العدد 5278 - الجمعة 17 فبراير 2017م الموافق 20 جمادى الأولى 1438هـ

القطان داعياً لكشف الكربة عند فقد الأحبة: التأمل في القرآن والسنة يسلّي المصاب ويقر العين

الشيخ عدنان القطان
الشيخ عدنان القطان

الجفير - محرر الشئون المحلية 

17 فبراير 2017

دعا إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، الشيخ عدنان القطان، إلى كشف الكربة عند فقد الأحبة، من خلال التأمل والتدبر في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وتذكر المصيبة العظمى بموت رسول الله (ص)، مؤكداً أن ذلك يسلّي المصاب، ويُقرّ العين.

وفي خطبته يوم أمس الجمعة (17 فبراير/ شباط 2017)، عدّد القطان أموراً تسلي المصاب وتكشف كربته عند فقد الأحبة، منها أولاً: التأمل والتدبر والنظر في كتاب الله جل وعلا، وسنة نبيه (ص)، ففيهما ما تقر به الأعين، وتسكن به القلوب، وتطمئن له تبعاً لذلك الجوارح مما منحه الله، ويمنحه لمن صبر ورضي واحتسب من الثواب العظيم، والأجر الجزيل، فلو قارن المكروب ما أخذ منه بما أعطي، لا شك في أنه سيجد ما أعطي من الأجر والثواب، أعظم من فوات تلك المصيبة بأضعاف مضاعفة، ولو شاء الله لجعلها أعظم وأكبر وأجل، وكل ذلك عنده بحكمة وكل شيء عنده بمقدار.

وذكر أن من وسائل كشف الكربة عند فقد الأحبة «تذكر المصيبة العظمى بموت رسول الله (ص)، وكل مصيبةٍ دون مصيبتنا بموته صلى الله عليه وسلم تهون، فبموته صلى الله عليه وسلم انقطع الوحي من السماء إلى يوم القيامة، وبموته انقطعت النبوات، وبموته ظهر الفساد بارتداد العرب عن الدين، فهو أول انقطاع عرى الدين أو نقصانه. وفيه غاية التسلية عن كل مصيبةٍ تصيب العبد أو تحل بأمة الإسلام جمعاء».

وأضاف «ما من عزيز أو حبيب أو قريب أو صديق فقدناه، إلا وذاق القلب من لوعة فراقه، وحرقة وداعه ما الله به عليم، فهل شعرنا بهذا ونحن نستشعر موت النبي (ص)؟ ماذا لو فقد الرجل أسرته كلها، (لا قدر الله) وقد احترق فؤاده، وأدمي قلبه، وأنبتت دموعه الأسى، ثم تزوج بعد فترة ثم رزق بأبناء وعقب سنة مات أحد أبنائه، فكيف يكون حزنه وألمه إذا قورن بالمصاب الأول؟ أليس الخطب أهون؟ أليست المصيبة أقل؟ بلى! فهكذا ينبغي أن نعزي أنفسنا كلما أصابتنا المصائب بذكر موت النبي (ص) فهو أعظم المصائب...».

وتساءل القطان «هل تنسى في خضم ذلك الشعور، أن الله أخرجك بدعوة محمد (ص) من ظلمات الضلالة إلى نور الهدى والتوحيد؟ وهذا بإذن الله إنقاذ لك من الخلود في النار، أفلا يستحق رسول الله منا أن نحزن على موته أكثر ممن سواه؟ ونتعزى به عن فراق من سواه ونذكره فنتمسك بسنته، ونمضي على شرعته، لننعم بعدها بصحبة النبيين والصديقين والشهداء».

ورأى أن من وسائل كشف الكربة عند فقد الأحبة «أن يعلم المكروب المصاب علم اليقين، أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه»، مشيراً إلى أن من تلك الوسائل أيضاً «الاستعانة بالله، والاتكال عليه، والرضا بقضائه، والتسليم لقدره، فليعلم المكروب أن حظه من المصيبة ما يحدث له، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط، من رضي بقضاء الله جرى عليه وكان له أجر، ومن لم يرضَ بقضاء الله جرى عليه وحبط عمله، فقضاء الله نافذ كالسيف، وأمره واقع، لا رادّ لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولكن العبد هو الذي يربح أو يخسر بحسب رضاه وسخطه، جعلنا الله وإياكم من الراضين بقضائه وقدره».

وأردف قائلاً «ومما يكشف الكربة عند فقد الأحبة، العلم اليقيني أن الجزع لا يرد المصيبة بل يضاعفها، فالجازع يزيد مصيبته، ويشمت أعداءه، ويسوء أصدقاءه، ويغضب ربه، ويسر شيطانه، ويحبط أجره، ويضعف نفسه، أما إذا احتسب وصبر ورضي، أخزى شيطانه، وأرضى ربه، وسر صديقه، وساء عدوه، وحمل على إخوانه فعزاهم قبل أن يعزوه، هذا هو الثبات في الأمر، نسأل الله الثبات في الحياة وفي الممات».

وتابع «ومما يكشف الكربة عند فقد الأحبة: العلم بأن النعم زائرة، وأنها لا محالة زائلة، وأن السرور بها إذا أقبلت، مشوب بالحذر بفراقها إذا أدبرت، وإنها لا تفرح بإقبالها فرحاً حتى تعقب بفراقها ترحاً، فعلى قدر السرور يكون الحزن، والمفروح به اليوم هو المحزون عليه غداً، ومن بلغ غاية ما يحب فليتوقع غاية ما يكره، ومن علم أن كل نائبة إلى انقضاء، حسُن عزاؤه عند نزول البلاء، وليعلم المسلم بأن الدنيا فانية زائلة، وكل ما فيها يتغير ويحول، ويفنى ويزول، لأنها إلى الآخرة طريق، وهي مزرعة للآخرة على التحقيق، إنها ألم يخفيه أمل، وأمل يحققه بإذن الله عمل، وعمل يقطعه الأجل، وعندها يجزى كل امرئٍ بما فعل».

وقال إن مما يكشف الكربة «تذكر ما في البلاء من لطائف وفوائد، منها على سبيل المثال: أولاً: تذكير العبد بذنوبه، فربما تاب إلى الله عز وجل، فالتوبة لله تعالى أعظم عزاء له من كل شيء، ثانياً: زوال قسوة القلب مع حدوث رقة القلب، وانكسار العبد لله عز وجل، وذلك ملاحظ في المصائب، وذلك والله خير من كثيرٍ من طاعات الطائعين، فانكسار المذنب خير وأعظم من صولة المطيع. ثالثاً: البلاء يوجب من العبد الرجوع إلى الله عز وجل، والوقوف ببابه، والتضرع له، والاستكانة له والدعاء، وهذا من أعظم فوائد البلاء، وفي بعض الآثار: إن الله ليبتلي العبد وهو يحبه، ليسمع تضرعه ودعاءه»، مشيراً إلى أن «البلاء يقطع قلب المؤمن عن الالتفات إلى المخلوقين، ويوجب له الإقبال على الخالق الذي لا شريك له، فالمشركون وهم مشركون حكى الله عنهم إخلاص الدعاء عند الشدائد.

وتحدث إمام وخطيب جامع مركز أحمد الفاتح الإسلامي، عن أثر الدعاء والتضرع واللجوء إلى الله سبحانه وتعالى، وبرد التأسي بأهل المصائب، «فبذلك إطفاء لنار المصيبة، ولنعلم أنه في كل قرية ومدينة بل في كل بيت، من أصيب مرة ومنهم من أصيب مراراً، وليس ذلك بمنقطع حتى يأتي على جميع أهل البيت، حتى نفس المصاب سيصاب يوماً بنفسه أسوة بأمثاله ممن تقدمه، فإن نظر فلن يرى يمنة إلا محنة، ويسرة إلا حسرة، فما من مصيبة أصيب بها مصاب إلا وهناك ما هو أعظم منها عند غيره. واعلم أن هناك من هو أعظم من مصابك، فإذا علم المصاب علم اليقين أنه لو فتش هذا العالم كله، لم يرَ إلا مبتلى بفوات محبوب أو بحصول مكروب، سري عنه، فسرور الدنيا أحلام، إن أضحكت أبكت وإن سرت ساءت، وما حصل لشخص يوماً سرور إلا أعقبه شرور، فلكل فرحة ترحة، وما كان ضحك قط، إلا وكان بعده بكاء، فلتعلم ولتتأمل أحوال المكروبين أيها المصاب، فما مصيبتك بينهم إلا ذرة في فضاء المصائب، وقطرة في بحار الكروب».

العدد 5278 - الجمعة 17 فبراير 2017م الموافق 20 جمادى الأولى 1438هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً