العدد 5269 - الأربعاء 08 فبراير 2017م الموافق 11 جمادى الأولى 1438هـ

الهاشمي أحد روَّاد الكاريكاتير في الخليج... و«الانستغرام» شُرْفة أخرى

صحافة البحرين تخلو من الهادف والعميق منه...

خالد الهاشمي
خالد الهاشمي

قبل أن ينال جائزة الصحافة العربية لرسم الكاريكاتير في العام 2003م، من دبي في دولة الإمارات العربية المتحدة، أثبت الفنان والمهندس المعماري البحريني خالد الهاشمي موهبة كبيرة، وعُمقاً في تعاطيه مع مُجمل ملفات الداخل والإقليم والوطن العربي وقضاياه السياسية منها خصوصاً؛ وانحيازه للطبقات المهمّشة بالدرجة الأولى، من دون أن يكون على مبعدة من الملفات العالمية، تلك التي تتعلق بالهيمنة والتغول في رأس المال، والاحتلال بشتَّى أشكاله ومضامينه.

ربما منحتْه الجائزة حضوراً أكثر امتداداً؛ رافعة إياه إلى مراكز متقدِّمة بين الفنانين العرب، ليحتل موقعه جنباً إلى جنب من سبقوه أو عاصروه من الفنانين في منطقة الخليج عموماً، بالنتاج الفارق الذي قدَّمه لسنوات. وعلى رغم انقطاع نشر أعماله في الصحافة اليومية التي لاقت إقبالاً كبيراً في الصحافة المحلية، ومن بعدها في إحدى الصحف السعودية، وتحديداً صحيفة «الوطن»، إلا أنه عاد بشكل متقطِّع إلى هذا الفن من خلال صفحته على موقع الانستغرام، وتظل تلك العودة غير كافية على رغم ما تحظى به من إقبال كبير وسط متابعيه على مستوى الوطن العربي، وتبقى تلك المنصَّة شُرْفة أخرى يجد فيها الهاشمي فرصته للمحافظة على لياقته الفنية، التي لا شك سيصيبها الترهُّل بعد طول هجْر ونأي، وبحكم تواصله الدائم مع الملفات التي يشتغل عليها.

ملفات مثل الحرية والفساد، وكذلك الفقر هي بمثابة حدود مسنَّنة على الفنان أن يبتكر حيَله التي تمكّنه من تمرير رسائله، من دون أن يكون مباشراً في استفزاز الرقيب من جهة، أو مُكرِّساً للسطحي في التلقي بالنسبة إلى الجمهور، من جهة أخرى.

وبالعودة إلى واقع الصحافة المحلية التي لا يمكنها ادِّعاء وجود رسام كاريكاتير يمكنه أن يسد الفراغ الناشئ عن غياب الهاشمي، من دون أن ننسى هشام زباري، تضعنا أمام حقيقة أن صحافة من دون كاريكاتير هادف وعميق تظل شبه ناقصة، وما ينشر فيها باسم ذلك الفن، لا يتجاوز كونه رفعاً للعتب عن غيابه، وتوهُّم سدّ فراغ لم تنْجُ أي من الصحف منه.

القطيعة مع الثرثرة

في حضوره اليومي الغابر، لم يتورط الهاشمي في تقديم أي شيء، لأن التزاماً يفرض عليه ذلك. ظل محافظاً على عمق الفكرة، واختزاله الذكي والجريء، ووضع متابعيه والقراء في صورة ما يحدث في العالم، على الأقل ضمن اهتماماته، وما يعنيه منها.

ولأن الكاريكاتير على تضادّ مع الثرثرة، ظل ما ينجزه الهاشمي ضمن هذا المسار المشغول والمنشغل بالارتقاء بوعي وحس المتلقي. لم يعد كثير من الكلام المكتوب في الصحافة مُهيمناً وجاذباً للقارئ؛ إذ يمكن لرسم كاريكاتيري أن يحظى بغالبية تلك الهيمنة والجاذبية والاهتمام، إذا ما تصدَّى له مثقف وقارئ ومتابع وفنان موهوب بحجم الهاشمي.

تتجلَّى قدرة وموهبة الهاشمي في ذلك الاختزال الذي عُرف به منذ إطلالته على القرَّاء وتكثيف الفكرة؛ علاوة على خطوطه الأنيقة والمباشرة، ولا تعني المباشرة هنا التسطيح بقدر ما تعني توجُّهها العميق مباشرة إلى الفكرة التي يُراد إيصالها إلى القارئ. وهو عمق غير عصيٍّ عليه، لأنه يلامس القضايا التي تهمُّ القارئ ويطرحها الهاشمي ضمن فضاءات من التأويل يتركها للمتلقِّي.

ويمكن القول، إن الهاشمي كرَّس لوعي جديد بأهمية الكاريكاتير في الصحافة المحلية في تجربته الأولى، والخليجية في تجربته الثانية من خلال صحيفة «الوطن» السعودية، على رغم سنوات قضاها من سبقوه في هذا المضمار ممارسة لهذا الفن، إلا أنهم لم يقدِّموا تجربة مُلفتة تمتاز باحتوائها على وعي كبير، وحساسية ملحوظة، ومتابعة متأنية للملفات المُهمة التي تعني المواطن في الداخل، والمواطن العربي عموماً، أو تلك التي خارج دائرة المكان، ولكنها تمسَّه بشكل أو آخر.

وعلينا أن نعرف هنا أن الهاشمي بقدر ما يتمتع بأسلوبه الخاص والرصين والعميق في رسم الكاريكاتير، يتمتع أيضاً بأسلوب جميل وعميق ولافت فيما يكتبه، ولعل الكثير من القرَّاء لم يقفوا على شيء من ذلك، لأن رسمه أساساً يكاد يخلو من الكتابة/ الكلام، ولأنه لم يجد نفسه في هذه الدائرة من التعبير؛ على الأقل ضمن مساحة النشر.

«ذاكرة القلب»

في عمله الثاني «ذاكرة القلب»، الذي أصدرته جمعية الإصلاح في العام 2001، وتم توجيه ريعه لصالح الانتفاضة الفلسطينية يكتب الهاشمي: «بسرعة مُذهلة تنهال علينا الأخبار، متغيِّرة ومتنقِّلة تُسابق الموت، ربما لكي لا نحزن أو نأخذ الأمر مأخذ الجِد، ولكن يبقى المشهد تلفزيونياً بامتياز وبجدارة القائمين عليه، ليتبعه إعلان وأغنية هزيلة بحجَّة كسر رتابة الوجع، أو نفي الصمود أمام أحدث آلات القتل، أو أمام شروط القتل الجماعي الذي تقترحه علينا دول وحضارات تتبجَّح بالحرية، ويوغل الإعلام، بإصرار على تسطيح ما تبقَّى من تضاريس العقل، لكي تعبر عجلات الدمار دون تعثُّر أو خروج عن القانون، ففي ذلك حكمة لصنف شائع من (أُولِي الألباب)، أولئك الذين ينتظرون دفق الدم المسلوب من خلف الأبواب».

انتماؤه إلى التيار الوطني اليساري، يجعل موقفه أكثر وضوحاً إزاء القضايا التي تمسُّ الشعوب عموماً، والقضية العربية المركزية عموماً، تلك التي يتم اليوم تغييبها، والعبث بمساراتها، وأخذها إلى منطقة لم تعد رمادية، سواء تلك التي تتم في الكواليس، أو أمام مرأى من وسائل الإعلام التي تبحث عن وجبتها الدسمة اليومية.

لم تكن فلسطين بالنسبة إليه موضوع صراخ وتذكير بما حدث، وما يجب أن يحدث، بقدر ما تمثله من اختبار حقيقي للوجود العربي الهش، وإضاءة لحال التشرذم الذي يكاد لا ينتهي.

يكتب في مقدمة «ذاكرة القلب»: «لفلسطين صرخنا، ولوجعنا الإنساني بكينا، وأصبحت قضيتنا، لوكالات الأنباء، أخباراً بين هدر وجزْر، تحكمها ملابسات الإعلان وأسواق المال، والأسهم نصْل يخترق أجساد أطفال يرفعون أحداقهم المذهولة لسماء عرفوا أنها رمز الحرية، يعرفون ذلك فحسب. وهذا ما يدفعنا للتشبث بهذه الفكرة، لئلا تأخذنا الغفلة عمَّا يصفون... ففي ذلك رهبة أن تقصر الحنجرة عن الصوت».

«بصيرة الكاريكاتير»

وعودة إلى فوزه بجائزة الصحافة العربية لرسم الكاريكاتير، نقف على بعض الفعاليات والجهات التي احتفت بالهاشمي وقتها، ربما أبرزها أسرة الأدباء والكتَّاب، مع إشارات وتنويهات هنا وهناك بأهمية المشروع الذي يشتغل عليه الهاشمي، لكنها لم تكن بمستوى الإنجاز والحدث. ما يلفت في تلك الفعاليات هي فعالية «الأسرة»، كما أشرت، التي تضمَّنت عرض مجموعة من أعماله، وتوِّجت الفعالية بورقة نقدية قدَّمها القاص والروائي والسيناريست فريد رمضان، حملت عنوان «خالد الهاشمي... بصيرة الكاريكاتير»، بدأها بالإشارة إلى أن الهاشمي فنان لا يميل الى الحوارات، بل يشكّل أعماله عبر الخطوط البسيطة، مستمداً بلاغتها من سيطرته على دلالاتها الرمزية التي اتسمت بمواقفها الجادة.

وبعد تعريج الورقة على عدد من الأسماء العربية التي برزت في هذا الفن، وأخذت حضورها، من أمثال: الفنان الفلسطيني ناجي العلي، نبيل أبوأحمد، علي عثمان، البهجوري، عبدالرحيم ياسر، حبيب حداد، محمود كحيل وسلمان عبدالكريم، تناولت الورقة أسماء ارتبطت بالبحرين، موضحة بأنه «يصعب تحديد الريادة وإن كنا نرى شيئاً من ذلك في تجارب عبدالله المحرقي ومناحي مرزوق، إذ توالت من بعدهم أعمال خاتون العصفور ومحمد فيحان الدوسري، وتجربة خالد الهاشمي وهشام زباري الذين ارتبطوا بصحيفة الأيام».

الندوة الاحتفائية لم يكن لها أن تكون ذات جدوى من دون أن يقدِّم الهاشمي ما يشبه الشهادة، من خلال عدد من الأسئلة والاستفسارات التي تلقَّاها من الحضور، متناولاً مستويات العمل التي يجد نفسه فيها، وطريقة تعامله معها، لمعرفته بأن الكاريكاتير له من التأثير والفعالية ما يتجاوز المقال في كثير من الأحيان، موضحاً «إنني أعمل على جانبين، جانب اجتماعي بسيط وجانب سياسي عموماً، فعندما أتكّلم عن الفساد أتكّلم عن قضية سياسية، فالحرية والفساد هما قضيتان سياسيتان، فالكاريكاتير أكبر قوّة من المقال، ولكنك عندما ترسم الكاريكاتير تتحرّك ضمن خطوط عامة فأنت لا تستطيع الكلام بحرية عن قضايا تتعلق بالدِّين أو الجنس؛ وان كنت تحاول ما أمكنك التطرق إليها، ومن المؤكّد أننا بهذه الصورة نحاول ما أمكننا رفع سقف الحرية ولكننا نصطدم دائماً بالسلطة وبالمعارضة، ولكننا نشهد اليوم مجالاً أكبر للحرية، على رغم وجود الرقابة لحد اليوم؛ اذ إن مسألة عدم ملائمة المادة للصحيفة أمر قد يدفع الى رفض المادة وأحيانا إلى إخفاء بعض كلماتها، وكانت لي تجارب من قبل مع الصحافة فكنت أرسل مجموعة من الأعمال ليختاروا منها ما يناسبهم وقد يستخدمون مادة (البلانكو)».

