العدد 5287 - الأحد 26 فبراير 2017م الموافق 29 جمادى الأولى 1438هـ

مخاوف انفصال اسكتلندا تضغط على الاسترليني .. أسعار الصرف الأدنى في أسبوعين

الوسط - المحرر الاقتصادي 

تحديث: 12 مايو 2017

يبدو أن الاسترليني بات رهينة للتقلبات السياسية والمستثمرون يواجهون أسواقاً مبهمة، فقد أمس الأحد (26 فبراير/ شباط 2017) نحو 0.6 في المئة من قيمتها خلال ساعات ليصل إلى أدنى مستوى لها خلال أسبوعين.

وجاء هذا التراجع عقب نشر إحدى الصحف البريطانية البارزة، خبرا صحافيا نقلا عن مسؤول حكومي رفض الإفصاح عن اسمه، بأن حكومة رئيسة الوزراء تريزا ماي ستقبل بإجراء استفتاء آخر في اسكتلندا، بشأن البقاء مع المملكة المتحدة أو الانفصال، شريطة أن يتم ذلك بعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أي بعد قرابة العامين.

وتكشف الهزة التي تعرض لها الاسترليني في مواجهة العملات الرئيسة، بمجرد نشر الخبر عن عمق الأزمة التي تواجهها العملة البريطانية حاليا.

تشارلز مار المحلل المالي في بورصة لندن، يعتبر ما حدث بمثابة ضوء كاشف لحقيقة وضع العملة البريطانية، وأن التراجع في قيمة الاسترليني وبغض النظر عن مقدار الانخفاض، يكشف تزعزع ثقة الأسواق في العملة البريطانية في الوقت الحالي.

وأضاف لصحيفة "الاقتصادية" السعودية، أنه يبدو الآن واضحا بالنسبة للكثير من المضاربين على العملات، أن الاسترليني بات رهينة للتقلبات السياسية أكثر منه للتغيرات في المنظومة الاقتصادية، وهذا يوجد حالة من عدم الاستقرار تجاه العملة البريطانية، ويدفع بالمضاربين إلى الابتعاد عنها.

وأشار مار إلى أنه منذ الاستفتاء على انفصال اسكتلندا عام 2014، والخلاف الذي شهدته المراحل السابقة للاستفتاء بشأن هل سيكون الاسترليني عملة اسكتلندا أيضا إذا ما انفصلت عن المملكة المتحدة أم لا؟، ونحن نلاحظ أن العوامل السياسية باتت تلعب دورا ملحوظا في تحديد قيمة العملة البريطانية، وزاد هذا الأمر في أعقاب تصويت الناخب البريطاني لصالح الخروج الأوروبي.

وألمح مار إلى أن أغلب التوقعات الآن تصب في أن التقلب في سعر العملة البريطانية في مواجهة العملات الدولية الأخرى سيتصاعد خلال الفترة المقبلة، إذ يتوقع أن تشهد فترة المفاوضات ومدتها عامان، الكثير من التسريبات الإعلامية، وسواء كانت صادقة أو محل شك، فجميعها سيؤثر على سعر صرف العملة البريطانية.

ويعتقد بعض المضاربين على العملات في بورصة لندن، أن الاسترليني سيشهد انخفاضا خلال الأسبوع الثاني من الشهر المقبل، وتشير أغلب التوقعات إلى أن الحكومة البريطانية ستطالب الاتحاد الأوروبي بتفعيل المادة 50 لمغادرة التكتل.

ومع هذا، يطرح المختصون في بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) وجهة نظر مختلفة، إذ يرى الدكتور أليستر تيم الاستشاري في اللجنة المالية للبنك، أن أغلب التوقعات تشير إلى أن الاسترليني سيواجه وضعا متقلبا خلال السنوات المقبلة. وأضاف لـ "الاقتصادية"، أن المضاربين يرجحون انخفاض الاسترليني في مواجهة العملات الدولية، لكن يجب أن نأخذ في الاعتبار أيضا أن أوضاع العملات الأخرى وتحديدا الدولار واليورو ليست أفضل كثيرا من الاسترليني.

وأشار تيم إلى ضبابية السياسة المالية التي ستتبعها واشنطن خلال السنوات الأربعة المقبلة، فهل ستختار الدولار القوي لجذب رؤوس الأموال الدولية أم الدولار الضعيف لزيادة الصادرات، وهناك انتظار في الأسواق لنتيجة الانتخابات الفرنسية والألمانية والهولندية التي ستؤثر على سعر صرف اليورو، ومن ثم لا يمكن الجزم بصورة تامة بشأن تراجع الاسترليني في مواجهة الدولار واليورو أو مقدار التراجع أو الزيادة مستقبلا.

وعلى الرغم من الشعور بعدم الارتياح الذي يسود في بعض الدوائر الرسمية، نتيجة التقلبات الراهنة في سعر صرف الاسترليني، وارتباطها بالمتغيرات السياسية أكثر من العوامل الاقتصادية، فإن الراهن لا يزال قائما بأن يؤدي ارتفاع معدلات النمو إلى الانعكاس إيجابا على سعر صرف العملة البريطانية.

وأعلن بنك إنجلترا أن توقعاته بشأن النمو البريطاني لهذا العام باتت أكثر إيجابية، ورفع بذلك معدل النمو المتوقع من0.8 في المائة في آب (أغسطس) الماضي إلى 1.7 في المائة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 إلى 2 في المائة حاليا.

ويقول لـ "الاقتصادية"، الدكتور ديفيد ميلر أستاذ الاقتصاد البريطاني في جامعة ليدز، إن الاسترليني فقد 16 في المائة من قيمته قبل استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي، وفي بعض المراحل بلغ 1.21 لكل دولار، وهذا الانخفاض من العوامل القوية لرفع معدلات التضخم المتوقع أن تصل إلى 2.7 في المائة العام المقبل، لتتجاوز بذلك الهدف الرسمي 2 في المائة.

ويحذر ميلر من مواصلة الاسترليني الانخفاض أمام العملات الدولية الأخرى، وعلى الرغم من مقدار ما سيتركه ذلك من آثار إيجابية على الاقتصاد البريطاني بزيادة الصادرات وخفض الواردات، إلا أنه سيكون له آثار سلبية على الإنفاق المحلي، وسيؤدي إلى انخفاض الإنفاق الاستهلاكي، وسيترجم هذا في انخفاض معدلات النمو المتوقعة من قبل بنك إنجلترا.

وسط تلك التقديرات يظل السؤال حول تأثير تلك التقلبات على قدرة المملكة المتحدة في جذب الاستثمارات إليها، سؤال مفصلي الآن ومستقبلا، وهو ما يعد تحديا رئيسا أمام الاقتصاد البريطاني في حالة الخروج من الاتحاد الأوروبي.

وتتباين وجهات نظر المختصين في ذلك الشأن، فزادي سميث الباحثة في بنك إنجلترا تعبر عن وجهة النظر الكلاسيكية والرسمية في هذا الشأن، التي ترى في تراجع سعر صرف الاسترليني مع انخفاض أسعار الفائدة عنصر جذب للاستثمارات الأجنبية.

وتوضح سميث لـ "الاقتصادية"، أن تراجع سعر صرف العملة البريطانية مقابل اليورو والدولار يعني أنه من مصلحة رؤوس الأموال الأجنبية نقل استثماراتها إلى بريطانيا، والاستثمار المباشر وليس إيداع رؤوس أموالها في المصارف نتيجة انخفاض أسعار الفائدة، وهذا سيؤدي إلى زيادة معدلات التوظيف وخفض البطالة، كما سيسهم في رفع معدلات التضخم إلى المستويات التي يأمل بنك إنجلترا في الوصل إليها وهي 2 في المائة، ومع انخفاض معدلات البطالة سترتفع الأجور ومن ثم سيزداد الإنفاق الاستهلاكي والطلب الكلي، ويرتفع مستوى المعيشة.

في المقابل، ترى مجموعة من المختصين في مجال الاستثمار، أن تلك الرؤية لن تجد لها أرضية في الواقع الاقتصادي البريطاني، إذا واصل سعر صرف الاسترليني تقلبه.

ويرى وليم باجان الخبير الاستثماري أنه إذا واصل الاسترليني تقلبه بين الانخفاض والارتفاع فمن المشكوك فيه أن يقنع ذلك التذبذب رجال الأعمال الدوليين على الاستثمار في بريطانيا، لأن تقلب العملة بين الارتفاع والانخفاض يمكن قراءته على أنه دليل على عدم الاستقرار، خاصة أن تقلب العملة البريطانية ناجم عن عوامل سياسية وليست اقتصادية، ولهذا أشك في أن ينجح عدم استقرار سعر صرف الاسترليني في مواجهة الدولار واليورو تحديدا على أن يبعث برسالة للأسواق بأنه من المربح الاستثمار في المملكة المتحدة.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً