العدد 5275 - الثلثاء 14 فبراير 2017م الموافق 17 جمادى الأولى 1438هـ

بالفيديو... سرحان يجمع 5 آلاف كتاب منها 2820 مؤلفاً بحرينياً

«الوسط» تزور المكتبة الخاصة لـ «رائد مسيرة المكتبات في البحرين»...

منصور سرحان يُطلع «الوسط» على مقتنيات مكتبته - تصوير أحمد آل حيدر
منصور سرحان يُطلع «الوسط» على مقتنيات مكتبته - تصوير أحمد آل حيدر

ارتبطَ اسم منصور محمد سرحان بالكتاب والمكتبة البحرينية حتى عُدّ بحق رائداً لمسيرة المكتبات في البحرين، ليس بسبب ارتباط اسمه بأكبر صرح ثقافي في البلاد مديراً للمكتبة الوطنية بمركزِ عيسى الثقافيّ فحسب؛ بل لغزارة إنتاجه الفكري المتنوع والذي يتجاوز الأربعين كتاباً شملت نواحي متعددة من تاريخ المكتبات والشخصيات والمؤسسات الثقافية في البحرين. يأخذنا هذا التقرير إلى مكتبة سرحان للاطلاع على ما تحويه مكتبته الخاصة التي تفتح أبوابها للمرة الأولى أمام الصحافة والإعلام المحلي متنقلين بين رفوفها سعياً منا لرصد قصة سرحان مع الثقافة والكتاب البحريني منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي إلى اليوم، وهي رحلةُ حبٍّ وشغفٍ يزيد عمرها على الأربعين عاماً.

البذرة الأولى

سعيناً للإمساك بالخيط الأول في قصة نشأة المكتبة الشخصية لسفير الكتاب البحريني سرحان، فقال إن الأثر الأكبر الذي عمق ارتباطه بالكتاب يعود إلى أخيه الأكبر الحاج علي، يقول عن أثر الوسط العائلي في تنمية هذا البعد من شخصيته: «لاشك في أن المنزل كان له أثره الكبير على حياتي الخاصة وحياة أخي مكي رحمه الله أثناء سنوات طفولتنا، فقد تم الاعتناء بنا أثناء وجود والدنا وبعد وفاته العام 1956 من قبل شقيقينا الحاج علي والحاج عبدالنبي. وكان أخي الحاج علي كثير التردد على المنامة ويرتبط بصداقات مع مجموعة من أبناء المنامة الذين تعرف عليهم من خلال عملهم في مصفاة النفط، كما أن تردده كان سبب اشتراكه في الصحف المحلية والعربية، وكنا نشعر بالفرحة عندما يقرر في مرات نادرة أخذنا إلى المنامة العاصمة والمحرق، ولكن الأثر المهم الباقي لشقيقي علي كان من دون شك اشتراكه في المجلات العربية التي عمقت ارتباطنا بالقراءة وجعلتنا منذ الصغر محبين للمعرفة».

كما أن تأثير الوالد أيضاً - يضيف سرحان - كان عميقاً ولو بشكل غير مباشر، فقد كان أحد وجهار القرية، عمل في الغوص ثم التحق بشركة نفط البحرين في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي، وفي سنوات الأربعينيات امتهن التجارة. وكان مجلسه محط رحال العلماء والفقهاء من داخل البحرين وخارجها وبصورة خاصة من العراق.

وقد لعب مجلس الحاج محمد بن سرحان دوراً بارزاً ومهماً في حياة أبناء قرية النويدرات، وكان المجلس بمثابة النادي والمدرسة والملتقى، ففيه يجتمع الأهالي باستمرار حيث يفتح المجلس أبوابه في الصباح ويستمر حتى ساعات متأخرة من الليل، وكانت تتخذ فيه القرارات المتعلقة بالقرية بوصفه ملتقى رجال الدين وكبار زوار القرية من داخل البحرين وخارجها حيث يتخذ مبيتاً لهم.

ولمازلت أتذكر بعض الأسماء التي كانت ترتاد المجلس، فمن العراق كان السيدمهدي الرفيعي، والشيخ حسون طه، وآخرون كانوا يمكثون أثناء زيارتهم البحرين في منزل والدي لأكثر من شهر، وكان العلماء من العراق يحضرون معهم كتبهم في صناديق حديد للقراءة، وبالإضافة إلى الدور الثقافي كان المجلس المكان الرئيسي لمعرفة الأخبار المحلية والإقليمية والعالمية.

رحلة طويلة مع الكتاب

كونت مكتبة خاصة منذ مطلع ستينيات القرن الماضي، لكن شغفي بجمع الكتب بدأ بشكل فعلي ومنظم بعد أن انتقلت من وظيفة معلم في المدارس إلى إدارة المكتبات بوزارة التربية والتعلم وكان ذلك العام 1973.

تضم المكتبة الآن مجموعة مختارة في مجالات معرفية متعددة، وتضم بين أرففها خمسة آلاف عنوان في مختلف المجالات، من بينها 2820 عنواناً خاصاً بالمؤلفات البحرينية، ويكمن تميزها بهذا العدد من المؤلفات البحرينية التي يعود تاريخ بعضها إلى العقود الخمسة الأولى من القرن العشرين. كما تضم معظم المؤلفات المحلية التي صدرت في الخمسة العقود الأخيرة من القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحالي ما يعني أنها المكتبة الوحيدة المتخصصة في جمع النتاج الفكري المحلي.

هذه المكتبة، مكّنت سرحان من رصد الحركة الفكرية في البحرين في كتابه الصادر العام 2000 (رصد الحركة الفكرية في البحرين خلال القرن العشرين)، كما تضم المكتبة العديد من مصنفات علماء البحرين عبر العصور الإسلامية والتي تم طبعها ونشرها.

ما يميز المكتبة أن الإصدارات البحرينية فيها نظمت وفق سنوات الإصدار، مما يسهّل على أي باحث معرفة عدد عناوين الكتب التي صدرت في أية سنة، وكذلك معرفة المواضيع التي تناولتها كتب ذلك العام، أي أنه يمكن معرفة الخطاب البحريني وتوجهاته في كل عام.

وتحوي المكتبة أمهات الكتب العربية مثل «نهج البلاغة» للإمام علي بن أبي طالب و «العقد الفريد» لابن عبدربه، و «يتيمة الدهر» للثعالبي، و «تاريخ التمدن الإسلامي» لجرجي زيدان، و «مروج الذهب» للمسعودي و «تاريخ الطبري»، والكثير من كتب الفقه الإسلامي بمختلف توجهاتها ومشاربها.

نفائس

يتحدث سرحان عن علاقته الوطيدة مع شاعر البحرين إبراهيم العريض الذي أصدر عنه أكثر من كتاب، ويقول: ارتبطتُ أثناء عملي مسئولاً عن المكتبات العامة في البحرين ومديراً حالياً للمكتبة الوطنية بمركز عيسى الثقافي بصدقات مع كبار الأدباء والشعراء والكتاب، ومن بين أولئك أديب البحرين الكبير الأستاذ إبراهيم العريض الذي قربني منه وأصبحت على اتصال يومي به. وكان العريض يتردد على مكتبة المنامة العامة إلا أنه قبل وفاته بست سنوات تقريباً أصبح عاجزاً عن الحركة ما جعلني أتردد عليه في منزله بالمنامة بشكل يومي.

ونظراً لثقة العريض بي فقد سلمني مراسلاته وأوراقه الخاصة طالباً مني الاحتفاظ بها، فقمت بتسليم جميع المراسلات والأوراق الخاصة بالعريض إلى الشيخة مي بنت محمد آل خليفة عندما حولت منزل العريض في الحورة إلى «بيت الشعر بيت إبراهيم العريض» حيث عرضت تلك المراسلات وحفظت هناك.

ومن ضمن الهدايا التي حصلت عليها من العرض نسخة طبق الأصل من مخطوط للقرآن الكريم بخط أبي الحسن علي بن هلال بن عبدالعزيز المعروف بابن البواب، لأنّ أباه كان بوَّاباً لبني بويه، وربما لقب بابن السّتري والمعنى واحد، فالبواب يلازم ستر الباب، ويعود هذا المصحف للقرن الرابع الهجري وهو من أثمن موجودات مكتبتي، في العام 1983 قام دى.إس. رايس D. S. Rice بنشر نسخة طبق الأصل من مصحف ابن البواب المكتوب سنة 391 هجرية بخط النسخ، والمحفوظ أصله في مكتبة تشيستر بيتي (دبلن - ايرلندا) تحت رقم K.16. وقد طبعت هذه النسخة بشكل محدود جداً وتسابق لاقتنائها أثرياء وملوك وأمراء العالم.

إحصائيات المكتبة

تحتوي المكتبة شتى أنواع الكتب العلمية والتاريخية والأدبية، وفيها كتب نادرة ووثائق وصور قديمة، في اختصاص علم المكتبات، وهي مجموعة يعتز بها سرحان كثيراً، إذ يتوافر 5000 (خمسة آلاف كتاب)، منها 2820 عنواناً بحرينياً، منها 170 كتاباً باللغة الإنجليزية.

وتضم المكتبة 2200 كتاب منها 140 في علم المكتبات و170 كتاباً في حقل التراجم والسير، و128 في الفكر والسياسية و120 في التاريخ وعلومه منها 50 كتاباً في تاريخ الخليج العربي.

وتضم المكتبة أيضاً 15 موسوعة في الفقه الإسلامي في مختلف المذاهب، و50 عنواناً عن المرأة، و24 كتاباً في التراث العربي، و40 كتاباً في التربية و90 كتاباً في العلوم والصحة، و24 عنواناً في المعاجم والقواميس.

أول الكتب البحرينية طباعة

وفي سؤال وجهناه لسرحان حول أول الكتب البحرينية طباعة، أجاب: يعتبر كتاب «لؤلؤة البحرين في الإجازة لقرتي العين» للشيخ يوسف بن أحمد آل عصفور أول كتاب بحريني طبع طباعة حجرية في العام 1852م بإحدى مطابع طهران.

أما الكتب التي طبعت طباعة حديثة فيعد كتاب «مجاري الهداية» لراشد بن فاضل بن علي أول هذه الكتب، إذ صدر أول مرة في البحرين وكانت طبعة محدودة لم تتجاوز المئة نسخة وذلك العام 1922م.

أما الكتاب الذي حظي بطباعة حديثة وتوزيع واسع بين الجمهور فهو الديوان الشعري لأديب البحرين الكبير إبراهيم العريض: «الذكرى»، وترجع سنة طبعه إلى العام 1931م، حيث تم طبعه في مطبعة النجاح ببغداد.

أرشيف الصحافة الوطني

ومن بين الهوايات التي شغف بها سرحان اقتناؤه الأعداد الأولى من المجلات التي تصدر في داخل البحرين وخارجها، ويبلغ عدد الأعداد الأولى من المجلات التي تحتويها مكتبته 300 مجلة، منها 50 مجلة محلية في ذلك العدد 17 من «هنا البحرين» الصادر في 24 مايو/ أيار 1957م، وهو عدد نادر أهداه إبراهيم العريض لسرحان.

وتضم مكتبة سرحان الأعداد الأولى للصحف البحرينية: «أخبار الخليج» الصادرة العام 1976، و «الأيام» الصادرة العام 1989، و «الوسط» الصادرة العام 2002، «العهد» الصادرة العام 2003، «الميثاق» الصادرة العام 2004، «الوطن» الصادرة العام 2005، والعدد الأول والأخير لصحفة «الوقت» الصادرة العام 2006، و «البلاد» الصادرة العام 2008، و «النبأ» الصادرة العام 2008.

وكما هو الحال مع الصحف، فإن المكتبة تضم تشكيلة واسعة من المجلات والنشرات المحلية وفق سنوات إصدارها، ومن هذه المجلات البحرينية: «الهداية» 1978م، «المجلة الطبية» Bahrain Medical Bulletin 1979، «الوثيقة» 1982، «كلمات» 1983، «مجلة البحرين الخيرية» 1983م، «العروبة» 1988، «لؤلؤة الخليج» 1991م، «العلوم التربوية والنفسية» 2000، «ثقافات» 2002، «الديمقراطي» 2003، «التجديد» 2003، «الاستقامة» 2003، «النواب» 2003، «الثقافة الشعبية» 2008، «كل الناس» 2009 وغيرها من المجلات المحلية والنشرات المحلية.

ساعتان للقراءة يومياً

«لا وقت للفراغ عندي»، يقول سرحان وهو يتحدث من مكتبه وهو يتصفح أرشيفه الشخصي ويعرضه أمامنا بشيء من الرضا والزهو، سألته: هل مازلت تحافظ على عادتك القديمة في القراءة مع كل هذه الالتزامات الرسمية والمشاغل البحثية والاجتماعية التي تحيطك؟ أجاب: أحرص يومياً على قضاء ساعتين بعد المغرب للقراءة وهي عادة استمرت معي سنوات طويلة من حياتي، فعندما أُنهي مسئولياتي المهنية والبحثية والأسرية أجدد صلتي مع الكتاب من خلال القراءة والبقاء في المكتبة ساعتين يومياً.

عن الكتاب الذي أثّر كثيراً في مسيرته الفكرية يثني سرحان على كتاب «تاريخ التمدن الإسلامي» للأديب والمؤرخ اللبناني جرجي زيدان والذي قرأه في سنوات دراسته الجامعية وتأثر به كثيراً نظراً لجمال الأسلوب الذي يتحلى به زيدان وشمولية المعلومات التي ضمها الكتاب، «جرجي زيدان كان أديباً ومؤرخاً واسع الاطلاع وغزير العلم، وكان يتمتع بلغة مشرقة وأسلوب متفرد، وقد ترك كتابه هذا عليّ تأثيراً عميقاً، فإلى جانب أنه ساهم في توسيع مداركي الثقافية والتاريخية، رسخ أيضاً شغفي بالأدب والتاريخ الثقافي وهو ما انعكس بشكل أو بآخر في كتاباتي لاحقاً».

نتاج فكري غزير

إضافة إلى العدد الكبير من المؤلفات والإصدارات التي تربو على الأربعين كتاباً في مختف مناحي الحياة الثقافية والأدبية البحرينية، ألقى منصور سرحان العديد من المحاضرات الخاصة بالمكتبات والشأن الثقافي والتاريخي، وتحولت بعض محاضراته إلى كتب بعد أن أجرى عليها بعض الإضافات كمحاضرته عن تاريخ السينما العام 2005، ومحاضرته عن حرق الكتب وتدمير المكتبات في الوطن العربي عبر العصور العام 2007.

وكان له اهتمام خاص بتاريخ البحرين الثقافي من خلال محاضراته عن المكتبات والصحافة وانتشار حركة الكتابة والتأليف في البلاد، كما حاضر عن الثقافة العربية والإسلامية حظيت بمتابعة المهتمين والمثقفين وكتبت عن أغلبها الصحافة المحلية.

وقد كتب سرحان في القصة كتابه «رجل في عالم الرؤيا» الذي بيع منه عشرة آلاف نسخة في لبنان، كما أخبره بذلك ناشر الكتاب المرحوم عبدالكريم فخراوي.

انتهى سرحان من إعداد كتابين جديدين الأول عن الدكتور عبدالجليل إبراهيم العريض الذي دشّن قبل أيام ببيت القرآن، أما الكتاب الآخر فهو عن شخصية نسائية معروفة هي أفنان الزياني والذي من المفترض أن يتم تدشينه الشهر المقبل، كما يستعد سرحان حالياً لإصدار كتاب جديد يضم مجموعة من مقالاته الصحافية ومن المؤمل أن يصدر كتابه في العام الجاري.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 9:40 ص

      رائد المكتبات المخلص الاستاذ منصور له كل التحية والتقدير انسان هادئ متعلم واسع الافق الفكري ومهموم بالثقافة والتنوير والبحث والاطلاع .... نتمنى له كل التوفيق والمزيد من البحث والدراسة و سبر اغوار الشخصيات الفاعلة ونفض الغبار عن بؤر العلم ومدارسها في بلادي

    • زائر 2 | 1:04 ص

      جولة سريعة وجميلة مع الدكتور/ سرحان .. والأجمل من ذلك هو التركيز على الرموز الوطنية التي ساهمت في إثراء الحركة الثقافية قراءة وجمعاً وكتابة ورصداً.
      بوركت أبا علاء ..

    • زائر 1 | 10:22 م

      نفخر بهذه الطاقات البحرينية المثقفة

شاهد أيضا