العدد 5281 - الإثنين 20 فبراير 2017م الموافق 23 جمادى الأولى 1438هـ

قصة قصيرة... قربان الآلهة المشؤومة

أثناه خادمي المعبد بتبريكاتهم المعتادة، والأفاقة، ووعودهم الزائفة بأن الآلهة ستقبل الشاة المقدمة تضرعاً لها، والعِجاف الأصفر المخيّم على بساتينه، سيذوب ذوبان الشمس في مغربها، حين تلتقي الغيمات في وصالها الرمادي، لتنهمر الزخّات في تراخٍ عذب، وتنعم الأرض بالسِحر الأخضر، آتاه من حاضره المُستمر صوت فتيٍّ بالغ: ماذا بعد هذه الغنمة يا أبي؟
أخذ يدفع قدميه بثقلٍ نحو أرضه البور، وسكّينه مقلوبه بين قبضة أنامله تبكي دماً بعد النحر بها، استند بظهره على جذع شجرة عجوز، ثكلى الفروع، تبكي حلم بزوغ فجر أوراقها التي مضت منذ سنين، أخذ يتأمل المحيط الأصفر الذي حوله، تهيأ لأذنيه بأن هنالك ثرثرات هامسة تصدر من تلك الحبوب التي غرسها منذ أسابيع، أشبه بسيلٍ من النميمة والذم عليه لقبرها في جوف هذا القحل المديد، بدأ يطلق بصره للسماء بين الفينة والأخرى، لعلها ترد من غيبته، وتقشع غيوم خيبته، وتروي بور أرضه بالنصر.

على ثنايا وجهه شيء من الامتعاض والسخط على آلهته التي لا تشبع قرابيناً ولا تغنيه بفضلها المزعوم، فالوضع اقترب من بركان الهلاك، هو لا يؤمن بها، فكيف لآلهة متمثلة في حجر نحته البشر، صماء بكماء أن يكون أمر هذا الكون بيدها؟ لكن، هو وليد جهل أبويه وأسلافهما، فطم على جهلهم ونشأ عليه، حتى حين بلغ بناء عقله قمماً، وامتطت روحه القناعة بأن هنالك أمراً أكبر بكثير من تلك الآلهة، واجه أبويه بتِلك الضلالة، فقاموا بزجْره، وتحذيره، فالآلهة شيء مقدس منزهة عن كل فكر، وكل منطق.

نهض عن موضعه وهو يراقب الغربان المتنقلة وهي ترثي حقله المتصحّر بنعيقها، اخترق صمت منزله ليلقي بالسكين ويتناول بدلاً منها فأساً يحرث بها أرضه، أعطى مثيلتها الصغرى لأبنه حين سأله: ماذا ستفعل يا أبي؟ جذبه من كمه المتهرّئ إلى وسط القرية حيث تقبع الأوثان، وأمره بأن يقوم بمثل ما سيقوم به، ولا يكترث لأمر أحد، فبدأ بتوجيه ضربات فأسه على الاجساد الصخرية، تردد ابنه لبرهة لكنه لم يكسر أمره، تدافعت زمرة من أهل القرية يتفرّجون على فعلته دون أن يفتحوا أفواههم، أو اعتراض، اختلط بصوت الحطام صوت خادمي المعبد وهم يهرعون إلى الكارثة فزعين، بشهقات متفاوتة، تتعالى أصواتهم: ستلعنك الآلهة يا مجنون! لم يكترث ولم يلتفت لهم، بل واصل بصب بغض الدهر على تلك الضلالة، ليتوقف لاهث الأنفاس، حين أحس بنقرات رشيقة تربت على كتفيه، مكافأة السماء تحناناً على أرضه وروحه، مدَّ المتسمرون أكفّهم مشدوهين بما ينهمر، وأفواه اللعن جللها النحيب والعويل، أزاح بقدميه الصخر المتفتت، قبل أن يمد عنقه إلى الأعلى ، ويرسم نشوة النصر على شفتيه، ويروي الأخاديد التي شقها الزمن على وجهه بحبات الغيث، وبالإيمان الجديد، الأعظم من كل هذا الحجر، والبشر.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً