العدد 5278 - الجمعة 17 فبراير 2017م الموافق 20 جمادى الأولى 1438هـ

الغريفي: الإصلاح يتطلب تعافي المناخات السياسية

السيد عبدالله الغريفي
السيد عبدالله الغريفي

قال عالم الدين السيدعبدالله الغريفي، في كلمة ألقاها بعد صلاة العشاءين بجامع الإمام الصادق(ع) في القفول، مساء الخميس (16 فبراير/ شباط 2017)، «من أجلِ إصلاحِ الأوطان يجب أوّلاً أنْ تتعافى المناخات السِّياسيَّة، وإلَّا تبقى الأوضاع معقَّدة، ويصعب أنْ تتحرَّك خَيَارات الإصلاح».

دعا لإنتاج الثقة وإيقاف خطابات التأزيم وإيجاد الخطابات الرسمية المطمئنة...


الغريفي: قلوبنا على الوطن... والإصلاح يتطلب تعافي المناخات السياسية

القفول - محرر الشئون المحلية

قال عالم الدين السيدعبدالله الغريفي، في كلمة ألقاها بعد صلاة العشاءين بجامع الإمام الصادق (ع) في القفول، مساء الخميس (16 فبراير/ شباط 2017)، «من أجلِ إصلاحِ الأوطان يجب أوَّلًا أنْ تتعافى المناخات السِّياسيَّة، وإلَّا تبقى الأوضاع معقَّدة، ويصعب أنْ تتحرَّك خَيَارات الإصلاح».

وتحت عنوان «قلوبُنا على الوطن»، أشار الغريفي إلى أن «هذا ليس شعارًا من أجلِ الاستهلاك الإعلاميِّ، أو السِّياسيِّ. وليس من أجل أنْ يَرْضى هذا، أو أنْ لا يغضب ذلك. إنَّها قضيَّة وطن».

وتابع «إنَّنا -وبكلِّ صدقٍ، ووفاءٍ- نريد لهذا الوطن أنْ يتعافى من كلِّ المكاره والأسواء، ومن كلِّ الأتعاب، إنَّنا -وبكلِّ صدقٍ، ووفاءٍ- نريد لهذا الوطن الأمن كلَّ الأمن، ونريدُ له الخيرَ كلَّ الخير. ونريدُ له الصَّلاح كلَّ الصَّلاح. ونريدُ له العزَّة كلَّ العزَّة. ونريد له الكرامةَ كلَّ الكرامة. إننا نضرع إلى الله تعالى صادقين: أنْ نرى هذا الوطن بلا عَناءاتٍ، بلا إرهاقاتٍ، بلا بلاءاتٍ، بلا أزماتٍ، بلا توتُّراتٍ».

وواصل الغريفي «قلوبنا على هذا الوطن في أوجاعِهِ، في آلامِهِ، في كلِّ آهاتِهِ، في كلِّ أتعابه. ومهما اختلفنا في توصيف ما يجري في هذا الوطن، وفي تسمية ما يجري، فإنَّ الوطن يمرُّ بمرحلةٍ صعبة، وبأوضاع في حاجةٍ إلى مراجعة، إلى قراءة. ليس ضعفًا، ولا عَيْبًا، ولا فشلًا أنْ تكون مراجعة، أنْ تكون قراءة»، منوهاً إلى أن «الأنظمة الرَّاقية تمارس المراجعات، القراءات؛ من أجلِ أنْ تحصِّن أوضاع الأوطان، وهكذا يتحرَّك التَّفكير الجادُّ، وهكذا يبدأ البحث عن العلاجات لكلِّ الإشكالات، والأخطاء، ولكلِّ التَّحدِّيات، وهكذا يبدأ البحث في الخلاصِ من الأزمات، من كلِّ الأوضاع غير الطَّبيعيَّة، هذا ما يجب أنْ يتحرَّك بكلِّ شفافيَّة، وبكلِ صراحة، وبكلِّ وضوح، وبكلِّ نزاهةٍ، وبكلِّ صدقٍ، وبكلِّ محبَّة، وبكلِّ تسامح».

