العدد 5273 - الأحد 12 فبراير 2017م الموافق 15 جمادى الأولى 1438هـ

تحديت نفسي بتشريح جسد الإنسان

السندي في حوار مع «الوسط»:

دلال السندي
دلال السندي

استقبلت في الفترة من الثاني إلى الرابع من شهر فبراير/ شباط 2017 الجاري صالة World Bookstore Gallery الواقعة بشارع البديع، هذه الصالة الحديثة الولادة تذكرنا بالكثير من صالات العرض في أوروبا من حيث حجمها، معرضاً للفنانة دلال السندي التي عرضت 18 لوحة جلها منفذة على ورق ومرسومة بأقلام الحبر الجاف تارة بالأحمر وأخرى بالأسود، أعمال تنتمي إلى ما يمكن تسميته بالدراسات، أي دراسة جسم الإنسان وما يتعلق به من عظام وعضلات ومفاصل وأنواعها وحركتها في أوضاع مختلفة ونسبها ووظائفها أي تشريحه تشريحاً فنيّاً. هذه الأعمال والتي تبدو غريبة عرضاً، حيث نادراً ما يعرض الفنانون أعمالاً تلامس هذه المنطقة أو هذا النوع من الرسم التي ترمي من ورائها الفنانة دلال السندي سبر غور نفسية الإنسان عبر التشريح الفني وهذه الحركات والتكوينات المختلفة، وضمن هذه الدراسة الصارمة المحكمة وغوصاً في النفسية هذه نرى جنوحاً صوب سريالية الشكل رسماً، خيال يشطح بتحويل وجه الإنسان إلى وجه طائر مثلاً هي محاولة للوصول إلى قول الروائي ميلان كونديرا: «وجهك ليس أنت».التي اتخذت منه الفنانة عنواناً لمعرضها. حول معرضها وتجربتها المهنية التي تمارسها التي تعد فريدة وغريبة ربما على المتلقِّي المتمثلة في العلاج بالفن التشكيلي كان لصحيفة «الوسط» هذا الحوار معها:

لم الاعتماد في رسمك على تشريح جسد الإنسان؟

- لم يكن هذا الاعتماد عفويّاً، فبعد رجوعي للفن من بعد انقطاع دام ثلاث سنوات. قررت أن أتحدى نفسي بتشريح جسد الإنسان، وليس فقط التشريح الخارجي بل لدي رسومات مأخوذه من كتب طبية لتشريح الجسم الداخلي من الرأس إلى الأمعاء إلى الرجل. ومن بعدها وجدت نفسي اذهب إلى رسم التشريح وأحاول تحدي القوانين التشريحية في الجسد بدون الوجه لإيصال الفكرة والتي هي: وجهك ليس أنت.

وكأني أرى السريالية تتغلغل قليلاً في بعض لوحاتك... ما سبب ذلك؟

- لا أدري إذا كانت هي السريالية التي تعني، لكني أعتقد أني أرى ما قد تنظر إليه بسريالية، وهذا باستطاعتي أن أقول شيئاً عفويّاً لم أفكر فيه عند الرسم.

كيف ذهبت إلى الرسم؟

- لم أتوقف منذ الصغر أستاذي، والدي والوالدة من أكبر المشجعين لي حفظهما الله لي.

مهنتك التي تزاولينها الآن، العلاج النفسي بالفن التشكيلي لم اخترتِها؟ وما تاريخ هذه المهنة إن جاز لي القول؟ وفي أي الدول العربية متوافر أيضاً؟

- بعد حصولي على شهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة في إنجلترا، وجدت نفسي أمام حائط، كنت أود أن أتعلم شيئاً جديداً يكون مساعداً لمجتمعي... مسانداً للفن أيضاً، فتعرفت على العلاج بالفن التشكيلي في لندن، فاخترته تخصصاً وتحصلت شهادة الماجستير في إنجلترا العام 2009، اخترت هذا المجال شغفاً وحبّاً، ومن خلال قراءاتي الكثيرة في الفلسفة وعلم النفس، ووجدت أن هذا المجال مفيد ونافع، كما يفيدني الفن في حياتي. وهناك الكثيرون لم يجدوا الفرصة للتعبير تصويراً مثلنا، نحن محظوظون بسبب ممارسة هذا التعبير الفريد: أما الدول العربية التي تعتمد العلاج بالفن التشكيلي فهي المملكة العربية السعودية، لبنان، البحرين، والكويت.

ارتبط العلاج بالفن التشكيلي ارتباطاً وثيقاً بتاريخ مزاولة الفن وبداياته الأولى. وتزداد الرؤية وضوحاً عندما ينظر الدارس إلى ماهية الفن ودوره في حياة البشر. ويرى معظم مؤرخي الفن أن الإنسان قد اعتمد على ممارساته الفنية منذ بداية حياته البشرية، حيث مارس الفرد الفن والتعبير التصويري لأسباب نفعية وطرقاً للتواصل والتعبير عن الأفكار والمعتقدات والمشاعر. وهذا قبل ممارسات اللغة المنطوقة، فقد كان الإنسان القديم يتواصل مع الآخرين من خلال لغات تصويرية (رسم، نحت، رموز)، حركات جسدية وصوتية... ويظهر ذلك جليّاً من خلال التمعن في تاريخ فنون ما قبل التاريخ والعصور الحجرية التي رصدها الفنان الأول على جدران الكهوف وتكويناته الحجرية التي تشهد اللمسات الأولى على التعبير الفني.

فالفن أثبت عبر العصور أن فيه سمات معالجة وتعريفية وتعليمية للإنسان.

مجال العلاج بالفن التشكيلي له وجهان متكاملان متكافئان.

1: الفن التشكيلي: هو التعبير الفني (غير اللفظي) بالرسم أو أعمال النحت والخزف، حيث يتم التعبيرعن الخبرات الدفينة والمكبوتة المسببة للمشكلات والاضطرابات السلوكية.

2: العلاج النفسي: من خلاله يتم تفسير ومعرفة حقيقة تلك الخبرات على مستوى البداهة وإيجاد حلول للمشكلات وإحداث تغير إلى الأفضل «إننا ننظر إلى الفن التشكيلي من زاويتنا على أنه عمل سيكولوجي يأخذ زاويتي علم النفس العام وعلم النفس الاكلينيكي. فهو نتاج مخاض النفس والعقل والبدن. فالتفاعل بين العقل والبدن ينتج فنّاً تشكيليّاً. فهو خبرة بصرية ميكانيكية الطابع، معلومة بصرية تستقبلها العينان وتمرُّ خلال قنوات الدماغ العصبية وتتفاعل مع ما لها به من ارتباطات سابقة مختزنة في خلايا الدماغ العصبية ثم تنتج انفعالات واستجابات محددة تختلف في فحواها من فرد إلى آخر. هو أيضاً نتاج خبرة الفرد الاجتماعية التي تكوّن لديه المفاهيم ويريد التعبير عنها في فنه فتخرج محملة بما يحتويه الشعور واللاشعور». - رائدة العلاج بالفن مارجريت ناومبيرج.

مزاول هذه المهنة هل يكون بالضرورة فناناً متمكناً من رسم التشريح بالطريقة السليمة والعلمية؟

- العلاج بالفن التشكيلي غير متصل بمزاولة الفن أو إتقان الرسم، العلاج بالفن دراسة تؤمن إيماناً قاطعاً بأن كل إنسان لديه القدره على أن يرسم أو يشخبط كما يقولون، العلاج بالفن التشكيلي يقوم على قوانين عدة ليس منها إتقان الرسم بتاتاً.

ما الذي يدور في رأس الفنانة دلال من أفكار ومشاريع مستقبلية؟

- الله العالم، عموماً هدفي أنني أفيد وطني وأهله بالعلم الذي جئت به، وتشجيع الشباب على خوض غمار التحديات ليفيدوا مجتمعنا وأهلنا الطيبين.

وهذا المعرض لم يؤسس إلَّا بعفوية، لم أتوقع أن هذه اللوحات ستعرض في صالة ذات يوم، بدأت أرسم بعد انقطاع عن الرسم دام ثلاث سنوات، والشيء الوحيد الذي جذبني للفن هو التشريح ومن بعدها ولدت هذه الرسوم التشريحية المعبرة عن أحاسيسي الشخصية لمدة أربع سنوات... وتشكلت بأفكار الروايات والأفكار التي تغلغلت في بالي وأحاسيسي وهي التساؤل عن موضوع الـ (أنا) والتعبيرالصريح، ومن الروائي ميلان كونديرا الذي يعتبر أحد أكبر الروائيين، تأثرت كثيراً بعبارته هذه «تخيل أنك عشت في عالم ليس فيه مرايا... كنت ستحلم بوجهك، كنت ستتخيله كنوع من الانعكاس الخارجي لما هو بداخلك، بعد ذلك افرض أنهم وضعوا أمامك مرآة وأنت في سن الأربعين من عمرك... تخيل جزعك... كنت سترى وجهاً غريباً تماماً، وكنت ستفهم بصورة جلية ما ترفض الإقرار به. واقتنعت أنها معبرة عن الرسوم التي صدرت مني.

الأعمال يملكها المشاهد لذا لم أكثر في تفسير كل عمل.

أردت إعطاء المشاهد الحرية والقوة لأن يملك كل عمل على حدة شخصيّاً.

أنا متأثرة كثيراً بالروايات فأنا أعشق القراءة وهذه الهواية أعتبرها هبة تزيد من عمق أفكاري وتعاملي مع الناس والفنون بشكل عام.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:29 م

      شكرا للدكتورة
      جزيل الشكر للفنانه و الدكتوره . أنا أشعر بارتياح لما أرى شخابيط الناس المعروضة في مطعم اموش الشعبي للعائلات في شارع البديع العام . حتى اولادي ينجذبون لما يشاهدون شخابيط و رسومات الناس العفويه.

اقرأ ايضاً