التي يسكنها ذوو الدخل المنخفض في أنقرة، تجمعت بعض الأمهات التركيات وتساءلن لماذا لا يحصلن على بطاقة السحب الآلي مثلها. وعلى الرغم من أن الحديث كان ودياً، لكنه يكشف عن شعور كامن بالظلم يبرز في بلد يستضيف الآن زهاء 3.1 مليون لاجئ.

وفي الوقت الحالي، يظل برنامج شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة في مهده، ويحتمل أن يتم إدخال العديد من التعديلات عليه في المستقبل، بما في ذلك مبالغ نقدية إضافية للأسر التي لديها أطفال في المدارس.

وبينما قالت سهام أن ابنها يوسف سيواصل العمل في مصنع حقائب اليد، لكن برنامج شبكة الأمان الاجتماعي الطارئة سيسهم في استمرار الصبيين الآخرين في المدرسة. وبفضل أول تحويل نقدي، تمكنت سهام من دفع الإيجار وفواتير الخدمات وسداد ديون عدة للمحلات التجارية المحلية.

وختاماً، قالت سهام: "لقد كنت قلقة للغاية بشأن دفع الإيجار ... أوضح المالك أن التخلف عن دفع الإيجار ولو لمرة واحدة في اليوم الأول من كل شهر سيؤدي إلى طردنا من الشقة". "أما الآن، فلا نشعر بالقلق بشأن الإيجار".





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:00 م

      نسمع كثيرا عن المساعدات ولم نتلقى منها شيئا سوى الانتظار في الطابور وطلبات لاتنتهي من اثباتات وأوراق وهويات ونوتر ووجع قلب وبالنهاية لا أحد يسأل علينا

اقرأ ايضاً