وذكر الغريفي «قلوبنا على الوطن، ويقلقنا كلَّ القلق أنْ نرى فيه أزمات، ويوجعنا كلَّ الوجع أنْ نرى فيه عناءاتٍ، وجراحاتٍ، ويؤلمنا كلَّ الألم أنْ تسقط فيه قطرة دم، إنَّها قطرة غالية غلاء الانتماءِ إلى هذا الوطن، وغلاء الانتساب إلى هذه الأرض، نعم، تؤلمنا كلَّ قطرة دم تُراق على هذه الأرض، وتؤلمنا كلُّ دمعةٍ لأمٍّ ثكلى، وتؤلمنا كلَّ آهةٍ لأبٍ مفجوع، وتؤلمنا صرخاتُ اليتامى، وحسراتُ الأيامى، وفي زحمة هذه الآلام نبقى نلاحق الأمل، لا نريد للأملِ أنْ يختنق في داخلنا، لا نريد للبَسْمة أنْ تبقى هاربةً من الشِّفاه، لا نريد للقلق أنْ يبقى مستوطنًا القلوبَ، لا نريد للمحبَّة أنْ تموت، لا نريد للتَّسامح أنْ يغادر أرضنا».

وتحت عنوان «آفاق الذَاكرة»، قال الغريفي: «إذا استرجعنا الذَّاكرة: حينما انفتحت أمام النَّاسِ آمالٌ، حينما صافحت البَسْمَةُ كلَّ الشِّفاه، حينما انتشر عبقُ المحبَّة، والتَّسامح بين النَّاس، كم كان الوطنُ كبيرًا وجميلًا، وكم كان الوطنُ واحةَ خيرٍ، نريد أنْ يبقى الوطن جميلًا.

أنْ يبقى كبيرًا، أنْ يبقى واحةَ خير، أنْ يبقى واحةَ حبٍّ، وواحةَ تسامح».

وتساءل الغريفي «لماذا أصبحنا نتألَّم، ونتألَّم؟... البَسْمَة ما عادت حاضرة في زحمة أحداث وأحداث، وفي زحمةِ هموم وهموم، وفي زحمة أوجاعٍ وأوجاع، المحبَّة ما عادت حاضرة في كلِّ القلوب، فقد ترصَّدَها سماسِرةُ الكراهيات، والعداوات، التَّسامح فارق الكثير من المواقع، فقد تصدَّى له صنَّاعُ الفتن، والعصبيَّات، لست متشائمًا، ولستْ يائسًا من رَوْح اللهِ سبحانه، لأنَّ اليأسَ من رَوْح الله تعالى كفر، (... وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) (سورة يوسف: الآية 87)، فمهما ضاقت الأحوال، وتعقَّدت الظُّروف، فالثِّقة بالله (عزَّ وجلَّ) لا تسمح لنا أنْ نسقط في اليأس، (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) (سورة الشرح: الآية 5-6)، هذه سُنَّة الله تعالى في الكون، وهذا هو وعده الذي لا يمكن أنْ يتخلَّف، مهما قستْ المحن والشَّدائد، فلا يصحُّ أنْ نسقط، أو أنْ نيأس، ما دمنا نتحرَّك وفق ما تفرضه مسئوليَّتنا الشَّرعيَّة، ووفق ضوابط الدِّين، والقِيم، والأخلاق، والمبادئ النَّظيفة، والقوانين العادلة».

وتحت عنوان «مطلوبٌ أنْ تتعافى المناخات»، شدد الغريفي على أنه «من أجلِ إصلاحِ الأوطان يجب أوَّلًا أنْ تتعافى المناخات السِّياسيَّة، وإلَّا تبقى الأوضاع معقَّدة، ويصعب أنْ تتحرَّك خَيَارات الإصلاح».

وعن كيفية تعافي المناخات في داخل الأوطان؟ أوضح «هنا مجموعة أمور، الأمر الأوَّل: التَّأسيس لإنتاج الثِّقة بين مكوِّنات الأوطان (الأنظمة، الشُّعوب، القوى النَّاشطة)، فما لم يتمَّ التَّأسيس لإنتاج هذه الثِّقة، فسوف تبقى العلاقات مرتبِكة، الأمر الذي يؤثِّر على المناخات السِّياسيَّة، فتبقى مرتبِكة، متأزِّمة، متوتِّرة، قلقة. أما ما هي أسباب اهتزاز الثِّقة بين الأنظمة والشُّعوب، وكيف تعالج هذه الأسباب، فمسألة في حاجة أنْ توضع لها خطط مدروسة، بشرط أن تكونَ هنا إراداتٌ جادَّة في التَّأسيس لإنتاج الثِّقة؛ من أجل تنقية المناخات السِّياسيَّة. والأمر الثَّاني: إنهاء كلِّ القضايا التي تؤزِّم المناخات، ولا شكَّ في أنّ المناخاتِ السِّياسيَّة متداخلة مع المناخاتِ الدِّينيَّة، والاجتماعيَّة، والثَّقافيَّة، والاقتصاديَّة، فأيُّ قضيَّة صادمةٍ في أيٍّ من هذه المساحات سوف يكون له تأثيراتها على المناخات السِّياسيَّة. فإذا أخذنا (المساحات الدِّينيَّة) -مثلًا-، ففي هذه المساحات توجد قضايا لها حساسيَّتها الكبيرة، فالمساس بها يشكل استفزازًا خطيرًا لمشاعر المنتمين لهذا الدِّين، أو لهذا الطَّائفة، أو لهذا المذهب. فاستهداف: رموز هذا الدِّين، أو هذه الطَّائفة، أو هذا المذهب يشكِّل استفزازًا خطيرًا يربك المناخات السِّياسيَّة. وكذلك استهدافات الشَّعائر، والفرائض، والمعتقدات. وكم أحدثت هذه الاستهدافات إرباكات خطيرة جدًّا في المناخات السِّياسيَّة، ربما تنفي الأنظمة وجود هذه الاستهدافات وربَّما تحدث التباسات، وهنا تكون الحاجة إلى المعالجة العاقلة، والهادئة، والصَّادقة. أما الأمر الثالث: عدم اعتماد (الخَيَارات القاسية) في مواجهة حَراكات الشُّعوب، فمن أخطر المؤزِّمات للمناخاتِ السِّياسيَّة اعتماد الخَيَارات القاسية في مواجهة حَراكات الشُّعوب، فهذه الخيارات تدفع إلى المزيد من التَّعقيدات، والاحتقانات، والتَّأزُّمات، وهي خَياراتٌ تكلِّف الأنظمة، والشُّعوب، والأوطان أثمانًا باهظة جدًّا، وإذا كان العنفُ يولِّد عنفًا، فإنَّ الرِّفقَ يُولِّد رفقًا، وإذا كان الرِّفق مطلوب من الشُّعوب، فهو مطلوب ٌمن الأنظمة بدرجة أكبر وأكبر».

وأضاف «لقد أكَّدت النُّصوص الدِّينيَّة على قِيمة الرِّفق: (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ...) (سورة آل عمران: الآية 159)، وجاء في الكلمة عن رسول الله (صلَّى الله عليه وآلِهِ وسلَّم): «الرِّفق رأس الحكمة. اللَّهمَّ، مَن وَلِيَ شيئًا من أمور أمَّتي فَرفق بهم، فارفق به. ومَنْ شقَّ عليهم، فاشفق عليه» (مستدرك الوسائل11/295، ميرزا حسين النُّوري الطبرسي). وجاء في عهد أمير المؤمنين إلى مالك الأشتر حينما ولَّاه على مصر «وأشعِرْ نفسَكَ الرَّحمةَ للرَّعية، والمحبَّةَ لهم، واللُّطف بهم، ولا تكونَنَّ عليهم سَبُعًا ضاريًا، تغتنم أكلهم، فإنَّهم صنفان: إمَّا أخ لك في الدِّين، وإمَّا نظيرٌ لكَ في الخَلْق» (نهج البلاغة3/84، خطب الإمام علي (عليه السَّلام)، شرح: الشَّيخ محمَّد عبده)».

وذكر الغريفي أن «الأمرُ الرّابعُ: إيقاف خطابات التَّأزيم، فمن أخطر ما يدفع بالمناخات إلى التَّأزُّم وجود خطابات مُؤزِّمة، فحينما تمارس هذه الخطابات تأزيمًا دينيًّا، أو ثقافيًّا، أو اجتماعيًّا، أو سياسيًّا، فإنَّ هذا -لا شكَّ- ينتج أوضاعًا ومناخات متأزِّمة. فمن أجل تحصين المناخاتِ، وتنقيتها من كلِّ المؤزِّمات يجب إيقاف خطابات التَّأزيم، وخطابات الفتنة، وخطابات الكراهية، وفي أيِّ موقع تَمَوْقَعَت.

فربما تكون مواقعها منابر دِين، وربما تكون مواقعها منابر ثقافيَّة، وربما تكون مواقعها منابر سياسة، وربما تكون مواقعها إعلام أنظمة، أو صحافة أنظمة، أو مواقع أنظمة».

وأكد الغريفي أن «المرحلة التي تمرُّ بها أوطاننا - بكلِّ تعقيداتها، وتوتُّراتها، ومخاضاتها - في حاجة إلى خطابات محبَّة، وتسامح، وخطابات وحدة، وتآلف؛ لكي تخفِّف من عناءاتِ، وإرهاقات هذه المرحلة، ولكي تمارس أدوارًا في تبريد التَّوترات، والتَّأزُّمات، والاحتقانات. وحينما نتحدَّث عن خطابات المحبَّة، والتَّسامح لا نعني أنْ يصمت الخطاب عن ممارسة أدواره في النُّصح، والتَّصحيح، وحماية القِيم، والمبادئ، والأهداف النَّظيفة، والقضايا الحقَّة، والمطالب المشروعة».

وتابع الغريفي «الأمر الخامس: توفير الأجواء الحرَّة لممارسة العمل السِّياسيِّ الرَّاشد، فمن أسباب التَّأزيم للمناخات السِّياسيَّة غياب، أو تغييب الرُّموز الرَّاشدة، والفاعلة، والقادرة على حماية هذه المناخات. والكلام ينطبق كذلك حينما تغيب، أو تُغيَّب قوى سياسيَّة راشدة، وفاعلة وقادرة. وكلَّما توفَّرت الأجواء الحرَّة؛ لممارسة العمل السِّياسيِّ الرَّاشد، والبصير كان ذلك عاملًا مهمًّا في حصانة ونظافة المناخات السِّياسيَّة، والعكس صحيح».

وأوضح الغريفي «الأمرُ السَّادس: وجود الخطابات الرَّسميَّة المطمئِنة للشُّعوب، فمن أقوى ما يُحصِّن مناخاتِ الأوطان السِّياسيَّة، ويهدِّئ من هواجس الشُّعوب وقلقها وجود خطابات رسميَّة قادرة على طَمْأَنَة الشُّعوب، ومتى غابت هذه الخطابات المطمئِنة، فإنَّ قلق الشُّعوب، وهواجسها يتحوَّل غضبًا، رفضًا. وهكذا تتشكَّل الأزمات، وربما صارت مآزق سياسيَّة صعبة. وحينما نتحدَّث عن خطابات رسميَّة مُطَمْئِنَة نتحدَّث عن خطابات تعبِّر عن هموم الشُّعوب، وتطلُّعاتها، وكلِّ آمالها وآلامها، وعن كلِّ قضاياها العادلة، وأنْ تكون جادَّة في إنتاج مشاريع الإصلاح القادرة على النُّهوض بالأوطان».

العدد 5278 - الجمعة 17 فبراير 2017م الموافق 20 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 12:05 ص

      بداية الاصلاح محاربة الفساد وطالما أن الفساد مستشري ويتكرّر بلا محاسبة فلا طائل في الكلام عن الاصلاح لأننا الفساد نراه ونلمسه ولا احد يستطيع ان يقول له قف مكانك

    • زائر 7 | 11:13 م

      لا تنشد التغيير بالكلام غيروا ما بأنفسكم يتغير حالكم. الخطابه صعبه بس الأصعب التطبيق.

    • زائر 6 | 11:05 م

      مبادرة بحاجة الى أذان صاغية وغير مكابرة، نأمل من الله أن يريح البلاد والعباد من شر الفتن وضوائق المحن.

    • زائر 4 | 11:00 م

      شكراً للسيد عبدالله الغريفي علي
      هذا الكلام الحكيم.

    • زائر 3 | 11:00 م

      العدل أقل كلفة من الظلم، وكسب رضا الناس وإشراكهم في إدارة أمورهم راحة للحاكم والمحكوم في أي بلد، فعجبي لمن يختار الأكثر كلفة ويختار عدم راحته واستقراره بسلب حقوق الناس، فمتى يستيقظ العقل؟!

    • زائر 2 | 9:58 م

      مبادرة جيدة في ظل الأوضاع الصعبة

    • زائر 1 | 9:31 م

      حفظ الله الوطن

      وأدام على هذا الوطن نعمة الأمن والامان وابعد عنه كل شر ماضوي يريد بنا العودة الى زمن ال.... نريد حرية وامان وثقة نريد حرية تقوم على أسس العقل والمنطق لا على أساس المنقول والعودة الى الماضي انتهى زمن الخطابات جاء وقت العمل مع الإمكانيات المحدودة والاقتصاد الصعب

    • زائر 5 زائر 1 | 11:04 م

      فاقتصادنا وإمكانياتنا المحدودة تحتم اختيار الانفراج والمصالحة والإصلاح وليس العكس.

اقرأ ايضاً