في الفعالية نفسها، كان لابد من طرح سؤال بات تقليدياً يرتبط بالعلاقة بين مهنته كمهندس معماري، وحضوره كفنان كاريكاتير، فرد بالقول: «العمارة هي أم الفنون وتدخل فنون عدة فيها، كما أنها قائمة على التفكير والتخطيط، والكاريكاتير يطرح فكراً ونقداً فليس غريباً أن نجد الكثير من المعماريين فنانين وموسيقيين هم من المعماريين، ولكني ومع كوني مهندساً معمارياً وفناناً كاريكاتيرياً فإنني أعترف بأني مقصِّر في الجانب التقني فأنا إلى اليوم مازلت أحب علاقة القلم بالورقة ولكنني لا يمكنني إلغاء ما أضافه الكمبيوتر من أشياء جميلة لرسوم الكاريكاتير؛ إذ على رغم اضطراري نتيجة رغبة إحدى الصحف في التلوين وجدت نفسي أركِّز على اللونين الأسود والأزرق اللذين يشكِّلان بالنسبة إليَّ فضاء للحرية».

ضوء

خالد الهاشمي، رسام كاريكاتير بحريني ولد العام 1959. خريج جامعة دمشق في الهندسة المعمارية العام 1983م. حصل على شهادة الماجستير في الهندسة المعمارية من جامعة أريزونا/ أميركا 1996.

زاول رسم الكاريكاتير اليومي منذ العام 1984، وانتظم مع صحف يومية في البحرين والسعودية في الفترة ما بين 1989 وحتى 2008.

أصدر في العام 1992 «المزاح في حدود المتاح» و»ذاكرة القلب» العام 2001. كما ساهم في إصدار كتاب بعنوان «من يحمي أرض الطفولة» وتم اهداؤه إلى شهداء الانتفاضة الفلسطينية العام 2000م.

إضاءة

الكاريكاتير اسم مشتق من الكلمة الإيطالية «كاريكير»، والتي تعني «يبالغ، أو يحمَّل مالا يطيق»، وكان موسيني أول من استخدمها، في العام 1646.

تضعنا موسوعة «ويكيبيديا»، أمام البدايات التي تجلَّى فيها فن الكاريكاتير، أو ما يمكن أن يُطلق عليه «كاريكاتير»، حيث ازدهر هذا الفن في إيطاليا. ومن بين أشهر الفنانين في هذا المجال، تيتيانوس (1477-1576)، الذي عمد إلى مسخ بعض الصور القديمة المشهورة، بإعادة تصويرها بأشكال مضحكة. وفي القرن السابع عشر، كان جيان لورينزو برنيني، وهو مثّال ورسام كاريكاتيري ماهر، أول من قدَّمها إلى المجتمع الفرنسي، حين ذهب إلى فرنسا، العام 1665.

وقد ازدهر فن الكاريكاتير في إيطاليا، فأبدع الفنانون الإيطاليون كثيراً من الأعمال الفنية. ظهرت أول رسوم كاريكاتيرية مهمة في أوروبا خلال القرن السادس عشر الميلادي. وكان معظمها يهاجم إما البروتستانتيين وإما الرومان الكاثوليك خلال الثورة الدينية التي عرفت بحركة الإصلاح الديني. وأنجبت بريطانيا عدداً من رسامي الكاريكاتير البارزين خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين. وقد اشتهر وليام هوغارث برسوماته الكاريكاتيرية التي انتقدت مختلف طبقات المجتمع الإنجليزي. وأبدع جورج كروك شانك، وجيمس غيلاري، وتوماس رولاندسون المئات من الرسوم الكاريكاتيرية اللاذعة حول السياسة والحكومة في إنجلترا.

غلاف الإصدار
غلاف الإصدار




التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 9:19 ص

      الباشمهندس خالد غني عن التعريف صاحب الخطوط المحددة والمعبرة بدقة ، يشعرك دائما بأنه واحد منك ومعك ويلتقي بأفكاره مع نبض الشارع بكل احساس صادق ومختصر مفيد

    • زائر 2 | 8:45 ص

      تسلم ياجمري. الاستاذ خالد مميز ولديه حساسية في رسم الجرح حبره من آلام الشارع. تحياتي امل النعيمي

    • زائر 1 | 6:20 ص

      جميل هذا السرد والإنشاء الذي يحاكي سيرة المنفرد في إبداعه خالد الهاشمي الذي لعلنا في هذا الوطن والوطن العربي الكبير نفتقد عطاءه المتميز وإن أطل علينا بخجل من شرفة هنا وهناك

اقرأ ايضاً