العدد 5271 - الجمعة 10 فبراير 2017م الموافق 13 جمادى الأولى 1438هـ

أن تعيش اللحظة أفضل من أن تنتظر المجهول

فيلم «المسافرون»...

ملصق الفيلم
ملصق الفيلم

ما الذي يُمكن أن يشعر به شخص ما وهو معلّق بين السماء والأرض؟ يصحو من سباته ليجد أنه مُلزم بقضاء بقية حياته وحيداً على متن مركبة معلّقة في الفضاء!

هذه هي الحكاية التي بدأ بها فيلم: «The Passengers» أو «المسافرون» للمخرج مورتن تيلدوم والمؤلف جون سباهتس؛ إذ تنطلق المركبة الفضائية «أفالون» في رحلة عمرها مئة وعشرين عاماً لاستعمار كوكب بعيد، من خلال نقل أكثر من 5000 بشري إلى هناك، بعد أن يتم تنويمهم في غرف خاصة بذلك، ولكن في منتصف الطريق يحدث خلل في إحداها ويفيق المسافر «جيم بريستون» الذي أدى دوره الممثل كريس برات ليبقى وحيداً قبل أن يقرر التعرف على بقية المسافرين الغاطين في سباتهم، من خلال البطاقات التعريفية المكتوبة على غرف نومهم الخاصة ليشعر بالانجذاب نحو «أرورا دان» التي قامت بأداء دورها جينيفر لورانس ويذهب إلى البحث عنها على شبكة الانترنت ليعرف أنها كاتبة نشطة قبل قرار هجرتها إلى الكوكب الجديد.

يستيقظ «جيم» فيكتشف أنه معلق بين السماء والأرض بعد أن كان في سبات عميق لثلاثين عاماً، وأن عليه أن يقضي ما تبقى من عمره محبوساً في مركبة كل ما/ من بها آلي يعتمد على البرمجيات المسبقة: نادل المقهى، العمال في الأجنحة، عمال التنظيف، بل كل العمال في كل المجالات. وعلى رغم توافر ما يحتاجه وما يحلم به أي شخص من وسائل الرفاهية، إلا أنه يبقى وحيداً لا أنيس له سوى الآلات التي لا تعرف معنى المشاعر، على رغم الصداقة التي تكونت بينه وبين نادل المقهى الآلي بالطبع. يكتشف أنه سيبقى محبوساً مدة تسعين عاماً قبل وصول المركبة إلى الكوكب المنشود واستيقاظ بقية المسافرين. ومن يضمن حياته حتى هذا العمر؟!

الفيلم يجعل مشاهديه يشعرون بمعنى الوحدة، معنى الاشتياق إلى الآخرين، معنى أن يحتاج أحدنا إلى من يتحدث معه ويسمعه ويواسيه ويبادله المشاعر والمحبة، من خلال تناغم السيناريو وجودة الإخراج والتصوير، ليوصل الأحاسيس ونقيضها لجمهوره طوال العام الذي قضاه جيم وحيداً. وفي الوقت ذاته يضع المشاهد في حيرة كحيرة البطل وهو يقرر إيقاظ أرورا ويدّعي أنه حادث نتيجة خلل في غرفة نومها كما حدث معه! تستيقظ بالفعل وتصدم بالواقع الذي يحتم عليها أن تعيش بقية عمرها على ظهر هذه السفينة، برفقة رجل لا تعرفه.

وفي مشاهد متواصلة يبيّن لنا الفيلم تطور العلاقة والمشاعر بين البطلين، إلى أن يقرر جيم الزواج من حبيبته قبل أن يخبرها النادل أنه كان السبب في إيقاظها عمداً، فتصاب بحالة من الهستيريا وتقرر مقاطعته.

الخلل يزداد على متن الطائرة، فينعطف الفيلم بما يحمله من مشاهد ومشاعر وتشويق، ويصبح من أيقظ واحدة من المسافرين وعرّضها للموت المحتم على متن الطائرة، هو من ينبغي عليه إنقاذ بقية المسافرين، فيفعل ذلك بعد أن يلتقي قبطان السفينة الذي يوقظه الخلل نفسه، وهو الخلل الذي نشأ بعد اصطدام المركبة بأحد النيازك قبل استيقاظ جيم وقبل موت القبطان بسبب ما تعرض له من مشكلات أثناء نومه في غرفته المعطلة، يعطي القبطان جيم مفتاحه ليتمكن من دخول جميع مواقع المركبة التي لم يكن مسموحاً له دخولها وينقذ المسافرين بتصليح الخلل.

وبالفعل يعرض جيم حياته للخطر، وبفعل الضغط الناجم عن موقع الخلل يفقد سيطرته ويضيع في الفضاء قبل أن تنقذه أرورا وتسعفه. وهنا يكتشف أن بإمكانه إعادتها للنوم مجدداً ولكنها ترفض ذلك؛ لأنها تعلم أنها لن تجد حبيبها بعد استيقاظها، فيقرر البطلان عيش حياتهما على متن المركبة كما ينبغي، مستفيدين من الرفاهية التي وفرتها لهما، وبما وجداه من نباتات كانت منقولة لزرعها في الكوكب الجديد، فزرعا بها جنتهما الخاصة، وتكتب أرورا حكايتهما ليقرأها المسافرون بعد أن يستيقظوا في نهاية الفيلم.

في الفيلم الكثير من المشاهد التي لا تُنسى، الكثير من الرسائل التي لا يمكن المرور بها مرور الكرام، فهو يجعل المرء متشبثاً بحياته، بحلمه، بلحظته الراهنة؛ إذ ما الذي يمنع شخص ما من الحياة واستغلال كل ما يتوافر له في حينه بدلاً من انتظار مجهول قد لا يحمل الجمال نفسه الذي تحمله اللحظة؟ وما الضير في أن يبوح أحدنا بمشاعره لمن حوله؟ وأن يسامح ويصفح؟

الفيلم جاء سلسلاً ماتعاً، وعلى رغم أنه يصنف باعتباره فيلم خيال علمي، إلا أنه لا يحمل ما تحمله تلك الأفلام من غرائبية مبالغة تجعل تصديقها أمراً مستحيلاً، وتجعل المشاهد ينشغل بها عوضاً عن انشغاله بما تولّده القصة من مشاعر وأفكار بعد انتهائه. يحتوي الفيلم على مواقف تجعل المشاهد يحبس أنفاسه، وأخرى تتلاعب بابتسامته، وعلى رغم كم التناقض الذي قد يعيشه من يشاهده إلا أنه يتقبل كل ما يعتريه من أحاسيس ويجد لها مبررات سريعة. هو درس في معنى حب الحياة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 5:29 ص

      شكرا للكاتبة، لكن لم يعجبني في آخر فقرة ما أبدته تجاه أفللام الخيال العلمي، وهي أفلام ملهمة ورائعة وفيها الكثير من الاستفادة، وتصويرها لها بأنها مجرد أفكار لا يمكن تصديقها، باعتقادي هذا تصنيف وتصور خاطيء عن أفلام الخيال العلمي، أجدد شكري للكاتبة على روايتها قصة الفيلم، كل الشكر

اقرأ ايضاً